نساء تونس في الواجهة دائما

مطالبة مطرب شعبي مصري بالاعتذار من نساء تونس تعد مزحة مزعجة فالمرأة التونسية التي صنعت تاريخا فريدا من نوعه على الصعيد العربي ليست في حاجة إلى مثل ذلك النوع من الاعتذار.
السبت 2023/07/08
المرأة التونسية هي الحل في كل دورات التغيير

نشبت أزمة بين نساء تونس وأحد المطربين المصريين الذي كنت أجهل عنه كل شيء حتى اسمه لولا استعانتي بموقع “يوتيوب” الذي هو سلة تُلقى فيها النفايات التي تغطي على لمعان جواهر ألتن جون ووديع الصافي وشوبان وأم كلثوم ورحمانوف وفيروز.

لو لم يوجه ذلك المطرب الشعبي الذي هو من سلالة أحمد عدوية إهانة إلى مديرة المهرجان التي استضافته لما تذكر أحد مبلغ الثمانين ألف دولار الذي تقاضاه لقاء وقوفه على المسرح أقل من ساعة ليطلق صراخا ينتمي إلى الحارات التي تقع في الهامش الثقافي والاجتماعي، أنا على يقين من أن أحدا ممن دفعوا ثمن التذاكر قد فهم جملا كاملة مما قاله ذلك المطرب.

لست هنا لتقييم المستوى الفني الهابط للمطرب والجمهور معا. ولكنني معني بسلوك إدارات المهرجانات الفنية التي يغلب عليها الطرب بتونس وفي مقدمتها مهرجان قرطاج. فتونس التي تمر بظرف اقتصادي استثنائي تكاد تكون بسببه تهبط إلى مستوى لبنان المفلس حسب التصنيف العالمي. ليست تونس اليوم هي تونس الثلاثين سنة التي سبقت الربيع العربي الذي انطلقت شرارته منها فرأينا هروب الرئيس بن علي الذي قال التونسيون إن عائلة زوجته عاثت في الأرض فسادا فإذا بتونس من بعده تعيش فوضى سمحت للفاسدين بأن يقبضوا على مفاصل الدولة ويعطلوا التنمية النسبية ويلحقوا ضررا من الصعب إصلاحه بقطاعي الفلاحة والسياحة. وهما مصدرا الثروة الرئيسان في البلاد.

تونس ما بعد الربيع العربي بلد غطس في عبث طبقته السياسية التي تتوزع بين يمين تبنى مبادئ الإسلام السياسي وبين يسار مهمش عاجز عن إقامة جسور مع الشعب. أما الوطنيون المعتدلون فإنهم قلة، ليست مواقفهم الوطنية تكفي لإنقاذ الفقراء والمعوزين من الانزلاق إلى هاوية الفقر السحيقة. في تونس التي تفاوض صندوق النقد الدولي منذ سنة على قرض قيمته تقل عن ملياري دولار ينبغي على التونسيين كما أظن أن يدركوا أن هدر العملة الصعبة على أفعال تهريجية هو نوع من المساهمة في إفشال مسعى الحكومة الحالية للخروج من أزمة الربيع العربي، على الأقل من تبعاتها الاقتصادية.

• ليت المؤسسة الرسمية تعترف بخطئها حين استضافت مطربا شعبيا أظهر جهله بمكانة المرأة التونسية هو ما فضح جهله بتونس. فلا حاجة إلى اعتذار هو عبارة عن إهانة مستترة

لا أعتقد أن الجمهور التونسي في حاجة إلى راغب علامة ليصحح ذائقته الجمالية في الغناء والموسيقى. قرطاج في تاريخه كان مهرجانا للأصوات الغنائية الراقية ولم يكن سوقا شعبية للردح الخاص بحفلات الأعراس. في حفلة واحدة يمكن أن يجني كاظم الساهر مبلغا يُعادل ثروة محمد عبدالوهاب في كل حياته. المعادلات اضطربت وصارت الملايين في متناول فئات لا أحد في إمكانه أن يحسدها أو يقترب منها لأنها تملك السلطة بكل أنواعها. أما الفقراء وهم في ازدياد مستمر في بلدي الحفلات الأكثر مرحا، لبنان وتونس فلا أحد لهم بعد أن تم وضعهم على لائحة انتظار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

لبنان هو الأسوأ من تونس. ذلك لأن مرابعه الليلية لا تكف عن إقامة الحفلات لمطربين كبار من هذا الزمن، لا يعرفهم إلا الراقصون على أغنياتهم. ولكنني لا أريد الدخول في المتاهة اللبنانية التي صار تعيين رئيس للجمهورية فيها نوعا من الفكاهة. مَن يدخل إلى تلك المتاهة لن يخرج منها. في وقت سابق فضلت المملكة العربية السعودية أن تخرج سالمة منها. كانت حكيمة في ما فعلته. والحوار مع التونسيين أكثر يسرا من الحوار مع اللبنانيين. ما يُحرق من الدولارات ليليا يمكنه أن يقلل من نسبة الفقر في بلد سرق سادته أموال عامته. ما من شيء اسمه المعجزة اللبنانية. ولا أحد يتحدث عن المعجزة التونسية.

وسط كل هذه الفوضى تبدو مطالبة مطرب شعبي مصري بالاعتذار من نساء تونس نوعا من المزحة المزعجة. فالمرأة التونسية بكل نضالاتها التي صنعت تاريخا فريدا من نوعه على الصعيد العربي ليست في حاجة إلى مثل ذلك النوع من الاعتذار. غير مرة وقفت المرأة التونسية في مواجهة غوغاء الإسلام التونسي. وهو درس ينبغي أن تستوعبه المؤسسة الرسمية التي لا تزال تتخبط في أخطائها وفي انفصالها عن الواقع. دائما كانت المرأة التونسية هي الحل في كل دورات التغيير.

ليت المؤسسة الرسمية تعترف بخطئها حين استضافت مطربا شعبيا أظهر جهله بمكانة المرأة التونسية هو ما فضح جهله بتونس. فلا حاجة إلى اعتذار هو عبارة عن إهانة مستترة.

8