الغلاء يحرم المصريين من الاصطياف

خلف ارتفاع غير مسبوق في معدل التضخم تأثيراته على مستوى معيشة المصريين ونزل بمستوى أفراد الطبقة الوسطى إلى مصاف الفقراء بعد أن أصبحوا عاجزين عن توفير الكثير من متطلبات الحياة مثل عطلة الصيف التي كانوا يقضونها مع عائلاتهم بسبب غلاء المنتجعات التي كانوا يرتادونها، ومن له مدخرات أصبحت غير كافية للسفر إلى الساحل.
القاهرة - في ظل أزمة اقتصادية أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في معدل التضخم، اضطر مرتادو المصايف في مصر إلى تغيير خططهم لمواكبة زيادة الأسعار.
وارتفع معدل التضخم السنوي في مصر إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 36.8 في المئة في يونيو الماضي مقارنة بـ14.7 في المئة في نفس الفترة من العام 2022، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وجاء ارتفاع معدل التضخم في مصر مدفوعا بأزمة شح الدولار في السوق المصرية، والتي دفعت البنك المركزي إلى تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي عدة مرات، حتى أصبح الدولار يعادل 30.93 جنيها مصريا حاليا مقابل 15.75 جنيها في يناير 2022.
منطقة الساحل بمنتجعاتها المختلفة لم تعد وجهة مناسبة للآلاف من العائلات متوسطة الدخل في مصر بسبب غلاء الإيجارات
وقال أشرف رمزي وهو مدرس (47 عاما) لوكالة أنباء “شينخوا” إنه “بعد أشهر طويلة ما بين العمل والمذاكرة لأولادي ومرافقتهم لممارسة التمارين الرياضية، تحتاج أسرتي إلى بداية جديدة قبل انطلاق العام الدراسي الجديد الذي غالبا ما يبدأ في أواخر سبتمبر، لكن غلاء الأسعار دفعني إلى تغيير خططي المعتادة بخصوص المصيف هذا العام”.
والمصيف هو منتجع أو مدينة يزورها المصطافون خلال موسم الصيف الذي يبدأ من شهر يونيو حتى أوائل أكتوبر للتمتع بالإجازة.
وأضاف رمزي “لن نذهب إلى نفس المنتجع الذي قضينا فيه إجازة العام الماضي في الساحل الشمالي (شمال غرب القاهرة)، لأن سعر قضاء أسبوع في شاليه مكون من غرفتي نوم هذا الصيف قد وصل إلى ضعف ما كان عليه العام الماضي”.
ووضع رمزي 15 ألف جنيه كميزانية لإجازته الصيفية وهي غير كافية للسفر إلى الساحل الشمالي، وبدلا من ذلك سيتوجه رمزي وعائلته إلى مدينة العين السخنة بمحافظة السويس شرق القاهرة، وهي منطقة دافئة ومناسبة أكثر لقضاء عطلات الشتاء.
وكانت منطقة الساحل بمنتجعاتها المختلفة حتى العام الماضي وجهة مناسبة للآلاف من العائلات متوسطة ومرتفعة الدخل في مصر، لكن ينظر إليها الآن على أنها مكان فاخر أو مركز تجمع النخبة التي لم تتأثر بالتخفيض المتكرر لقيمة العملة المحلية.
وأكد كريم صبحي وهو سمسار يعمل في مجال تأجير الشاليهات في الساحل الشمالي أن “أسعار الإيجارات هذا الصيف مرتفعة جدا ما دفع العديد من العملاء إلى إلغاء حجوزاتهم معي”.
وأوضح صبحي أن استئجار فيلا مكونة من أربع غرف نوم تستوعب ستة أشخاص بالغين على الأقل وأطفالهم أو ثلاث عائلات تتقاسم قيمة الإيجار، يكلّف 12 ألف جنيه في اليوم هذا الموسم.
وأشار إلى أن العديد من عملائه الدائمين قاموا بتقليل أيام المصيف من أسبوع إلى ثلاث ليال، بينما فضل آخرون الذهاب إلى منتجعات البحر الأحمر.
وقال صبحي إن خارطة المصطافين مستمرة في التغير، حيث اختفى أفراد الطبقة الوسطى تماما وحل مكانهم المصريون القادمون من الخارج أو العائلات ميسورة الحال.
وبعد امتحانات الثانوية العامة التي انتهت منها ابنته، وهي المرحلة الدراسية التي تمثل ضغطا هائلا على العائلات المصرية، قدم المهندس مراد محمد على قرض الصيف عبر أحد التطبيقات الإلكترونية التي انتشرت أخيرا وسيقوم بتسديده على ستة أقساط شهرية متساوية.
وقال محمد إنه “بعد خصم الرسوم الإدارية والفوائد، سيكلفني التطبيق 6500 جنيه مصري شهريا”، مؤكدا أن السفر إلى المدن الساحلية مهم لتصفية الذهن والاسترخاء لجميع أفراد الأسرة الذين عانوا من ضغوط الدراسة والدروس الخصوصية والامتحانات المستمرة.
وإلى جانب التطبيقات الإلكترونية غير الحكومية التي توفر التمويل اللازم لتغطية نفقات العطلة الصيفية، أعلن بنك مصر وهو ثاني أكبر بنك حكومي في 2 يوليو الجاري عن قرض المصيف بمبلغ يصل إلى 100 ألف جنيه على أن يتم سداده على مدى 120 شهرا بفائدة 19.25 في المئة.
ورغم أن غالبية العائلات المصرية تتفق على أهمية الذهاب إلى الشواطئ في الإجازة الصيفية، إلا أن حبيبة عادل، وهي ربة منزل في الخمسينات من عمرها، قالت إن المصيف أصبح نوعا من الرفاهية غير الضرورية لمعظم العائلات العادية التي يصعب عليها تغطية احتياجات المعيشة اليومية وسط موجة عالية من التضخم تغزو الأسواق المصرية.
وشاطرها الرأي الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جابالله بقوله إن التضخم واقع يعيشه المصريون منذ بداية الحرب الروسية – الأوكرانية بمعدلات كبيرة جدا ويؤثر على ترتيب أولويات إنفاق الأسر المصرية بما فيها مصروفات الترفيه.
وأضاف جابالله وهو عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، أن التوقيت الحالي هو الوقت الذي تسافر فيه الأسر المصرية إلى المصايف وبالتأكيد ضعف القدرة الشرائية للمصريين بصفة عامة يؤثر سلبا على توجهها نحو المصايف.
وأردف “نستطيع أن نقول إن المصريين تراجعوا خطوة إلى الخلف بسبب انخفاض القدرة الشرائية وهناك من كانوا قادرين على الذهاب إلى المصايف لن يسافروا هذا العام وسوف يكتفون بالتنزه في إطار محيط منازلهم”.
وتابع أن المصايف بطبيعتها ليست أولوية قصوى خلافا للاحتياجات الأساسية للإنسان مثل الطعام والشراب والعلاج، وبالتالي هي من الأمور التي تتأثر بشدة بحالة التضخم الحالية التي أثرت على الأسر المصرية وجعلتها تقلص خططها الترفيهية خلال الفترة الحالية.