برج إيفل المصري

تطور الجهاز الحكومي في مصر يجب أن يعامل مثل صبغ برج إيفل؛ كلما انتهينا ووصلنا إلى قمة البرج، صار لزاما أن نلملم أغراضنا ونعود إلى قاعدته ونبدأ من جديد.
الخميس 2023/07/06
البيروقراطية تكبّل المواطن المصري والعربي عموما

أريد أن أشبه الإدارة الحكومية في الدول بعملية صبغ برج إيفل في باريس. قرأت مرة أن عملية صبغ البرج تحتاج إلى ثلاثة أعوام وأن البرج يحتاج إلى تجديد صبغه مرة كل ثلاث سنوات، أي أن الذي ينتهي من صبغ قمة البرج يلملم فرشه وأصباغه وآلات حرق الصبغ القديم، وينزل إلى قاعدة البرج ويبدأ من جديد. ربما تغير الوضع الآن وصارت الأصباغ أفضل وتعمر أكثر. لكن صيانة البرج عملية مستدامة ومتجددة وما إن تنتهي حتى تبدأ من جديد.

استبقت حكومة دبي الكثير من الإجراءات الحكومية للإدارة بتحولها إلى العالم الرقمي. ثم تم تعميم التجربة على كل الإدارات الحكومية في بقية الإمارات، وفي المنظومة الاتحادية. وكلّما استعادت الإجراءات الحكومية نسقها المعتاد، أي تحولت إلى إجراء بيروقراطي معتاد، عادت الإدارة في الإمارات إلى التجديد واستحداث أساليب متطورة أخرى للعمل الحكومي. لا أعرف عدد الدورات التي شهدتها هذه الإجراءات، وعدد المرات التي تطورت فيها، لكن بالتأكيد تظل الأساليب في تطوّر مستمر حتى أساليب تلك الإجراءات التي أقرت قبل سنتين أو ثلاث. هذا التطور والتحديث يشملان بالطبع الاستغناء عن بعض الإجراءات والممارسات الإدارية التي يثبت أنها غير مناسبة ولا تتوافق مع العمل الحكومي الذي يمس المواطن أو الوافد، الزائر أو المقيم. الثابت هو الهدف، أي خدمة المواطن والمقيم، وليس جمود الإجراء الإداري لغاية فرض بيروقراطيته.

البيروقراطية اختراع مهم. الكلمة لها وقع كبير في اللغة العربية لأنها مرتبطة ببطء الدولة في المنطقة العربية. لكن المعنى الحرفي لها هو تقنين الإجراء. البيروقراطي هو الكاتب المصري الذي يجلس منذ آلاف السنين يدوّن ويحسب ويدقق. مع تضخم جهاز الدولة وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة، صارت البيروقراطية ديناصورا يجد المواطن والدولة، على حد السواء، صعوبة في التعامل معه.

تغيير المكان فرصة لتغيير النظرة والعقليات. هذه مصر تتحول إلى العاصمة الإدارية الجديدة. لدى الإدارة المصرية فرصة كي تتغير أولا، وتثبت الهدف وهو خدمة المواطن، وتتعلم أن البيروقراطية لا تعني الجمود، بل وضع نسق للإجراءات. لبلد كبير مثل مصر، لا تتوفر خيارات كثيرة أمامه سوى تطوير الجهاز الحكومي بهدف تعزيز قدراته ومنع جموده. ولكي لا يقول أحد إنها مصر، أي 110 ملايين مواطن وأكثر، وإنها ليست الإمارات بمليون مواطن و10 ملايين مقيم، نقول إن الكمبيوترات وقواعد البيانات لا تفرق بين 11 مليون اسم و110 ملايين؛ فسرعة هذه الأجهزة والقواعد هي ذاتها في كلتا الحالتين. ما تحتاجه مصر هو المرونة والتعلم من تجارب الآخرين، كما سبق وأن تعلم الآخرون من تجاربها.

تطور الجهاز الحكومي في مصر يجب أن يعامل مثل صبغ برج إيفل؛ كلما انتهينا ووصلنا إلى قمة البرج، صار لزاما أن نلملم أغراضنا ونعود إلى قاعدته ونبدأ من جديد.

18