العراق يبحث عن علاج لمواجهة آفة المخدرات

فتح مراكز لإعادة تأهيل المدمنين فيها أقسام للنساء.
الثلاثاء 2023/08/01
إرادة المدمن طريق الإقلاع

أمام الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العراقيون مع بداية القرن الحالي انتشرت ظاهرة إدمان المخدرات خصوصا في صفوف الشباب من الجنسين، ومع القوانين الزجرية للمهربين والمستهلكين تحاول السلطات العراقية إيجاد مراكز إعادة تأهيل المدمنين ومساعدتهم على التخلص من تعاطي هذه السموم.

بغداد - على مدى سبع سنوات، كان محمد يتناول بشكل يومي نحو عشر حبّات من الكبتاغون، لكن الشاب البالغ من العمر 23 عاماً يريد الآن أن يتحرّر من إدمان المخدرات، الآفة التي يشنّ عليها العراق حرباً شاملة.

وتحوّل العراق، الذي له حدود مع إيران وسوريا والسعودية، إلى ممر لتجارة المخدرات، لكن في السنوات الأخيرة تفاقم فيه استهلاك هذه السموم، فيما تسعى الحكومة لإيجاد حلول للأزمة لاسيما عبر معالجة المدمنين.

وأكثر أنواع المخدرات انتشاراً في العراق هو الميثامفيتامين أو الكريستال، الذي يأتي عموما من أفغانستان أو إيران. ويوجد كذلك الكبتاغون وهو من نوع الأمفيتامين الذي يجري إنتاجه على نطاق صناعي في سوريا، قبل أن يعبر الحدود إلى العراق ويغرق أسواق الدول الخليجية الثرية.

وحالياً يستقبل مستشفى إعادة تأهيل للمدمنين الذي افتتحته وزارة الصحة في أبريل حوالي 40 شخصا جاءوا بأنفسهم إلى “مركز القناة للتأهيل الاجتماعي”.

ومن بينهم محمد الذي يتعاطى منذ أن كان بعمر 16 عاماً “10 أو 12” حبة كبتاغون في اليوم، كما يروي تحت اسم مستعار، مضيفا أنه كان يعمل في متجر للمواد الغذائية ودفعه زملاؤه إلى بدء تعاطي الكبتاغون من نوع “صفر واحد”.

ماكينة كبتاغون
ماكينة كبتاغون

ويتابع الشاب المتحدّر من محافظة الأنبار الواقعة في غرب العراق والحدودية مع سوريا والسعودية “يتعاطونها في المتجر، تعطي نشاطا وقوة وتمنعك من النوم”. ويضيف أن الحبة التي يبلغ ثمنها دولارين “منتشرة في كل مكان، ومن الممكن الحصول عليها بسهولة”.

وبعدما أمضى للمرة الأولى أسبوعين في المركز عاد إلى منزله، لكنه قرر بعد ذلك الرجوع إلى العيادة خشية الاستسلام للتعاطي من جديد. ويقول إن الكبتاغون يقود المرء “إما إلى السجن أو إلى الموت”.

ويعاقب كل من يستورد أو يصدر أو يصنع مواد مخدرة بالإعدام أو بالسجن المؤبد، مضيفا أن القانون نص على أن من يتعاطى المخدرات يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين 10 سنوات و15 سنة، وهناك عقوبات أخرى لمن يتم ضبطه بتهمة تعاطي المخدرات.

ومن حول محمد وفي أجواء تسودها الراحة في قاعة الرياضة في العيادة، كان رجال من مختلف الأعمار يلعبون كرة الطاولة أو “بايبي فوت”، بعضهم كان مبتسماً فيما بدت ملامح التعب على وجوه آخرين الذين يجاهدون للتخلص من الإدمان. وتضمّ العيادة أيضا قسماً للنساء اللاتي يواجهن صعوبة في إعادة الاندماج بالمجتمع لذلك تتم معالجتهن بشكل سرّي.

ويقضي الشخص في العيادة شهراً وأحياناً شهرين أو ثلاثة بحسب حالته، فيما يتلقى المرضى دعماً نفسياً أيضاً خلال جلسات فردية يومية أو جماعية أسبوعياً. وبعد خروجهم من العيادة، يواظب المرضى على زيارات أسبوعية لستة أشهر.

ويقول مدير المركز عبدالكريم صادق كريم إن العيادة تستقبل “مختلف الأعمار، تبدأ من الـ14 و15 عاماً، لكن معظمهم في العشرينات من العمر”. ويضيف أن نوع المخدر الأكثر انتشاراً هو الكريستال إذ “يسبب الإدمان من أول جرعة”.

إيقاف 10 آلاف شخص بتهم مرتبطة بجرائم مخدرات من متاجرين ومهربين ومروجين ومتعاطين بين أكتوبر 2022 ويونيو 2023
إيقاف 10 آلاف شخص بتهم مرتبطة بجرائم مخدرات من متاجرين ومهربين ومروجين ومتعاطين بين أكتوبر 2022 ويونيو 2023

من جهته يرى علي عبدالله المعاون الإداري للمركز أن التعاطي “آفة تدمّر البشر نهائياً”، موضحاً أن استهلاك المخدرات تصاعد في العراق بعد العام 2016.

وتعلن القوات الأمنية العراقية حالياً وبشكل شبه يومي عن عمليات مداهمة وتوقيفات مرتبطة بالمخدرات.

وبين أكتوبر 2022 ويونيو 2023 أوقف 10 آلاف شخص “بتهم مرتبطة بجرائم مخدرات، من متاجرين وناقلين ومهربين ومروجين ومتعاطين”، كما قال حسين التميمي المتحدث باسم المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية.

كذلك ضبطت 10 ملايين حبة كبتاغون و500 كيلوغرام من المخدرات، بينها 385 كلغ من الكريستال على الأقل خلال الفترة نفسها، وفق الأرقام التي أفصح عنها مسؤولون من مديرية شؤون المخدرات. وتلقى هذه العمليات نجاحاً غالباً بفعل تعاون إقليمي متزايد وعمل استخباراتي مشترك في جمع المعلومات.

ويقول التميمي إن “ملف شؤون المخدرات ملف دولي” ولذلك استقبلت بغداد في مايو مؤتمراً جمع عدة دول مجاورة، كان من أهم مخرجاته “إنشاء قاعدة بيانات لتبادل المعلومات في ملف شؤون المخدرات والمؤثرات العقلية”، فضلاً عن “إعداد نقاط تواصل بشكل أسبوعي بين المديرية العامة والأجهزة المختصة في الدول العربية والإقليمية”.

ووفق أرقام رسمية، ضُبطت في الشرق الأوسط 110 ملايين حبة كبتاغون على الأقل في العام 2023. ومنتصف يوليو أفادت وزارة الداخلية عن اكتشاف غير مسبوق لموقع لتصنيع الكبتاغون في جنوب العراق حيث لا يزال تصنيع المخدرات ضعيفاً.

وبات العراق ممراً مهماً لتجارة الكبتاغون خاصة لأن جاره الأردن، بلد ممر آخر لهذه التجارة، عزز حدوده ولا يتردد في إطلاق النار على المهربين، كما أفاد دبلوماسي غربي في بغداد.

tt

وحتى قبل سبع سنوات فقط، كان العراق بلد ممرٍ حصرا، لكن لتمويل حقوق المرور استخدمت المخدرات عوضاً عن المال، ما أدى إلى إعادة بيعها واستهلاكها في السوق المحلية، وفق المصدر نفسه الذي طلب عدم الكشف عن هويته.

وأضاف المصدر أنه “من الممكن أن يشكل العراق سوقاً حقيقية، في حال حصول نمو اقتصادي وارتفاع القدرة الشرائية” في بلد يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة ويضم مجتمعه نسبة كبيرة من الشباب.

وتدرك الحكومة العراقية خطورة الموضوع. ولذلك فتحت ثلاثة مراكز لإعادة التأهيل في محافظات الأنبار (غرب) وكركوك (شمال) والنجف (جنوب) لاستقبال المدمنين الذين تم توقيفهم. وتعتزم السلطات فتح مراكز مماثلة في كافة المحافظات.

16