النازحون السوريون في لبنان: إلى أين يعودون

باستثناء رحلات محدودة للاجئين في الأردن، فقد توقفت حملات إعادة اللاجئين في لبنان بسبب انتقادات الأمم المتحدة.
الثلاثاء 2023/08/01
اللاجئون عامل ضغط ديموغرافي وسياسي

بيروت - يدفع الفقر اللبنانيين وحكومتهم الى السعي للتخلص من أعباء وجود نازحين سوريين. وبالرغم من محاولات أولى لإعادة بعض هؤلاء، إلا أن حملة “الإعادة”، سواء أكانت طوعية أم قسرية، سرعان ما انتهت إلى الفشل، بالنظر إلى عدة مشكلات على الجانب الآخر.

ومعظم النازحين هم من مواطني “سوريا غير المفيدة”. وحيث أن مجموع اللاجئين السوريين إلى لبنان يبلغ نحو مليوني نسمة، فإن هذا العدد يمكنه أن يخل بـ”التوازن الديمغرافي” الجديد من وجهة نظر “سوريا المفيدة”. ويمكن أن يتحول إلى عامل من عوامل الضغط السياسي مستقبلا، وذلك حتى ولو توفرت أسباب تسمح للمواطنين “غير المفيدين” بأن يكونوا مجرد مواطنين مطيعين وليست لديهم مطالب سياسية، فقط من أجل العودة إلى منازلهم.

المشكلة الأخرى، هي أن تلك المنازل لم تعد موجودة أصلا. تهدم منها ما تهدم، أو تم إسكان “مواطنين مفيدين” فيها. مما يمكن أن يخلق أزمة حقوق ومطالب عقارية، تتحول بدورها إلى مصدر للصداع السياسي.

15

ألف لاجئ سوري ستتم إعادتهم إلى بلادهم شهريًا، وفق خطة لحكومة ميقاتي أقرتها عام 2022

وكانت قضية عودة اللاجئين ثاني أكبر قضيتين في المباحثات التي سبقت إعلان عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، بعد قضية تهريب المخدرات. والقمة العربية التي اختتمت أعمالها في جدة في 19 مايو الماضي، تضمنت الدعوة إلى تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا لتجاوز أزمتها، و”تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا”. إلا أن شيئا كبيرا لم يحدث على هذا الصعيد منذ ذلك الوقت. وباستثناء رحلات محدودة لبضعة آلاف من اللاجئين في الأردن، فقد توقفت حملات إعادة اللاجئين في لبنان بسبب انتقادات الأمم المتحدة.

وبالنظر إلى “حساسية” الملف على الجانب السوري، فقد تخلى وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب عن مسؤولية قيادة وفد إلى سوريا لبحث هذا الموضوع، وذلك بعد أن تنصل منه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أيضا. وهو ما دفع وزير المهجرين عصام شرف الدين إلى القول إنه «صار ضرورياً أن يكون هناك رئيس جديد (للوفد) يمنح صلاحيات للتواصل مع الجانب السوري، للتفاهم على ورقة عمل وإنجاز الخطة ووضع بروتوكول تعاون بين دولتين».

أوساط قريبة من الرئيس ميقاتي برّرت امتناعه عن تولي المهمة بالعقوبات الأميركية على سوريا. إلا أن بعض المراقبين يرى أن ميقاتي لا يريد أن يلقي بجمرة هذه القضية في كف الرئيس السوري بشار الأسد. واختار أن يخاطبه من بعيد، عندما شارك في مؤتمر روما «لمناقشة الهجرة عبر المتوسط» ليقول «بما أن الصراع في سوريا انتهى، نحتاج إلى وضع خطة للعودة الآمنة والمضمونة لجميع اللاجئين إلى وطنهم. ويجب على المنظمات الدولية والجهات المانحة، عوضاً عن تمويل إقامتهم في لبنان، إعادة توجيه هذه الأموال لدفعها بشروط للأفراد والأسر التي تقرر العودة إلى وطنها».

وكان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أعرب عن الأمل بأن يجد الاتحاد الأوروبي حلا سريعا للأزمة. والحل بحسب المواصفات التي يأمل بها المسؤولون اللبنانيون يتعلق بتمويل إعادة إسكان اللاجئين. وهو مما يتطلب عدة مليارات من الدولارات، إلا أن ذلك يعود ليصطدم بالعقوبات ضد سوريا.

وقال بري خلال استقباله “بعثة العلاقات مع بلدان المشرق في البرلمان الأوروبي” برئاسة النائبة إيزابيل سانتوس والوفد النيابي المرافق لها في 20 يونيو الماضي إنه “لم يعد جائزاً لا أخلاقياً ولا إنسانياً ولا قانونياً تجاهل التداعيات الناجمة عن أزمة النازحين السوريين على لبنان والتي يجب أن تحل بعودة طوعية إلى وطنهم الأم ومساعدتهم هناك”.

tt

وعلى سبيل زيادة الضغوط على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، فقد عرقلت حكومة ميقاتي مؤخراً برنامجاً لتوزيع مساعدات نقدية بالدولار التي تقدمها الأمم المتحدة للاجئين المسجلين والبالغ عددهم 800 ألف لاجئ من أصل مليونين آخرين. وعلى إثر ذلك، صوّت البرلمان الأوروبي في 12 يوليو الماضي، على قرار يدعو إلى استمرار تقديم المساعدات إلى اللاجئين في لبنان، ويشير إلى “عدم تلبية شروط العودة الطوعية والكريمة إلى سوريا”. وهو ما دفع ميقاتي إلى القول خلال “مؤتمر روما” إن “قرار برلمان الاتحاد الأوروبي الأخير يتغاضى عن التعقيدات والتحديات المتعددة التي تواجه لبنان.. وإن هذا القرار هو انتهاك واضح للسيادة اللبنانية ولا يأخذ في الاعتبار مخاوف اللبنانيين وتطلعاتهم”.

وكانت حكومة ميقاتي أقرت أواخر عام 2022 خطة تقضي بإعادة 15 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم شهريًا، إلا أن الخطة اصطدمت برفض الأمم المتحدة التي طلبت من بيروت التريث حتى تتوفر ضمانات بأمن اللاجئين العائدين، وحتى تتوفر مستلزمات لإيوائهم.

ودعت المنسّقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي في بيان حينها الحكومة اللبنانية للالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية وضمان العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين. كما قالت منظمات حقوق الإنسان إنّ بعض اللاجئين تعرّضوا للاضطهاد، ورفضت فكرة أنّ عودتهم آمنة.

وعلى الرغم من أن اللاجئين السوريين لا يشكّلون عبئا ماديا على الحكومة اللبنانية، بل إنها تتلقى مساعدات تجاوزت في مجموعها حتى الآن أكثر من 6 مليارات دولار، وبالنظر إلى أن قسطا من اللاجئين أنفسهم يتلقون مساعدات مالية من جهات دولية عدة، مثل مفوضية اللاجئين الأممية، وبرنامج الغذاء العالمي، والاتحاد الأوروبي، إلا أن المسؤولين اللبنانيين يقولون إن الضغط الذي يشكله اللاجئون السوريون على أنظمة الخدمات، المنهكة أصلا، لا يسمح باستمرار بقائهم في لبنان.

وخشية المسؤولين اللبنانيين من طرح الموضوع على الجانب السوري، دفعت وزير المهجرين إلى القول، بحسب تصريحات لوسائل إعلام محلية، إنه “ثابر على التواصل مع الرئيس ميقاتي لسؤاله عن زيارة سوريا بنفسه”، و”كنت في كل مرة أسمع جواباً مختلفاً يحمل بعضاً من التسويف وتحميل المسؤولية لوزير الخارجية عبدالله بوحبيب لجهة عدم ترؤس وفد رسمي إلى سوريا”.

oo

شرف الدين قال أيضا إن مجموعة في الحكومة اللبنانية تتعمّد عدم طرح موضوع النازحين، “ففي في أول زيارة لي إلى سوريا، قمت بتحضير تقرير لطرحه في الجلسة، عندما قام أحد الوزراء بمقاطعتي في محاولة لتأجيل الجلسة لمدة شهر، فلجأت إلى الضغط عبر وسائل الإعلام، من أجل عقد جلسة لا تهمّش موضوع النازحين”.

وقال إن مباحثاته مع وزير الإدارة المحلية السوري حسين مخلوف كانت إيجابية جدا وهو “قدّم سلة من المعطيات المساعدة، مثل: العفو العام حتى عن الذين حملوا السلاح، مساعدات في السكن، مراكز إيواء، سلة من المساعدات العينية، لكن للأسف الحكومة في لبنان أمست حكومة تصريف أعمال”. فمليونا لاجئ سوري ترعاهم الأمم المتحدة، مثلوا إغراء لـ”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بإعلان الاستعداد لاستقبالهم.

وأجرى وفد من “الإدارة الذاتية” الأسبوع الماضي محادثات مع الوزير بوحبيب في بيروت، حول المبادرة التي سبق وأن أعلتنها “الإدارة الذاتية” في 18 أبريل الماضي وتقضي باستقبال اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان، في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتي تشمل أجزاء من 4 محافظات سورية هي الحسكة والرقة وحلب ودير الزور.

ويقول مراقبون إن دوافع “الإدارة الذاتية” تتجاوز المنافع المادية التي يمكن تلقيها من منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى مكسب ذي طبيعة “إستراتيجية” وهو أن وجود مليوني مواطن يعني تعزيز قدرات هذه الإدارة الدفاعية، كما أنها تشكل عامل ضغط ديمغرافي وسياسي يجعل من “سوريا غير المفيدة” قوة لا يستهان بها في التفاوض على حل سياسي للأزمة في البلاد.

7