تبون في الصين لإزالة عقبات انضمام الجزائر إلى "بريكس"

الرئيس الجزائري يعول على دفعة جديدة للشراكة الاستراتيجية الشاملة لتنويع الاقتصاد، كما يراهن على ثقل بكين داخل المنظمة، في إقناع بقية الدول الأعضاء بالموافقة على انضمام بلاده.
الاثنين 2023/07/17
توجه سياسي واقتصادي نحو محور الشرق

بكين  - وصل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الاثنين، إلى بكين في أول زيارة له إلى الصين منذ توليه منصبه في عام 2019، بعد شهر من زيارته إلى موسكو، ما يعزز توجها سياسيا واقتصاديا نحو هذا المحور، وهو ما من شأنه أن يزيد من قلق الغرب من توجهات الجزائر نحو توثيق روابطها مع الشرق.

وجاءت زيارة تبون إلى بكين بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، ومن المقرر استمرارها لمدة 5 أيام.

وذكرت القناة الصينية " سي جي تي إن" أن الرئيس الجزائري وصل إلى مطار العاصمة بكين الدولي، اليوم الاثنين في زيارة تأتي بعد توقيع الجزائر والصين في نوفمبر الماضي، اتفاقية استراتيجية مدتها خمس سنوات لتعزيز الاتصالات والعلاقات الثنائية.

وتأتي الزيارة في وقت تواجه فيه الجزائر ضغوطا غربية متصاعدة تطالبها بتخفيف العلاقات مع بكين وموسكو، والتي باتت تشكل فعلا مصدر قلق كبير لاسيما في ظل حالة الاستقطاب التي يشهدها العالم حاليا.

وسيجري تبون محادثات سياسية مع نظيره الصيني شي جين بينغ، وعدد من المسؤولين في الحكومة والحزب الشيوعي الصيني، بينما سيأخذ الجانب الاقتصادي الحيز الأكبر من تلك الزيارة التي تترجم عقودا من العلاقات السياسية المثالية بين الجزائر وبكين، منذ ما قبل استقلال الجزائر.

ورافق الرئيس تبون وفدا من تسعة وزراء، على رأسهم وزير الخارجية أحمد عطاف إضافة إلى وزراء المالية والطاقة والمناجم، والبريد والاتصالات، والصناعة والإنتاج الصيدلاني، والتجارة والأشغال العمومية، والسكن، واقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، زفق الرئاسة الجزائرية، ما يؤشر على الطابع الاقتصادي للزيارة التي من المقرر أن تبحث عدد من مشاريع البنية التحتية واستثمارات حيوية كان قد تم الاتفاق عليها في السابق ويجري تنفيذها في الجزائر.

ومن أبرز هذه المشاريع الحيوية الممولة من الصين وتراهن عليها الجزائر لدعم خطة الانتقال إلى اقتصاد لا يعتمد على المحروقات، مشروع استغلال منجم الحديد بغار جبيلات جنوبي الجزائر بدعم صيني، (ظفرت به ثلاث شركات صينية لاستخراج مليوني طن من خام الحديد سنوياً)، ومشروع الفوسفات المدمج ببلاد الهدبة بتبسة قرب الحدود بين الجزائر وتونس، (استثمار صيني بقيمة سبعة مليارات دولار في قطاع الفوسفات لإنتاج 5.4 مليون طن من الأسمدة بمختلف أنواعها سنوياً)، ومشروع استغلال منجم الزنك والرصاص بواد أميزور ببجاية شرقي البلاد، وتطوير حقل نفطي جنوبي الجزائر، ومحطات للطاقة الشمسية.

كما يرافق تبون خلال الزيارة التي ستشهد انعقاد مجلس الأعمال الجزائري الصيني، مدراء كبرى الشركات الاستراتيجية الحكومية كشركة سوناطراك للمحروقات وشركة الكهرباء سونالغاز، وأكثر من 120 من رجال الأعمال ومدراء المؤسسات الاقتصادية الحكومية والخاصة، في مختلف القطاعات الانتاجية.

ومن المتوقع أن تناقش الزيارة التي تأتي قبيل نحو شهر من انعقاد قمة "بريكس"، بجنوب أفريقيا، مسألة انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس"، حيث يأمل تبون في مزيد من الدعم الصيني نحو هذه الخطوة.

وتدخل الزيارة "في إطار تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة وتقوية التعاون الاقتصادي، بين الشعبين الصديقين الجزائري والصيني"، وفق بيان الرئاسة الجزائرية.

ولكن الجزائر تعول أيضا على دفعة جديدة للشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين، الموقعة في 2014، لتنويع اقتصادها، والاستفادة من خبرتها في الصناعات الاستخراجية والتحويلية والتكنولوجيات الدقيقة والمتطورة.

ويراهن الرئيس تبون، على الثقل الذي تمثله الصين داخل بريكس، في إقناع بقية الدول الأعضاء بالموافقة على انضمام الجزائر للمنظمة، كعضو ملاحظ أولا، ثم عضو كامل الصلاحيات.

وسبق أن أعلنت الصين دعمها "الكامل وترحيبها الكبير بانضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس"، خلال لقاء السفير الصيني بالجزائر لي جيان، بالأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني، في مارس الماضي.

وبذلك تكون الجزائر ضمنت دعم أهم بلدين في مجموعة بريكس، وهما الصين وروسيا، الأخيرة أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، أن "الجزائر بمؤهلاتها هي المنافس الرئيسي" للانضمام إلى بريكس.

ومن المقرر أن تعقد قمة بريكس في جنوب أفريقيا، ما بين 22 و24 أغسطس المقبل، وقدمت نحو 20 دولة طلب انضمامها إلى بريكس بينها السعودية ومصر والإمارات ونيجيريا وإثيوبيا والسنغال.

وأعلنت الجزائر في نوفمبر الماضي عن تقدمها بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة "بريكس" التي تضم أبرز الاقتصادات الصاعدة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بعدما تمت دعوة الرئيس تبون، في يونيو 2022، للتحدث خلال قمة بريكس التي عقدت بالصين.

 لكن الانضمام إلى "بريكس" يحتاج توفر جملة من الشروط، لم يتم الاتفاق بشأنها أو الإعلان عنها، وهو ما أشار إليه الرئيس الجزائري أكثر من مرة تصريحا أو تلميحا، حيث قال في أحد تصريحاته الصحافية "عضوية بريكس تعتمد على الظروف الاقتصادية التي تعتمدها الجزائر إلى حد كبير".

لكن العديد من المحللين والسياسيين يربطون ذلك بحجم الاقتصاد، وتنوعه، وانفتاحه على الأسواق الدولية، وحجم الصادرات، ونسبة النمو، والتعداد السكاني، والمساحة الجغرافية، واستقلالية القرار السياسي.

ومن الصعب أن تتوفر كل هذه الشروط في دولة واحدة، لكن الجزائر لها عدة ميزات وتحديات، فهي أكبر بلد أفريقي مساحة، وليست لها ديون خارجية تستحق الذكر، ما يمنحها استقلالية في قرارها السياسي، ومعدل النمو السكاني عال (1.34 بالمئة)، وغالبية سكانها من الشباب، وتعتبر أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي في إفريقيا، ورابع أكبر اقتصاد في القارة.

لكن أبرز العقبات أمام انضمامها إلى بريكس عدم تنوع اقتصادها واعتمادها على مداخيل النفط والغاز، وتواضع ناتجها الداخلي الخام، وعدم انفتاحها على الأسواق العالمية بالشكل الكافي.

ويراهن الرئيس الجزائري على معالجة هذا الخلل في الاقتصاد، حيث وضع نصب عينه رفع الناتج الداخلي الخام فوق 200 مليار دولار، بعد أن كان 145.74 مليار دولار في عام 2020، ليرتفع في 2022 إلى 191.9 مليار دولار، وفق بيانات البنك الدولي، ومن المتوقع أن يصل إلى 206 مليارات دولار نهاية العام الجاري.

وهذا الارتفاع في الناتج الداخلي الخام راجع لسببين الأول مرتبط بارتفاع مداخيل النفط والغاز بعد انقشاع سحابة وباء كورونا واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والثاني ارتفاع الصادرات خارج المحروقات.

وفي هذا الصدد، نجحت الجزائر في رفع الصادرات خارج المحروقات من 1.7 مليارات دولار في عام 2019، إلى 5 مليارات دولار في عام 2021، ثم إلى 7 مليارات دولار في 2022، بحسب أرقام رسمية.

ويقول تبون، الجزائر "التي لم تتجاوز صادراتها خارج المحروقات في 2018 و2019 ما نسبته 3 بالمئة من إجمالي الصادرات، تحقق اليوم 11 بالمئة، وبنهاية 2023 أو بداية 2024 ستصل هذه النسبة إلى 16 بل إلى 22 بالمئة".

كما عدلت الجزائر قوانين الاستثمار لتجعلها أكثر مرونة وجاذبية للشركات الأجنبية، وتواصل شق طريقين استراتيجيين نحو موريتانيا ونيجيريا يربطها بعدة بلدان في غرب وقلب إفريقيا لتعزيز التجارة الخارجية مع الدول الأفريقية، وفتح خطوط جوية مع عدة عواصم أفريقية.

وتمثل الصين رهانا كبيرا بالنسبة للجزائر من أجل استغلال قدراتها المنجمية خاصة الحديد الخام في منجم غار جبيلات (جنوب غرب)، باستثمار ملياري دولار، واستغلال وتحويل الفوسفات في منجم وادي الهدبة (شرق)، بنحو 7 مليارات دولار، وتطوير منجم الزنك والرصاص في وادي أميزور ببجاية (شمال).

ناهيك عن إنجاز مشروع ميناء الحمدانية بمدينة شرشال (شمال) والذي من المخطط له أن يكون أكبر ميناء في إفريقيا، ويشكل إحدى اللآلئ الصينية في مبادرة الحزام والطريق.

وجميع هذه المشاريع فازت بها شركات صينية، التي انطلقت في بعضها وتأخرت في أخرى على غرار ميناء الحمدانية بشرشال.

لذلك فزيارة تبون إلى بكين، تهدف إلى تسريع تجسيد هذه المشاريع "المضمّنة في الخطة الخماسية الثانية للشراكة الاستراتيجية (2022-2026) والخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق وكذا الخطة الثلاثية (2022-2024) للتعاون في المجالات الرئيسية".

ومن المرجح أن يتم التوقيع على اتفاقيات جديدة خاصة في قطاع المناجم حيث تتوفر الجزائر على عدة خامات على غرار الذهب واليورانيوم، ناهيك عن المعادن النادرة التي يشتد عليها الطلب في تصنيع الرقائق الإلكترونية والأسلحة المتطورة والهواتف النقالة، والتي تخوض فيها بكين وواشنطن لعبة شد الحبل.

كما تسعى الجزائر لاستفادة من الخبرة الصينية في مجال الصناعات الدفاعية والفضاء والتكنولوجيات الحديثة.

ومن المرتقب أن يتم الإعلان خلال الزيارة عن "مجلس أعمال مشترك" جزائري صيني، "لتمكين رجال الأعمال من كلا البلدين من البحث في تنفيذ مشاريع شراكة مثمرة ومربحة للطرفين" وفق المقترح الجزائري.

كما من المتوقع أن يبحث الرئيسان الصيني والجزائري مسألة هيمنة الدولار على المعاملات التجارية الدولية، حيث سبق وأن بحث تبون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسألة التحرر من هيمنة الدولار.

والأسبوع الماضي، قال وانغ ون بين، متحدث الخارجية الصينية في تصريحات صحافية، إن الصين تتطلع للعمل مع الجزائر وتوسيع حجم التعاون الثنائي ومستوى الصداقة، مشيرا إلى أن زيارة تبون ستكون "فرصة لتعميق الثقة المتبادلة".
ورفعت الصين والجزائر علاقاتهما إلى شراكة استراتيجية شاملة عام 2014، لتصبح أول دولة عربية تفعل هذا النهج.

ويبلغ حجم التجارة الثنائية السنوية بين الصين والجزائر حوالي 7 مليارات دولار.