ترميم ورقمنة مخطوطات تروي تاريخ مدينة القدس

مشروع ترميم ورقمنة المخطوطات يهدف إلى المحافظة على التراث الثقافي في القدس وحفظ المخطوطات والنوادر الموجودة في المنطقة.
الثلاثاء 2023/07/25
الحفاظ على التراث

تحتوي المكتبة الخالدية الخاصة على مخطوطات نادرة بلغات مختلفة توثّق جزءا من تاريخ أهل القدس الاجتماعي والثقافي وإثبات وجود الفلسطينيين في المدينة منذ القدم، لذلك يجب ترميم هذه النفائس ورقمنتها رغم شح التمويل.

القدس- يتناول الخبير رامي سلامة في معمل ترميم في المكتبة الخالدية مخطوطا قديما من خزانة للعمل عليه بعد أن انتهى من ترميم 1200 ورقة أخرى، في إطار عملية رقمنة مخطوطات نادرة توثّق جزءا من تاريخ مدينة القدس.

وتمثّل هذه الأوراق 18 مخطوطة يتراوح عمرها بين 250 و300 عام رمّمها سلامة خلال العامين والنصف الماضيين في المعمل المؤلف من غرفة صغيرة تعاني من الرطوبة.

وتعود تلك المخطوطات إلى ثلاث مكتبات فلسطينية خاصة في القدس الشرقية المحتلة هي البديرية وإسعاف النشاشيبي والخالدية التي لها الحصة الأكبر منها (11 مخطوطة).

ويقول سلامة وهو يمسك بفرشاة لتنظيف المخطوطة “تتنوّع عناوين المخطوطات بين الفقه والفلك والسيرة النبوية والقرآن”، مضيفا “معظمها باللغة العربية وهناك مخطوطات بالفارسية أيضا”.

وعقب التنظيف، ينتقل المرمّم الوحيد في المكتبة إلى تفحّص مخطوط لقواعد اللغة العربية أخرجه من الخزانة ويعود إلى ما قبل 200 عام تقريبا.

وبدا سلامة الذي درس الترميم في إيطاليا مرتاحا لعدم وجود حاجة إلى غسل المخطوط وتنقيته من الأكسدة التي تعرض لها عبر السنوات.

◙ عدد المخطوطات الموجودة اليوم يبلغ حوالي 1200 تشمل نحو ألفي عنوان أقدمها يعود إلى ألف عام تقريبا
عدد المخطوطات الموجودة اليوم يبلغ حوالي 1200 تشمل نحو ألفي عنوان أقدمها يعود إلى ألف عام تقريبا

ويستخدم الخبير ورقا يابانيا خاصا بوزن أربعة غرامات يلصقه على الفراغات لإخفاء تمزّق في الأوراق بواسطة مادة لاصقة أساسها الماء يمكن تفكيكها في حال وقع أي خطأ.

أما التجليد فهو آخر مرحلة، لكن لا يشمل جميع المخطوطات نظرا إلى الكلفة العالية في ظل شحّ الموازنات.

وتقع المكتبة الخالدية التي أسّسها راغب الخالدي في العام 1900 تنفيذا لوصية والدته خديجة، في طريق السلسلة داخل البلدة القديمة على بعد أمتار من إحدى البوابات الرئيسية للحرم القدسي. ويتكوّن مبنى أول مكتبة عمومية خاصة في القدس من ثلاثة أبنية مملوكية تعود إلى القرن الثالث عشر.

وتعدّ مخطوطات المكتبة الخالدية من أكبر مجموعات المخطوطات الإسلامية المملوكة لعائلة واحدة في العالم، ووفق الفهرس تعود أقدمها وهي مخطوطة دينية، إلى القرن العاشر الميلادي.

وكانت المكتبة تضمّ لدى انطلاقتها، بحسب رسالة تأسيسها التي كتبها ووقعها الخالدي، 1300 مؤلَف بينها ما يزيد عن 700 مخطوطة، وعددا كبيرا من الكتب المطبوعة.

ويبلغ عدد المخطوطات الموجودة اليوم، بحسب أمين المكتبة خضر سلامة، حوالي 1200 تشمل نحو ألفي عنوان أقدمها يعود إلى ألف عام تقريبا. ومعظم تلك المخطوطات باللغة العربية، وهناك أيضا “50 مخطوطة باللغة التركية و20 بالفارسية”.

أما المجموعة المطبوعة فتضمّ قرابة 5500 مجلد أغلبها من القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى مجموعة ضخمة من أرشيف عائلة الخالدي تعود إلى أوائل القرن الثامن عشر.

وتضمّ المخطوطات التي تمّ ترميمها فرمانات عثمانية ودفاتر حسابات خاصة بأوقاف العائلة في المدينة ورسائل متبادلة بين أفرادها وغيرها.

كما تحتوي المكتبة على كتب باللغتين الفرنسية والألمانية.

ويرجع سبب وجود هذه الأجزاء في مكتبة فلسطينية إلى روحي الخالدي الباحث والسياسي الذي درس في جامعة السوربون وكان قنصلا للدولة العثمانية في بوردو الفرنسية.

وتحتفظ المكتبة أيضا بمخطوطات هي عبارة عن رسائل بالفرنسية كتبها الخالدي بخط يده.

وتقول مسؤولة الأرشيف الرقمي في المكتبة الخالدية شيماء البديري “نصوّر الوثائق بدقة عالية جدا ودون تعريض الأوراق للضوء، فوضع المخطوطات حسّاس جدا ونريد الحفاظ عليها أطول فترة ممكنة”.

وتقوم بتصوير أوراق وحفظها في الكمبيوتر، موضحة أنها تحتفظ بنسختين من كل صورة، ولكل صفحة رقم تسلسلي لتسهيل العودة إليها.

وانتهت البديري من تصوير 2.5 مليون صفحة لمخطوطات وصحف وكتب نادرة وغيرها من الوثائق في المكتبات الأربع الخاصة في القدس.

المخطوطات تعود إلى ثلاث مكتبات فلسطينية خاصة في القدس الشرقية المحتلة هي البديرية وإسعاف النشاشيبي والخالدية

ويمكن لأي باحث التواصل مع المكتبة الخالدية للحصول على المخطوطات والوثائق عبر مراسلتها من خلال البريد الإلكتروني.

وتقول البديري إن إقبال الباحثين على المخطوطات كبير جدا.

ونفّذ سلامة والبديري عملهما في الترميم والرقمنة ضمن مشاريع للحفاظ على التراث الثقافي في القدس بدعم محلي وخارجي، وذلك في “أول خطوة لحفظ المخطوطات والنوادر الموجودة في القدس”، وفق سلامة.

ويأمل سلامة في توفّر المزيد من التمويل لاستكمال أعمال الترميم والرقمنة بشكل أوسع وتحديث مختبر ترميم المخطوطات المتواضع وتوفير صناديق خالية من الحمض لحفظ المخطوطات.

ويتابع أمين المكتبة “قيمة المخطوطة أنها تسمح لنا بفهم الوضع الثقافي والاجتماعي لأهل القدس في ذلك الزمان”.

ويلفت إلى أن “هذا ينفي الطرح الصهيوني بأن هذه البلاد كانت فارغة، ووجود مخطوطات تعود إلى مئات السنين دلالة على الوجود الفلسطيني في هذه المدينة منذ قرون”.

ويشير سلامة إلى أن جزءا من المكتبة ذهب لصالح مدرسة دينية يهودية “بعد معركة قضائية طويلة”.

لكنه ينوّه إلى أن “وجود المكتبة حمى بقية المبنى من المستوطنين”، وكذلك “شهادات لمثقفين إسرائيليين” أمام القضاء لصالح المكتبة وأصالة وجودها كمكتبة فلسطينية.

صورة

صورة

صورة

18