إنها قرطاج يا سعد

الصعود على مسرح قرطاج “حلم تحقق بعد طول انتظار”. هذا ما قاله الفنان المصري أحمد سعد فور صعوده على المسرح العريق.
ومهما كان السبب، لا شك أن تجربة سعد التي خاضها يوم السبت الماضي لن تمحى من ذاكرته.
تونس لا تمنح الفنانين المشاركين في مهرجان قرطاج جوائز. ببساطة، لأن الوقوف على ركح قرطاج أمام جمهور ذواق مثل الجمهور التونسي هو جائزة بحد ذاته.
كان على سعد أن يعتلي قرطاج ليكتشف من هي تونس، ومن هي المرأة التونسية. وهذا ما حدث منذ اللحظة الأولى.
هذا ليس مجرد يوم “حلو”.. إنه أكثر من ذلك بكثير. سيغادر سعد تونس وهو يفكر في العودة إليها.
بجهد أخفى سعد دموعا تسللت من عينه، وهو يرى الآلاف من التونسيين والتونسيات يرددون وترددن كل جملة موسيقية وكل كلمة من كلمات أغانيه. ليس داخل مطعم أو ناد ليلي الحضور فيه سكارى، بل على أحجار مسرح قرطاج، وأمام جمهور من الذواقة.
التونسيون ذواقة بالفطرة، ليس بشهادتي، بل بشهادة مطربين أقحاح.
هذا مسرح ليس كباقي المسارح.. هنا تحلق أطياف عشرات الفنانين الذين غادروا الحياة وبقي حضورهم حيا في قلوب تونس وأهلها.
ليقرصني أحدهم.. هل هذا حلم أم يقين؟
إنه حلم يا سعد. حلم أن تختارك تونس للوقوف على ركحها. وشرف أن تغني أمام رجال تونس ونسائها.. فقدم لهم ولهن اعتذارك.
جمهور قرطاج يمنحك الفرصة لتعتذر عن زلّة لسان. فاكتب صفحة جديدة من على مسرح قرطاج العظيم.
بلغة رشيقة وجميلة تحمل خفة دم المصريين وطيبتهم، قدم سعد اعتذاره “أنا لمّا سألت عن الجمال قالولي هي، هي الأصل والاحترام والشهامة.. سألت عن اسمها؟ قالولي تونسية”.
لن تنسى يا سعد هذا اللقاء، ولن تبعدك قوة عن جمهور تونس، حتى لو ربطوك بالسلاسل، كما ربط أوليس بحارته يوما. ستظل تحلم بالرجوع إليها، وستعود غير آبه بالأجر.
ستعود لأنك في تونس حزت على تاج من ورق الغار والزيتون، هو حب تونس وأهلها. وهو أغلى من كنوز الأرض.
في قرطاج فقط يمكن للفنان أن يكتشف أن “الحفل ليس لمن غنّى فيه بل لمن حضر بهذا الجمال وهذا المستوى”.
اكتشف سعد ما اكتشفه من قبله فنانون كبار، أمثال وديع الصافي وصباح فخري وجورج وسوف.. وعشرات غيرهم. الثلاثة الذين ذكرتهم لم يرفع أيّ منهم صوته بالغناء في آخر حفلة له على قرطاج.. الجمهور قام بالغناء نيابة عنهم.
مرة أخرى وبأسلوب مغاير يعرب ابن النيل عن سعادته بهذا الجمهور وقدرته على الغناء بصوت واحد وإيقاع معدّل كما لو أنه كورال مصاحب لفرقته ذات العازفين العشرة.
إلى جانب أغانيه الخاصة غنّى أحمد سعد لوردة الجزائرية وذكرى محمد ومقطع من “ودارت الأيام” لأم كلثوم، يرافقه الجمهور الذي أدهشه على امتداد الحفل، تلك الدهشة التي تواصلت بعد السهرة وعبّر عنها خلال اللقاء الذي جمعه بممثلي وسائل الإعلام قائلا “لأول مرة أواجه جمهورا يحفظ الأغاني أكثر من الفنان”.