مقتل والي غرب دارفور وسط اتهامات متبادلة بتصفيته

قوات الدعم السريع تتهم الجيش بإشعال الصراع القبلي الذي أدى إلى مقتل خميس عبدالله أبكر على أيدي متفلتين مسلحين وتدعو إلى تحقيق مستقل حول الأحداث.
الخميس 2023/06/15
اتساع المواجهات مع دخول النزاع شهره الثالث

الخرطوم – لا يزال الغموض يحيط بالجهة المتورطة في مقتل والي غرب دارفور خميس عبدالله أبكر بمدينة الجنينة (غربي السودان) منتصف ليلة الخميس، وسط اتهامات متبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع بتصفيته، في حين اتسعت المواجهات بين طرافي الصراع بعد شهرين من بدء المعارك.

ونفت قوات الدعم السريع الخميس، مسؤوليتها عن مقتل والي ولاية دارفور أبكر، واصفةً الأمر بـ"التطور الخطير في الصراع بين المكونات القبلية، وذلك ردا على اتهام الجيش لها في بيان مساء الأربعاء عبر بيان  باختطاف أبكر من مدينة الجنينة، مركز الولاية، ثم قتله.

وقالت قوات الدعم السريع ، في بيان الخميس، إنها "تدين بأشد العبارات، مقتل والي ولاية غرب دارفور خميس عبدالله أبكر على أيدي متفلتين مساء الأربعاء، خلفية الصراع القبلي المحتدم في الولاية".

وتابعت "إذ ندين هذا التطور الخطير في الصراع بين المكونات القبلية في غرب دارفور، نوجه أصابع الاتهام وبشكل مباشر إلى استخبارات القوات الانقلابية (تقصد الجيش) بالتورط في إشعال الحرب القبلية في الولاية وتغذية القتال بتسليح القبائل، ما أدى إلى اشتداد فتيل الأزمة على نحو متسارع".

وبشأن ملابسات مقتل الوالي، قالت إن "متفلتين من إحدى المكونات القبلية داهمت مقر إقامته (أبكر)، وقد طلب الوالي الحماية من قوات الدعم السريع، حيث تحركت على الفور قوة تابعة لقواتنا وقامت بتخليصه من قبضة المتفلتين وإحضاره لمقر حكومي" .

وتابعت "بالرغم من محاولات حماية الوالي كما هو موثق في أحد مقاطع الفيديو المنشورة، إلا أن المتفلتين داهموا المكان بأعداد كبيرة ودارت اشتباكات مع القوة المتواجدة في المقر، مما أدى لخروج الأوضاع عن السيطرة واختطاف الوالي واغتياله".

ودعت الدعم السريع  إلى "تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتقصي حول الأحداث التي وقعت بالولاية وأدت لمقتل الوالي ومئات المواطنين وما ترتب على ذلك من موجات نزوح ولجوء وحرق وتخريب للممتلكات العامة والخاصة وكشف المتورطين في مؤامرة إشعال الفتنة".

وتعهدت بفتح تحقيق لتجميع المعلومات كافة حول ملابسات الحادثة وكشف التفاصيل المتعلقة بالنزاع في ولاية غرب دارفور وإننا لا نتردد في تقديم أي عنصر من أفراد قوتنا يثبت تورطه في الحادثة الى العدالة.

وكان حسن إبراهيم فضل نائب أمين الإعلام في حركة العدل والمساواة السودانية، قد قال في وقت سابق إن "ميليشيات مسلحة قتلت والي غرب دارفور".

وأضاف فضل في بيان عبر صفحة الحركة على فيسبوك "في تطور خطير.. اقتحمت ميليشيات مسلحة مقر إقامة والي غرب دارفور، الجنرال خميس أبكر، واختطفته وذهبت به إلى جهة مجهولة، ثم ظهرت مقاطع فيديو تظهر اغتياله بوحشية وبربرية لا مثيل لها".

وكان حاكم إقليم دارفور وزعيم التمرد السوداني السابق مني مناوي قد دعا السودانيين في دارفور إلى "حمل السلاح" من أجل حماية أنفسهم وممتلكاتهم، وهي دعوة ووصفها مراقبون بـ"الخطيرة" وبأنها لا تختلف عن دعوة قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان إلى التحاق أيّ مدني قادر على حمل السلاح بأقرب قاعدة عسكرية للتجنيد، ويرون أنها قد تؤدي إلى انزلاق البلاد إلى هاوية حرب أهلية شاملة تزيد من معاناة السودانيين.

وجاءت هذه الدعوة بعدما أعلن مناوي خروج قواته المعروفة باسم "حركة تحرير السودان"، في الثامن من مايو الماضي، من العاصمة الخرطوم متوجهة إلى دارفور.

وينتشر السلاح بكميات كبيرة في دارفور لدى المواطنين، في إطار الصراعات القبلية الدورية بالإقليم، وحاولت الحكومات المتعاقبة في الخرطوم جمع السلاح من المواطنين، لدوره في تأجيج الصراع القبلي، لكن بلا جدوى تذكر.

وكان أبكر أحد زعماء حركات التمرّد الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة عام 2020، سعيا الى وضع حد لنزاع في الإقليم امتد زهاء عقدين.

وأتى مقتل أبكر بعد ساعات من تصريحات أدلى بها لقناة "الحدث" التلفزيونية واتّهم فيها قوات الدعم السريع بـ"تدمير" مدينة الجنينة.

وقال خلال اتصال هاتفي وأزيز الرصاص يُسمع قربه "الآن أنا أتكلم معكم والهجوم مستمر"، متهما قوات الدعم بإطلاق قذائف "على رؤوس المواطنين" في الجنينة حيث كان موجوداً.

ووصف أبكر ولايته بأنّها "منكوبة"، مضيفاً "اليوم الجنينة مستباحة كلّها... كلّها، كلّها دُمّرت".

وأتى هذا التطوّر بعد أقل من 48 ساعة على تحذير رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس من أن أعمال العنف في دارفور قد ترقى إلى "جرائم ضد الإنسانية".

وقال بيرتس "مع استمرار تدهور الوضع في دارفور، يساورني القلق بشكل خاص إزاء الوضع في الجنينة (غرب دارفور) في أعقاب موجات العنف المختلفة منذ أواخر أبريل والتي اتخذت أبعادا عرقية".

وتحدث بيرتس عن "نمط ناشئ من الهجمات واسعة النطاق التي تستهدف المدنيين على أساس هوياتهم العرقية والتي يُزعم أنها ارتُكِبَت من ميليشيات عربية وبعض الرجال المسلحين الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع. هذه التقارير مقلقة للغاية، وإذا تمّ التحقق منها، فقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".

ووصفت قوات الدعم السريع في بيان الأعمال القتالية في الجنينة بأنها صراع قبلي، واتهمت النظام السوادني السابق بتأجيج نار الصراع. وقالت إنها تبذل جهوداً لإدخال المساعدات إلى المدينة.

كما دعت إلى "تشكيل لجنة عاجلة من جميع الأطراف القبلية المتقاتلة للتواصل مع الدعم السريع والانقلابين من أجل تهدئة الأوضاع"، مؤكدة "الالتزام بمبدأ الحياد في غرب دارفور وأن التوجيهات لقواته كانت عدم التدخل بأي شكل من الأشكال والبقاء في أماكن سيطرتها".

ويضمّ إقليم دارفور نحو ربع سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريبا. في العقدين الماضيين، تسبب النزاع فيه بمقتل 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون آخرين، بحسب الأمم المتحدة.

ووجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات الى الرئيس المعزول عمر البشير وعدد من مساعديه، بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.

ووصف حزب الأمة القومي، أبرز الأحزاب السياسية في السودان، ما يحدث في الجنينة بأنه "جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان جعلت منها منطقة منكوبة بلا شك، مما يتطلب إعلان ذلك بصورة رسمية لتضطلع المنظمات الدولية بدورها حيال الوضع فيها".

وأتى مقتل أبكر في يوم أتمّ فيه النزاع بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو شهره الثاني.

وحوّلت الحرب التي تستخدم فيها كلّ أنواع الأسلحة والطائرات الحربية والمسيرات، العديد من أجزاء البلاد إلى مناطق "منكوبة".

وقال أحمد طه، أحد سكان الخرطوم، لوكالة فرانس برس الأربعاء "أصبحنا بلا طعام ولا شراب ولا دواء.. الرصاص والدانات (القذائف) في كل مكان". وأضاف "أي منطقة في السودان الآن أصبحت منكوبة".

وقال مواطن آخر في الخرطوم "لا نعرف ما هي نهاية هذه الحرب.. فقط ندعو الله أن يرفع البلاء".

وذكر شهود في مدينة الأُبيّض الأربعاء أن طائرات تابعة للجيش نفذت "غارات جوية للمرة الأولى في محيط الأبيض"، عاصمة ولاية كردفان والواقعة على بُعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم وتطوقها قوات الدعم السريع.

وفي العاصمة، قال مسؤول عسكري طلب عدم كشف اسمه إن قوات الدعم استخدمت الثلاثاء "طائرات بدون طيار ما يثير شكوكاً من أين حصلوا عليها".

في المقابل، قال مصدر من قوات الدعم السريع "حصلنا عليها من مراكز الجيش التي سيطرنا عليها".

ويرى خبير عسكري أن هذا التطور "سيكون له أثر على سير الحرب"، متوقعا أن تكون قوات الدعم "حصلت عليها من مصنع اليرموك للصناعات العسكرية" في جنوب الخرطوم.

وتدور منذ 15 أبريل معارك طاحنة تتركّز في الخرطوم ودارفور.

وأسفر القتال عن مقتل أكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح نحو مليوني شخص بينهم أكثر من 900 ألف فرّوا من العاصمة بسبب العنف وأكثر من 475 ألف لجأوا إلى البلدان المجاورة.

وأبرم الجانبان أكثر من اتفاق لوقف النار لم يصمد أي منها. لكن الطرفين التزما بشكل كبير بهدنة مدتها 24 ساعة بوساطة أميركية-سعودية انتهت صباح الأحد، أفاق سكان الخرطوم بعدها على تجدد المعارك.

وقالت السودانية سهى عبدالرحمن المقيمة في العاصمة "نحن نعاني، نعاني من ويلات الحرب، ولا يعلم بحالنا إلا الله".

وتواجه شبكة الاتصالات في السودان صعوبة بالغة، والمعلومات عما يجري عن الأرض غير متوافرة بدقة من مصادر مستقلة، لا سيما من دارفور. ويعاني السودانيون من أزمات متعددة من نقص في الوقود والمواد الغذائية والسيولة.

وأعلنت السعودية الثلاثاء أنها سترأس بالاشتراك مع عدد من الدول والهيئات الدولية، مؤتمراً لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان، سيعقد في 19 يونيو.

ويحتاج 25 مليون شخص، أكثر من نصف السكان، إلى المساعدة والحماية، وفقا للأمم المتحدة، ولكن حتى أواخر مايو، تم تمويل 13 في المئة فقط من حاجات المنظمة العالمية التي تحتاج إلى 2.6 مليون دولار لمعالجة الأزمة.

وباتت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة، وفق مصادر طبية.