الانتقال إلى مقر في العاصمة الإدارية يعمق تخوّف موظفي ماسبيرو من التصفية

أثار انتقال الهيئة الوطنية للإعلام، المسؤولة عن اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري المعروف بـ”ماسبيرو”، إلى العاصمة الإدارية الجديدة مخاوف كثيرة لدى شريحة كبيرة من العاملين، وفهم التحرك على أنه خطوة جديدة نحو تصفية المزيد منهم وبيع المبنى المطل على نهر النيل، والتخلص من أعباء مالية ضخمة.
القاهرة - بدأت الهيئة الوطنية للإعلام، المسؤولة عن اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري المعروف بـ”ماسبيرو”، الأحد ممارسة عملها من خلال المقر الجديد في العاصمة الإدارية، وعقدت أول اجتماع بكامل الأعضاء هناك.
وقال حسين زين رئيس هيئة الإعلام إن المقر الجديد يأتي في إطار خطة الدولة التي تقضي بالتواجد الفعلي للهيئات والوزارات داخل العاصمة الجديدة، و”المقر إضافة فاعلة للهيئة بجانب مقرها الرئيسي في ماسبيرو المستمر في القيام بدوره الإعلامي والوطني”.
وما أثار مخاوف العاملين في ماسبيرو هو أن الخطة التي تم الإعلان عنها حوت تخصيص طابقين جرى تجهيزهما بالأدوات والأجهزة اللازمة للعمل من قلب العاصمة الجديدة، بحيث يتواجد التلفزيون الرسمي في الفعاليات والأحداث ويتابعها لحظيّا.
وسيتم تقديم الخدمات الإعلامية من التلفزيون الرسمي عبر التغطيات الحية والمباشرة للمؤتمرات والاجتماعات التي تتم داخل العاصمة الإدارية وبث التقارير والفقرات الإخبارية المتنوعة من خلال فريق عمل يتواجد في المقر بشكل دائم.
ولم يتطرق اجتماع الهيئة الوطنية للإعلام والخطة المحددة لعمل القنوات الرسمية من العاصمة الجديدة إلى العاملين في ماسبيرو، وسط معلومات غامضة حول مصيرهم ومستقبل العديد من الكوادر المهنية التي تمثل العمود الفقري لاتحاد الإذاعة والتلفزيون.
وأثار تجاهل مصير الآلاف من موظفي ماسبيرو جدلا وسط عدم وجود رد حاسم على ما يتردد من وقت إلى آخر حول وجود نية لتحويل مقر اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلى فندق سياحي، واستثمار موقعه الإستراتيجي على نيل القاهرة.
رفعت الحكومة يدها تدريجيا عن ماسبيرو وقررت أن ينفق من موارده الذاتية، أي تتعامل معه برؤية اقتصادية ومنطق قائم على الربح والخسارة، ما عمق هواجس العاملين حيال تصفيته والإبقاء على القنوات والإذاعات التي تحقق ربحا فقط.
وقال حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة السويس لـ”العرب” إن “وجود مقر ثابت للهيئة الوطنية للإعلام في العاصمة الإدارية الجديدة أمر طبيعي، لأن مقر الحكم ينتقل إلى هناك، ومن المهم وجود أستوديوهات قريبة من الوزارات والمؤسسات الحكومية”. وأضاف، وهو من الخبراء الذين شاركوا في تطوير ماسبيرو، أن معضلة هيئة الإعلام تكمن في تعاملها غير المحنك وتجنبها حسم مصير المبنى والكثير من العاملين فيه، وإنهاء الجدل الحاصل حول هذه المسألة، وطمأنة الموظفين بأنهم “باقون ولا نية لاستبعادهم أو تصفيتهم مهنيا، والخوف أن تكون وراء هذا التجاهل خطط مستقبلية مريبة”.
ونظم المئات من الموظفين باتحاد الإذاعة والتلفزيون مظاهرات بعد أنباء تواترت بشأن نية بيع مبنى ماسبيرو، ونقل فئة محددة من العاملين إلى العاصمة الإدارية، مع غلق القنوات الخاسرة التي لم تعد مؤثرة وليست لها قيمة في المشهد الإعلامي.
ويشعر عدد كبير من العاملين بأن التلفزيون الرسمي لم يعد يحتل أهمية لدى القائمين على الإعلام ولم يشهد تطويرا مهنيا ولا يقوم بدوره المعتاد بعد الاستعانة بقنوات خاصة بديلة عنه، الأمر الذي أفقده الدور الذي كان يقوم به في دعم الدولة المصرية.
وأكد حسن علي لـ”العرب” أن “أي توجه نحو المزيد من إضعاف ماسبيرو خطر داهم، ويقود إلى المزيد من تهاوي الإعلام التنويري الوطني، ومهما كانت التحديات التي تواجه اتحاد الإذاعة والتلفزيون، فإن الأمر يحتاج إلى حلول مهنية واقتصادية عاجلة”.
وعلمت “العرب” من مصادر إعلامية أن وجود مقر لأستوديوهات تابعة لماسبيرو في العاصمة الإدارية رسالة سياسية من الحكومة تفيد بأن تلفزيون الدولة باقِ ولا نية لاستبداله بمنابر أخرى خاصة أو مملوكة لجهات أخرى، وهذا لا يعني أيضا عدم وجود خطة لإعادة النظر في وضع ماسبيرو على مستوى الموظفين والقنوات الإقليمية، تمهيدا للتطوير أو الفلترة، حسب الأفضلية.
وقالت المصادر ذاتها إن “الحكومة ليست مستعدة لفتح نقاش يخص ماسبيرو حاليا بعد التظاهرات التي نظمها العاملون من قبل والخوف من تداعياتها السياسية، فالتلفزيون الرسمي يصنف عند دوائر صنْع القرار في السلطة ضمن المؤسسات السيادية التي يجب أن تظل هادئة ومستقرة ويتم التعامل معها بحكمة”.
تجاهل مصير الآلاف من موظفي ماسبيرو أثار جدلا وسط عدم وجود رد حاسم على ما يتردد من وقت إلى آخر حول وجود نية لتحويل مقر اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلى فندق سياحي
وأبدى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فتورا تجاه فكرة تطوير وإعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، مشيرا إلى أن إصلاح مسار تلفزيون الدولة يحتاج إلى وقت وجهد وتكاليف باهظة، وهو التصريح الذي ارتبط بالتحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة، ولا تزال تواجهها، كما أنها ليست مستعدة للدخول في مواجهة غير محسوبة العواقب عند تسريح الآلاف من الموظفين الذين لن يستسلموا للتصفية بسهولة.
ويعتقد خبراء الإعلام أنه لا مانع من وجود مقر للهيئة المعنية بإدارة ماسبيرو في مقر الحكم الجديد، والعبرة بوجود إرادة سياسية تعمل على ترشيد قنوات اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وإنتاج برامج جماهيرية جذابة تبتعد عن الخطوط الحمراء الكثيفة، وتسعى لاستثمار الكفاءات الراهنة في المبنى، مع العمل على إيجاد حلول لباقي الموظفين الذين يمثلون عبئا ثقيلا على موارد ماسبيرو وباتوا بلا فاعلية أو تأثير.
وعانى اتحاد الإذاعة والتلفزيون على مدار سنوات طويلة من مشكلات متراكمة، تضاعفت مؤخرا مع الزيادة المفرطة في حجم الموظفين الذين يعملون في المبنى، مقارنة باحتياجات العمل، حيث ارتفعت نسبة البطالة المقننة إلى مستويات قياسية، لأنه يضم نحو 40 ألف موظف، بينما يحتاج العمل إلى أقل من نصف هؤلاء.
ويضم ماسبيرو 14 قناة تلفزيونية، فضلا عن 6 قنوات إقليمية في عدد من محافظات الجمهورية، و14 محطة إذاعية، و3 إذاعات أخرى بالشراكة مع القطاع الخاص.
وأصبح الاتحاد غارقا في الديون، على الرغم من ضغط رواتب الموظفين وتراجع الأرباح عقب انخفاض حصيلة الإعلانات إلى مستوى متدن، وتعمل الحكومة على خفض عدد العاملين إلى الحد الأدنى من خلال فتح الباب أمام التقاعد المبكر، لكنها تصطدم باعتراضات كبيرة، في وقت لا ترغب في فرض الأمر الواقع لتجنب حدوث صراعات وخلافات قد تتسبب في اهتزاز استقرار مرفق مثل التلفزيون.
وثمة تحدِ يتعلق بأن الحكومة وهي ترغب في فتح باب التقاعد المبكر تعاني من ظروف اقتصادية صعبة لا تمكنها من توفير المخصصات المالية لمستحقات الآلاف من العاملين الراغبين في التقاعد، لأن مكافأة نهاية الخدمة لهؤلاء لن تكون بالرقم السهل، وماسبيرو يفتقر إلى العوائد المالية الكافية، حيث تتمسك وزارة المالية بأن يكون دعمها للتلفزيون بقيمة 45 في المئة فقط من مصروفاته الإجمالية.