المخرجون الشباب يؤسسون لموجة جديدة في السينما المغربية

يخطو المخرجون المغاربة الشبان خطوات ثابتة وناجحة نحو التأسيس لمشهد سينمائي جديد محليا وحتى دوليا، حيث يسجلون حضورا مهما في المهرجانات العالمية، ويحصلون خلاله على أهم الجوائز ويحظون بإشادة النقاد والعاملين في مجال السينما، وهو ما يعزز حضور المغرب كبلد يمتلك مواهب رائدة.
الدار البيضاء (المغرب) - برز جيل جديد من المخرجين السينمائيين المغاربة في الدورة الأخيرة من مهرجان كان، حيث حصل ثلاثة منهم على جوائز خارج المسابقة الرسمية، في ما يمثل موجة جديدة تبشر بنفس تجديدي في الفن السابع بالمملكة.
واعتبر الصحافي والناقد السينمائي المغربي بلال مرميد أن “الأفلام المغربية، التي عرضت هذا العام في كان، هي من بين أفضل ما أنجز في تاريخ السينما المغربية”.
فقد حصلت المخرجة الشابة أسماء المدير (32 عاما) على جائزة أفضل إخراج ضمن فقرة “نظرة ما”، المخصصة لأفلام سينما المؤلف في مهرجان كان السينمائي، عن شريطها الوثائقي “كذب أبيض”.
ويمثل الشريط نبشا في أسرار مسكوت عنها ضمن تاريخ عائلة المخرجة، وترتبط بما يسمى “تظاهرة الكوميرا (الخبز)”، تلك الاحتجاجات الدامية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء في يونيو 1981، في سياق “سنوات الرصاص” خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني.
ونظرا لافتقارها إلى صور من الأرشيف حول تلك الفترة، أبدعت المخرجة طريقة مبتكرة لإنجاز فيلمها، عن طريق تصوير مجسم للحي الذي عاشت فيه طفولتها، مستعينة بدمى متحركة.
وتقول المدير في حوار إن هذا العمل الذي استغرق إنجازه عشرة أعوام، مكّنها “من التصالح مع ذلك الماضي، رغم أنه كان عنيفا”.
تصف أسماء حضورها في الدورة السادسة والسبعين من مهرجان كان “بأنه حلم طفولة يتحقق”. وتضيف “بمجرد أن يتم انتقاء فيلمي أمر رائع فما بالك بالظفر بجائزة”، معربة في الوقت نفسه عن إشادتها “بالحضور غير المسبوق” لأعمال مغربية عدة في هذه الدورة.
وسبق أن حازت المدير جوائز وطنية ودولية مهمة وعُرضت أفلامها في مهرجانات في مختلف أنحاء العالم وفي أسواق الإنتاج المشترك، من بينها الجائزة الكبرى في مهرجان أفلام المرأة الدولي في تورنتو (2021)، والجائزة الكبرى في مهرجان “إز رييل” السينمائي في نوورو (2021)، والجائزة الكبرى لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي (2019).
كذلك اختار المخرج كمال لزرق، وهو الآخر من مدينة الدار البيضاء، إطارا لفيلمه الطويل الأول “عصابات” الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم ضمن فقرة “نظرة ما”.
ويسافر الفيلم بالمشاهد في رحلة ليلية مثيرة عبر أحياء هامشية خطيرة في الدار البيضاء، مقتفيا أثر رجل وابنيه يحاولون التخلص من جثة شخص توفي عن طريق الخطأ، بينما كان يفترض أن يُختطف لحساب زعيم عصابة.
يصف لزرق هذا العمل بكونه “فيلما ساخنا من نوع سينما الطريق عبر الدار البيضاء”، وقد اختار لبطولته ممثلين غير محترفين هما أيوب العيد وعبداللطيف مستوري.
ويوضح المخرج الشاب (38 عاما) “أحب أن أنطلق من صفحة بيضاء برفقة الممثلين، الذين يحملون تجاربهم ومعيشهم، لنبني الفيلم معا”.
ويضيف “أحاول منحهم بعضا من الحرية لخلق شيء أصيل ومكثف”.
وقد جاء تتويجه ليمحو شكوكا راجت حول “صعوبات” شابت تصوير الفيلم.
ويعرب لزرق عن “ارتياحه الكبير” بعد عرض الفيلم في كان قائلا “تَولَّد لدينا انطباع بأنه فهم كما يجب، وأننا لم نضلّ الطريق”. ويتابع قائلا “الجائزة هي بمثابة حبة الكرز فوق الكعكة”.
وقد استوحى لزرق منهجيته من سينما الواقعية الجديدة الإيطالية، وخصوصا فيلم “سارق الدراجات” لفيتوريو دوسيكا.
يأمل كمال لزرق أن تؤدي هذه الأنشطة إلى “تنافس بنّاء، وتشجع الشباب (المغاربة) على خوض المغامرة”.
من بين هؤلاء الشباب الواعد برزت المخرجة المبتدئة زينب واكريم التي حصلت على الجائزة الثالثة ضمن المسابقة المخصصة لمدارس السينما في مهرجان كان السينمائي، عن فيلمها القصير “أيور” (القمر بالأمازيغية)، وهي الجائزة التي تنافس عليها ما يقرب من ألفي مشروع فني من مختلف أنحاء العالم.
ترسم الشابة (22 عاما) في هذا الفيلم بورتريه لمراهقين أمازيغيين أصيبا بـ”مرض أطفال القمر”، وهو داء وراثي نادر يجعل المصابين به لا يتحملون التعرض لأشعة الشمس.
نجحت واكريم عبر الفيلم في نقل معاناة البطلين صمد وحسناء بصورة إنسانية. ونوّه النقاد بالمخرجة، ووصفوها بالوجه الجديد والمضيء للسينما المغربية، إلى جانب الأسماء الأخرى.
وتبدي واكريم اعتزازها بعرض فيلمها في مهرجان كان معتبرة ذلك “بمثابة فوز كبير بالنسبة إلى الشباب”، وقد حصلت زينب على دبلوم من المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش.
وفي تصريحات صحفية محلية قالت واكريم عن مشاركة فيلمها في المسابقة إنه اعتراف بأنها تسير على الطريق الصحيح، لاسيما أنها حديثة التخرج من المدرسة العليا للفنون البصرية، وإن حضورها المهرجان تتويج لها.
وأشارت إلى أن اختيارها “أيور” عنوانا للفيلم يعكس ثقافتها الأمازيغية، فهي تنحدر من منطقة تافروات (جنوبي المغرب)، وهي أيضا القاسم المشترك للطفلين في الفيلم، وقالت إن اختيار “قمر” يثير الانتباه أكثر من “أطفال القمر”.
وكانت للسينما المغربية مدارس في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن العشرين يعود الفضل فيها إلى حفنة من المخرجين الذين أبدعوا أعمالا مجددة وقوية، مثل فيلم مصطفى الدرقاوي “أحداث بلا دلالة” (1974)، أو “السراب” لأحمد بوعناني (1980)، وكذلك “ليام (الأيام)، ليام” (1978) لأحمد معنوني.
وفي الفترة الممتدة من 1958 إلى 2018، تمكّن المغرب من إنتاج 372 فليما طويلا، كان عددها يتزايد من عشرية لأخرى إلى أن بلغ 20 فيلما طويلا في السنة، خصوصا بعد إحداث صندوق لدعم الإنتاجات السينمائية الوطنية ابتداء من سنة 1980، بالإضافة إلى إنتاج المئات من الأفلام القصيرة والربورتاجات السينمائية المتنوعة وغيرها. وبلغ عدد مخرجي الأفلام الطويلة المغربية 172 مخرجا في هذه الفترة، 149 ذكورا و23 إناثا.
وفي العقدين الأخيرين برز مخرجون جدد أمثال فوزي بنسعيدي الذي اشتهر بفيلمه “ألف شهر” (2003)، ونبيل عيوش صاحب شريط “يا خيل الله” (2012)، أو مريم التوزاني بفيلمها “أزرق القفطان” (2022). لكن هذا الزخم بقي فرديا ولم ينتج حركة فنية جماعية.