هبّة الصدر أبعد من نصرة الإسلام.. أقرب لاستعراض القوة

المئات يتظاهرون في بغداد بدعوة من مقتدى الصدر احتجاجا على تدنيس القرآن في خطوة تبدو رسالة من زعيم التيار الصدري لخصومه السياسيين بأنه لا يزال قادرا على التأثير وتحريك الشارع في كل لحظة.
الجمعة 2023/07/21
للصدر قدرة كبيرة على توظيف أي حدث لخدمة أجندته

بغداد - عاد التيار الصدري بقوة للساحات العامة بدعوة من زعيمه مقتدى الصدر للاحتجاج على تدنيس لاجئ عراقي متطرف نسخة من القرآن في ستوكهولم بترخيص وحماية من الشرطة السويدية، في عودة تذهب أبعد بكثير من مجرد الاحتجاج على فعل مستفز لمشاعر المسلمين إلى فتح الطريق للعودة للحياة السياسية ورسائل مضمونة الوصول لخصومه من قوى الإطار التنسيقي وخاصة ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وبعد اقتحام أنصاره مبنى السفارة السويدية في بغداد أمس الخميس وإحراق جزء منها، تظاهر المئات في العراق بعد صلاة الجمعة بدعوة من الصدر، للتنديد من جديد بتدنيس القرآن في السويد الذي أثار أزمة دبلوماسية خطيرة بين بغداد وستوكهولم.

واحتمى المتظاهرون الجمعة من أشعة الشمس بمظلّات، مفترشين سجادات الصلاة في ساحة واسعة في حيّ مدينة الصدر الفقير في بغداد، هاتفين "نعم نعم للإسلام، نعم نعم للقرآن"، في مشهد يذكر باحتلال الصدريين للساحات العامة في مناسبات سابقة في خضم معارك لي الأذرع التي خاضها زعيم التيار الصدري ضد خصومه من قوى الإطار التنسيقي المقربة من إيران والتي تمثل حاليا الغطاء السياسي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وكان واضحا خلال الفترة الأخيرة أن الصدر الذي أعلن اعتزاله السياسة بعد معركة حامية مع خصومه أخرجته منكسرا سياسيا ومنحت القوى الشيعية الموالية لطهران فرصة لاستعادة الحكم، يبحث عن منفذ يعيده للمسك بزمام الأمور وإظهار أنه لا يزال يتمتع بتأثير قوي وبقدرة عالية على تحريك الشارع حتى بعدما خسر غطاء الشرعية الدينية كممثل للصدريين حين خذله المرجع الشيعي والأب الروحي للتيار الصدري كاظم الحائري الذي اعتزل المرجعية في بيان أصدره من إيران.

ولم يسبق أن أعلن أي مرجع شيعي اعتزاله المرجعية، لكن خطوة الحائري كانت في وقتها وتوقيتها، سياسية بامتياز وبدفع إيراني لإضعاف مقتدى الصدر وكبح جماحه وطموحاته.

وعودة الصدريين للشارع كانت مسبوقة بأمر يعتبر مفصليا في سياقاته السياسية، حيث مهد الصدريون بداية للعودة للحياة السياسية من بوابة انتخابات مجالس المحافظات وهي انتخابات مهمة وتشكل اختبارا لنفوذ وقدرة الأحزاب السياسية ووزنها في المشهد المضطرب.

وكان لافتا في الأيام الماضية أن الصدر ذاهب للتصعيد على أكثر من جبهة لإعادة ترتيب المشهد على طريقته مراوحا بين التجييش والتهدئة حتى يفهم خصومه أنه لا يزال بمقدوره تحريك الشارع وتبريده.

ويتعلق التصعيد الأخير بالتوتر المفاجئ بعد هدوء جبهة المواجهة مع حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي الخصم القديم الجديد للصدر، حيث أشعلت منشورات على منصات اجتماعية ومواقع منسوبة لحزب الدعوة، حراك الصدريين الذين بادروا بحرق وإغلاق مكاتب في جنوب العراق تابعة لحزب المالكي وأيضا لحركة عصائب أهل الحق التي ولدت من رحم انشقاقات سابقة في التيار الصدري.

وشكلت تلك الأحداث علامة بارزة في سياق مسار العودة للمشهد السياسي بقوة أو إظهار أن الصدر رقم صعب لا يمكن تجاهله ولا يمكن استبعاده من معادلة الاستقرار السياسي.

وشكلت هبة الصدريين أمس الخميس واليوم الجمعة رسالة واضحة للخصوم ولرئيس الحكومة وغطائه السياسي وهو الذي سارع لطرد السفيرة السويدية واستدعاء القائم بأعمال السفارة العراقية في ستوكهولم.

لكن هبة الصدريين بدفع وتجييش من الصدر، تذهب إلى أبعد من مضامينها الدينية كنصرة للقرآن وغيرة على المقدسات الإسلامية إلى أهداف أخرى ترسم بوضوح خطوط مسار زعيم التيار الصدري.

وبدا ذلك جليا من خلال كلمة مقتضبة للصدر أمس الخميس قال فيها إنه لم يشأ التصعيد ضد السويد بسبب صورته وحتى لا يؤخذ الأمر بشكل شخصي.

وجاءت كلمته عقب اقتحام أنصاره السفارة السويدية وإضرام النار فيها، تنديدا بسماح السلطات السويدية بتدنيس نسخة أخرى من المصحف الشريف.

ودعا جامعة الدول العربية إلى "الاجتماع في العراق أو خارجه من أجل نصرة الإسلام"، مطالبا السعودية وإيران والشعوب الإسلامية كافة بـ"موقف" إزاء الإساءة للمصحف الشريف، ودول العالم بـ"سن قانون يجرم حرق القرآن ويجعله جريمة إرهابية".

وتابع "الشعب العراقي مع القوات الأمنية... وحرق القرآن من شخص مسيحي لا يعني أنه يمثل المسيحيين".  

صور الصدر ونسخ من المصحف

وبعد تأدية الصلاة، رفع المئات وغالبيتهم من الرجال، نسخا من المصحف وصورا لمقتدى الصدر، هاتفين من جديد "نعم نعم للقرآن" و"نعم نعم للعراق"، وهم يلوحون بالأعلام العراقية.

وحرق محتجون علم المثليين وهو فعل يرى فيه مقتدى الصدر تحديا واضحا للغرب وتنديدا بـ"ازدواجية المعايير" المتعلقة بحرية التعبير.

وقال عامر شمال الموظف في بلدية مدينة الصدر المشارك في التظاهرة إنه "من خلال هذه التظاهرة نريد أن نوصل صوتنا للأمم المتحدة ونطلب تجريم أي شخص يحاول الإساءة إلى الكتب السماوية، سواء كانت تابعة للمسلمين والمسيحيين أو اليهود، كلها كتب مقدسة".

ومنذ يناير، جرى حرق المصحف أو صفحات منه، مرتين في السويد، الثانية منهما في يونيو على يد اللاجئ العراقي في السويد سلوان موميكا، ما أثار غضبا في العالم الإسلامي. والأولى في يناير، حين قام المتطرف اليميني السويدي الدنماركي راسموس بالودان بالفعل نفسه قرب السفارة التركية.

ووسط حماية الشرطة السويدية، قام موميكا الخميس بدوس المصحف مرارا أمام مقر السفارة العراقية في ستوكهولم، لكنّه غادر المكان من دون أن يحرق صفحات منه كما سبق أن فعل، فيما احتشد أمامه جمع من الناس للاحتجاج على فعلته.

وسمحت الشرطة السويدية بهذا التجمع باسم حرية التظاهر، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن ذلك لا يعني أنها تتفق مع مضمونه، إلا أن تلك الخطوة أثارت أزمة دبلوماسية خطيرة بين السويد والعراق الذي طرد السفيرة السويدية وسحب القائم بأعماله من ستوكهولم. كما قامت بغداد بتعليق رخصة شركة "إريسكون" السويدية العملاقة للاتصالات على أراضيها.

واقتحم مناصرو الصدر مرتين السفارة السويدية، فيما قاموا بحرقها فجر 20 يوليو. والجمعة، قال المتظاهر صباح الطائي البالغ من العمر 45 عاما "طرد السفيرة أمر قليل، نريد أكثر"، فيما كان شارك هو نفسه في اقتحام السفارة السويدية في بغداد، مضيفا "دخلنا السفارة وطردنا السفيرة، لكن نريد أكثر من ذلك".