توجه نحو تغيير جذري في فلسفة الحكم بمصر

مجابهة تجاوزات موظفي الدولة بحزم تبث التفاؤل في نفوس المصريين.
الثلاثاء 2023/07/18
شعبية السيسي على المحك

بدأ النظام في مصر يستوعب الحاجة إلى تغيير طريقة الحكم التي لا ترقى إلى تطلعات المصريين، خاصة ما تعلق منها بالتضييق على الحريات والعمل السياسي.

القاهرة - باتت تصريحات وتلميحات قوى معارضة حول الحاجة إلى تغييرات كبيرة في فلسفة الحكم بمصر تتماشى مع الخطاب السياسي الذي يبشّر بجمهورية جديدة دخلت حيز التنفيذ مع انتقال الحكومة وجميع وزرائها لممارسة أشغالهم من مقارهم بالعاصمة الإدارية في شرق القاهرة قبل أيام، حيث تعد العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة.

وانتهزت هذه الأصوات فرصة إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام القادم، لحث النظام الحاكم على القيام بتعديلات هيكلية تتماشى مع تطلعات قوى سياسية تريد المشاركة في الانتخابات والاشتباك مع مقتضياتها، شريطة توفير ضمانات مناسبة لنزاهتها وشفافيتها.

وكشفت مصادر مصرية أن النظام الحاكم يفكر جديا في تغييرات كبيرة “تطال فلسفة الحكم التي قامت على تضييق هامش الحريات في وسائل الإعلام وعدم السماح للقوى السياسية بالنزول إلى الشارع وتمدد المؤسسة العسكرية في المجالات الاقتصادية”.

وأضافت المصادر لـ”العرب” أن التغييرات المنتظرة سوف تكون غير متوقعة من جانب من راهنوا على استمرار الأوضاع على ما هي عليه من انسداد، وسيتم تقديم وجوه جديدة للعمل السياسي والإعلامي تعزز رغبة النظام الحاكم في التغيير، لافتة إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على يقين بأن الأمور تحتاج تغييرا ملموسا.

هناك جناحان، أحدهما مع التغيير الكامل باعتبار أن الأوضاع لا تحتمل بطءا، والثاني يرى أنه لا داعي لتغييرات جذرية

وأوضحت المصادر أن التغييرات كبيرة، وجزء منها سيتم قريبا، ومؤشراتها سوف تظهر في تغيير تشكيلة الحكومة، وضخ دماء جديدة في الفضاء الإعلامي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، والجزء الأكبر منها بعد الانتخابات للتدليل على عمق التحول في فلسفة الحكم خلال المرحلة المقبلة.

وألمح الإعلامي مصطفي بكري المقرب من النظام المصري في برنامجه “حقائق وأسرار” المذاع على قناة “صدى البلد” أخيرا إلى شكل التغيير المتوقع بقوله إن “المواطن المصري له الحرية في اختيار من يرى أنه يمثله ويعبر عن تطلعاته.. القيادة السياسية ستفاجئ المصريين خلال الفترة المقبلة بما يستحقونه”.

وبدأت تصرفات النظام المصري تلقى ترحيبا حذرا من الرأي العام في بعض المواقف والقرارات التي اتخذها أخيرا، فلم يتهاون في تحويل ضابطين إلى المحاكمة، أحدهما ينتمي إلى الجيش، والآخر تابع لجهاز الشرطة.

وتقدم وزير النقل كامل الوزير باعتذار رسمي لأهالي العريش في شمال سيناء بعد تصرف غير لائق من الحكومة مع بعضهم بهدم بيوتهم وعدم تقديم التعويض المناسب.

وأصدر الرئيس السيسي قرارا بربط موازنة هيئات كبرى مثل الطاقة النووية بموازنة الدولة، وجرى دعم الاعتراف الحكومي بالإخفاق في إدارة النواحي المالية والإدارية والذي يوقع عليه الرئيس شخصيا بدلا من اكتشافه عن طريق عناصر معارضة وابتزاز أجهزة الدولة به.

النظام الحاكم يفكر جديا في تغييرات كبيرة تطال فلسفة الحكم التي قامت على تضييق هامش الحريات في وسائل الإعلام وعدم السماح للقوى السياسية بالنزول إلى الشارع

وقد لا تمثل هذه التطورات نقلة حقيقية أو دليلا على أن الرأي العام بات مطمئنا لوجود إصلاحات كبيرة في دولاب الدولة وطبيعة تعامل النظام الحاكم مع القضايا المهمة، لكنه ينطوي على إشارة بأن الطريقة القديمة فقدت صلاحيتها سياسيا.

ومن الضروري التجاوب مع تطلعات الناس لتخفيف حدة المعاناة المعيشية وغيرها من الأزمات التي تحتاج إلى مراجعات عاجلة، لأن الأزمة الاقتصادية الحادة عرض لمرض في الآليات التي يدير بها النظام بعض مؤسسات الدولة.

وأكد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين أن ما تقوم به الحكومة يعكس وصول نبض الشارع إلى دوائر صناعة القرار، ويشير إلى تغير إيجابي في طريقة إدارة العلاقة مع المواطنين، وأن العلاقة شبه متكافئة، من أعلى إلى أسفل والعكس، فالناس في القاع يطالبون بحسن إدارة المشكلات والحكومة من أعلى تتحرك في الاتجاه نفسه، ما يغلق منافذ للتوتر يتسلل منها خصوم السلطة.

وقال لـ”العرب” إن التحرك كرد فعل مع كل أزمة جلب مشكلات لها انعكاسات سياسية، وبوادر التغير الظاهر تنم عن إرادة قوية من النظام للمكاشفة والمصارحة والمحاسبة والاعتراف بالسلبيات لتعزيز مصداقيته مع تصاعد موجات التشكيك ومحاولات ضرب العلاقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية.

وشدد على أن الحكومة تدرك مدى احتياج الناس للتحرك السريع مع المشكلات، وتعاطيها بحسم جاء مدفوعا بأن النظام يدرك أهمية ترميم العلاقة مع المواطنين، والتي تبدأ من التواصل مع مطالبه، من هنا ظهرت محاسبات صارمة للمخطئين، والاعتذار عن أي خطأ يُرتكب وعدم تحمل أي جهة لخطأ موظف أو ضابط.

من الضروري التجاوب مع تطلعات الناس لتخفيف حدة المعاناة المعيشية وغيرها من الأزمات التي تحتاج إلى مراجعات عاجلة

وتنتظر الأحزاب السياسية المعارضة خطوات ملموسة للتأكد من التغيير وجدواه عمليا، وأن هناك نمطا أو فلسفة جديدة في الإدارة تمكن النظام الحاكم من الانفتاح عليها، وتعتقد أن محك الانتخابات والصورة التي سوف تخرج بها هي المحدد الرئيسي للحكم على أهمية المؤشرات الراهنة وإمكانية تمددها في عمق القضايا الحيوية.

وما ظهر من تصريحات أو تلميحات رسمية أو شبه رسمية لا يرقى إلى الثقة فيها كاملة، فقد اعتاد النظام الحاكم الانحناء للعواصف السياسية والضغوط الاقتصادية، وعندما يتجاوزها يعود إلى تصوراته السابقة التي لا تؤمن بالتغيير الحقيقي.

وأشارت مصادر مصرية أخرى لـ”العرب” إلى أن هناك جناحين في الدولة، أحدهما مع التغيير الكامل باعتبار أن الأوضاع العامة في الداخل الاقتصادية والسياسية لا تحتمل بطئا، والتحديات الخارجية كبيرة لا يصلح معها التعامل بردود فعل، وكلتاهما تحتاجان إلى مبادرات خلّاقة قبل أن تجد الدولة المصرية نفسها أمام المزيد من العواصف الخارجية والاحتجاجات الداخلية.

أما الجناح الآخر، فلا يرى جدوى من التغيير الكبير في منهج الحكم، وأن النتيجة التي حققتها سياساته في السنوات الماضية مرضية من حيث مستوى الأمن والاستقرار، ويمكن أن يمنح الانفتاح قوى معارضة مساحة للحركة في الداخل بما يزعج المعادلة التي أقيم بموجبها التوازن الداخلي في مجالي الأمن والاستقرار.

ولفتت المصادر ذاتها إلى أن الجناح الإصلاحي (الأول) أحرز خطوات إيجابية في تدعيم وجهة نظره ورصدت تقاريره تفاؤلا نسبيا في الشارع بما اتخذ من إجراءات محدودة والتعامل مع بعض المواقف بحسم، ما يحقق رسالة مهمة مفادها أن النظام المصري يستوعب الأخطاء ويسعى لتصحيحها تدريجيا.

6