قطر حريصة على دور "أفضل أصدقاء واشنطن" في المنطقة

واشنطن - تعتبر اتفاقية تصدير الغاز الطبيعي المسال التي تجمع قطر مع الصين، والتي تصل مدتها إلى 27 عاما، الأطول في تاريخ تصدير الغاز. وتسلط الضوء على الاختلاف في التعامل بين دول الخليج مع تنافس القوتين العظميين، جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة.
ويرى الكثيرون أن الصفقة تتيح للصين إحكام قبضتها على الغاز القطري، ويعتبرونها اتفاقية تجارية بقدر ما هي ترتيب أمني. وهي تعترف بكون الصين أكبر سوق تصدير للإمارة الخليجية وتمنح لبكين مصلحة في حماية قطر.
وليست قطر الوحيدة التي تمنح الصين وصولا تفضيليا إلى احتياطياتها من الطاقة، حيث يتكرر الأمر بين المصدرين الخليجيين الرئيسيين الآخرين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وأصبحت الصين زبونتهما الأولى.
يكمن الفرق حسب ما يؤكده المحلل السياسي جيمس دورسي في كون تعاملات قطر في مجال الطاقة مع الصين مترسّخة في سياسة تربط الدولة الخليجية بالولايات المتحدة على نطاق واسع، وتؤكد على فائدة الدولة الخليجية كوسيط، وتتجنب زعزعة الوضع الراهن.
وفي المقابل تؤكد السعودية والإمارات على سيادتهما، وتعارضان في بعض الأحيان سياسات الولايات المتحدة أو تنأيان بنفسيهما عنها. كما تثيران أحيانا غضب واشنطن التي تعدّ الضامن الأمني في المنطقة.
وبرز التباين خلال الشهر الماضي، حيث لفت رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأنظار حين كان أول رئيس للدولة الخليجية يحضر منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي، ثم سافر رئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بعد أسبوع إلى موسكو والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي مظهر آخر للتناقض، رتبت قطر لقاءً بين مسؤول فنزويلي وآخر أميركي كبير الشهر الماضي لتحسين العلاقات المتوترة الناتجة عن اعتراف الولايات المتحدة بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيسا شرعيا لفنزويلا وتسليطها عقوبات على الدولة الأميركية الجنوبية. وقال مسؤولون إن المحادثات قد تضمن تبادلا للأسرى.
واعتبر خبير السياسة الخارجية في بروكسل إلدار ماميدوف “الانخراط في فنزويلا إستراتيجية عالية المكاسب ومنخفضة المخاطر. حيث تعزز الدوحة، من خلال تقديم خدماتها، سمعتها الناشئة كوسيط دبلوماسي عالمي، وتساعد واشنطن في العديد من المجالات الحساسة سياسيا”.
وكانت قطر، التي لم تكن تبدو مرشحة مرجّحة للتوسط في منطقة لا تجمعها بها أي صلات عرقية أو دينية، في وضع جيد لأنها لم تنضم إلى عدد كبير من الحكومات التي تعترف بغوايدو بينما لم تلتزم بالعقوبات. ولم يثر تحرك قطر لذلك غضب واشنطن.
وبالمثل، تستضيف قطر مكتب طالبان بناء على طلب من الولايات المتحدة. وسهلت الاستضافة الانسحاب الأميركي المتفاوض عليه في 2021 من أفغانستان واتصالات الولايات المتحدة وطالبان منذ ذلك الحين. كما قدمت الدوحة مساعدة لوجستية كبيرة في الانسحاب، مثل الإمارات العربية المتحدة. كما تتوسط الدوحة أحيانا بين الولايات المتحدة وإيران وتنقل الرسائل بين البلدين.
وفي نفس الوقت، يقول دورسي الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأدنى إن قطر لم تبرز كملاذ للروس الذين يسعون للالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية.
إضافة إلى ذلك، أكدت قطر كونها أقل اعتمادا على تكنولوجيا الاتصالات الصينية التي تخشى الولايات المتحدة من أنها قد تمنح بكين إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المدمجة في أسلحتها ومشاريعها الأمنية.
وكافأت الولايات المتحدة قطر، التي تبقى موطن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، بمنحها صفة حليف رئيسي من خارج الناتو خلال العام الماضي.
ويشير المحلل دورسي إلى أن الإمارات والسعودية كانتا متعاونتين في المفاوضات التي جرت مؤخرا حول تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا. كما ساهمت الإمارات بقوات لدعم الولايات المتحدة في أفغانستان في الماضي.
وتتجذر المقاربات الخليجية المختلفة في رد قطر على المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة بقيادة الإمارات والسعودية. ورُفع الحظر في مطلع 2021.
وعمّقت قطر خلال المقاطعة علاقتها الأمنية وتعاونها مع الولايات المتحدة في مكافحة تمويل الإرهاب. وتختلف التصورات القطرية للعلاقات مع الولايات المتحدة عن التجربتين السعودية والإماراتية نتيجة لذلك.
المسؤولون الإماراتيون أعربوا عن قلقهم بشأن إحجام الولايات المتحدة عن الرد على الهجمات التي تورطت فيها إيران.
وأشار المعلق السعودي علي الشهابي الذي تجمعه علاقات وثيقة بالنخبة الحاكمة السعودية، إلى أن المملكة “تغيرت بشكل كبير على مر السنين، من بدايتها قبل الحرب العالمية الثانية إلى دولة من مجموعة العشرين، تتمتع بثقة أكبر بالنفس، وأمّنت مكانها في العالم اليوم”.
وقال الشهابي إن المواقف السعودية تصاعدت بسبب تصورات ضعف المظلة الأمنية الأميركية، مما أقنع القادة السعوديين بأن عليهم البحث في أماكن أخرى لضمان أمنهم. وكان المعلق السعودي يشير هنا إلى رفض الولايات المتحدة مساعدة المملكة عندما هاجمت إيران منشآتها النفطية في 2019. كما كان يشير إلى قطع واشنطن مبيعات الأسلحة والذخيرة بسبب التدخل السعودي في اليمن.
وأعرب المسؤولون الإماراتيون عن مشاعر مماثلة بشأن إحجام الولايات المتحدة عن الرد على الهجمات التي تورطت فيها إيران.
وفي نفس السياق نقلت الصحافية الأميركية الخبيرة بالشأن السعودي كارين إليوت هاوس عن وزير سعودي قوله في مارس في مؤتمر مغلق “تقولون لنا ألا نتحدث مع خصمكم روسيا، لكنكم تتحدثون مع خصمنا إيران. تقولون لنا ألا نشتري أسلحة صينية. فنسأل عما إذا تمتلكون البديل. تقولون نعم، ولكن لا يمكننا بيعه لكم”.
وأضافت هاوس أن “ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقلل الاعتماد على الولايات المتحدة المترددة في حماية مملكته (…) يلعب الأمير محمد لعبة بوكر صعبة بمهارة لصالح السعودية”.
لكن الولايات المتحدة لا تزال هدفا استثماريا رئيسيا لصناديق الثروة السيادية الإماراتية والسعودية. ففي العام الماضي وحده، زاد جهاز أبوظبي للاستثمار، الذي يبلغ حجم أصوله 829 مليار دولار، الوزن النسبي المستهدف لأميركا الشمالية في محفظته الاستثمارية إلى ما بين 45 و60 في المئة.