قلق الصفحة الأخيرة

محرر الصفحة الأخيرة في "العرب" في قلق دائم. صفحة السهل الممتنع هذه أخذت على عاتقها تقديم المنوعات. ثمة كم هائل من الأخبار المنوعة التي تبثها وكالات الأنباء، لكن مزاج إدارة التحرير لا يميل إليها. أي أخبار منوعة تقدم اليوم لتكون قادرة على منافسة خبر مصور على يوتيوب أو تيك توك؟ كان قرار التحرير منذ سنوات أن نبتعد عن أخبار القفشات، وأن نقدم موضوعات ذات بعد معرفي وليست منوعات من فئة "كلب يعض صاحبه" و"القبض على دب يسرق عسلا".
الأصعب في الصفحة هو عمود الرأي فيها. قد لا ينطبق وصف عمود الرأي على ما يكتب في عمود الأخيرة. الكتابة لهذا العمود عادة ما تكون انطباعية عن قضية منوعة، وليست تحليلا سياسيا أو غوصا في قضية فكرية. في هذه الكتابات، نجد الكثير من الاستعادات لحوادث وأشخاص، والكثير من الإشارات إلى أغان وأصدقاء وأقارب وتقنيات. هذا النوع من الكتابة يصيب ويخيب، ويعتمد على ذوق المتلقي.
يتجسد قلق المحرر في يوم لا يرسل فيه الكاتب مقالا في موعده الأسبوعي. في صفحة الرأي السياسي، من السهل جدا تعويض المقال. في الأخيرة، من الوارد أن يقترح محرر الصفحة عدم نشر أي مقال والاكتفاء بالأخبار. لم يحدث هذا بعد بسبب إصرار إدارة التحرير على أن تكتمل الصفحة بما اعتاد قراؤها عليه من مقال منوع.
قبل يومين، واجه زميلنا محرر الأخيرة إشكالية من هذا النوع. لم يصل المقال المعتاد، وكان الكاتب الاحتياط في إجازة. جاء المقترح المرفوض باستبدال العمود بأخبار. لكن الرفض نفسه فيه الكثير من التشجيع: لماذا لا يكتب المحرر نفسه عمودا؟
لم يأخذ الأمر إلا أقل من ساعة وكان العمود جاهزا، وبفكرة واضحة. كان قلق المحرر قد أنساه أنه كاتب أيضا. ما إن تضغط عليه، حتى يعيد استكشاف نفسه ويتشجع. المحرر الذي يكتب بلا اسم ويحرر موضوعات الآخرين، يحاسب نفسه ويقلق أكثر من غيره. لهذا هو متردد. لا شك أن الكثير من المحررين ليسوا كتابا مبدعين، لكن هذا لا يعني أنهم ليسوا كتابا بالأصل.
لو فتحنا الباب للكتابات المنوعة، يمكن أن نملأ صفحة وأكثر يوميا مما يرسل لبريد الصحيفة. كمية المقالات التي تصل يوميا كثيرة، لكن معظمها لا يصل إلى المستوى المقبول، إما لركاكة اللغة أو عدم القدرة على التعبير أو الخلط بين المقالة والخاطرة. هذا نفسه يزيد من قلق محرر الصفحة الأخيرة عندما تقول له اكتب: ماذا لو كان مقالي مثل مقالاتهم؟