أقصر طريق لحب تونس

التونسيون لم يفكروا يوما أن درجات الحرارة في بلدهم قد تصل إلى الأربعين، وتتجاوزها. ولكن، هذا ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين، وقد يستمر وفق تنبؤات مركز الرصد لأسبوعين آخرين على أقل تقدير.
مع ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد المتوسطي المعتدل، اكتشفت أن المطبخ التونسي الذي طالما دافعت عنه وعددت فضائله وكان سببا وراء اختياري تونس بلدا أقيم فيه، يعاني من مشكلة؛ فهو مطبخ شتوي بامتياز.
من السلطة المشوية، إلى الكفتاجي والشكشوكة والطاجين، وصولا إلى طبق الكسكسي الشهير بتنوعاته المختلفة، مرورا بالمكرونة والسباغيتي والبيتزا بتنوعاتها، واللبلابي والهرقمة وأمك حورية والمدفونة والملوخية التي لا يضاهي التونسيون في إعدادها شعب آخر.
وبالطبع سيدة الأطباق جميعا الهريسة، التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) العام الماضي على قائمة التراث العالمي غير المادي.
وتتكون الهريسة من الفلفل الأحمر الحار يجفف في الشمس، وتضاف إليه البهارات وزيت الزيتون، وتقدم مع كل الأطباق التونسية تقريبا.
وحسب وثيقة التعريف التي نشرتها اليونسكو فإن “الهريسة تعتبر عنصر هويّة لتراث الطهي الوطني في تونس، وعاملًا من عوامل التماسك الاجتماعي”. وتعتبر “عنصرًا موحدًا لبلد بأكمله”.
في بداية تعرفك على المطبخ التونسي ستحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة لتذوقه. ولكن، لا داعي للقلق إذا تصبب منك العرق وأنت تتناول الأطباق التونسية حتى في فصل الشتاء. سرعان ما تتأقلم مع المذاق الحار الذي يتحول بمرور الوقت إلى إدمان.
ولكن، ماذا ستفعل عندما تصرّ درجات الحرارة على غير عادتها أن تحوم حول الـ40 مئوية، لتصل إلى 46 و48 درجة.
لا تجهد نفسك كثيرا، لن تجد في المطبخ التونسي ما يناسب فصل الصيف، حتى السلطة التونسية الخضراء، كفيلة برفع درجة حرارتك إلى الخمسين.
وأنا في غمرة اليأس من العثور على طبق صيفي قرأت نكتة ظريفة تقول: في الوقت الذي تسببت فيه درجة الحرارة التي وصلت إلى 34 مئوية في إسبانيا بوفاة 4 أشخاص، تجد التونسي في درجة حرارة تقارب الخمسين يعد الشاي على الكانون (موقد الجمر) وينادي على زوجته لتسخن له الكسكسي – بالطبع الـ”موزوز”.
دون وعي وجدت نفسي في مطعم "الحطاب" وأمامي صحفة لبلابي بكمية مضاعفة من الهريسة وزيت الزيتون البكر والعظم (البيض) الرائب، والعرق يتقاطر من جبيني.
خرجت من عند الحطاب غير عابئ بدرجات الحرارة التي قاربت 43 درجة مئوية في الظل، واتجهت إلى مقهى شعبي أرتشف كأسا كبيرة من الشاي الأخضر الساخن وأستمتع بنسمات ساخنة تلفح وجهي من حين إلى آخر.
أصابت اليونسكو مرتين: مرة، عندما قالت إن الهريسة في تونس عامل تماسك اجتماعي، ومرة أخرى عندما رأت فيها عنصرا موحدا للبلاد.
من قال إن على التونسيين أن يعيدوا ابتكار مطبخهم ليناسب فصل الصيف.