أبوظبي، مدينة الألفة

لا تعرف قيمة الأماكن حتى تنقطع عنها. تعتاد على المدن، فتمشي في شوارعها، وبعد فترة تفتقد الإحساس بمعالمها. لا شك أن الانبهار بالمدن يخف بمرور الوقت. العين ترصد جماليات المكان، والعقل يخزنها ويعتبرها جزءا من الصورة المعتادة.
انقطعت عن زيارة أبوظبي لأربعة أعوام. كنت أزورها لأكثر من مرة في العام، في مناسبات ومواسم مختلفة. كانت المواعيد في أبوظبي وخارجها. من صحراء الظفرة، إلى بحر الرويس والمرفأ، وصولا إلى واحة العين. مرة لمواكبة مسابقات الإبل، وأخرى منافسات البحر والصيد، وثالثة لحضور مهرجان البيزرة والصقور والجوارح.
ثم حاصرنا كوفيد بالانقطاع، وتعاقبت مشاكل العمل للخروج من تأثيرات الوباء فتأجلت الزيارة.
الوصول فجرا يعني أنك ترى المدينة بطريقة مختلفة. تستقبلك حركة الصباح النشطة، فتتوثب معها. صرت أرصد كل شاردة وواردة من الجديد على الطريق بين مطار أبوظبي وصولا إلى الكورنيش. المعالم الأساسية بقيت بجمالياتها، ولكن ثمة إضافات لافتة.
انتبهت إلى المبنى الجديد لدائرة القضاء في أبوظبي. بعد يومين زرت المبنى. قارنت بالألفة السريعة التي يعطيها المبنى، مع الصورة التقليدية للمحاكم في العالم. مباني المحاكم والقضاء عادة ما تشيد بغرض فرض المهابة. مبنى المحاكم في أبوظبي يريدك أن تحس أنك في أيد أمينة وأنك هنا لتأخذ حقوقك. توصيفه بأنه قطعة معمارية جميلة، قد يجعله يقارن بغيره من المباني. لكن من صممه وأمر بتنفيذه كان يضع بحسبانه الدور الذي يلعبه المبنى. هذا مبنى للقضاء والمعاملات المدنية، بما فيها عقود الزواج. هذا مبنى للفرح أيضا.
أبوظبي استعادت كامل الخضرة في الممرات الفاصلة بين الطرقات. في السابق كانت هناك مشبكات لمنع قطع المشاة الطريق من حد إلى آخر. المشبكات كانت ذكية، إذ لا تستمر على طول الطريق فتحجب جمال الخضرة والأشجار والزهور، بل تبدل كل مئة متر من حافة إلى أخرى. الآن أزيلت كل المشبكات، وأمامنا فواصل بين الطرقات هي جنائن صغيرة تذكرك بارتباط المدينة بالإرادة التي أصرت أن تجعلها واحة خضراء تعاند الجفاف والحر.
في المنطقة الفاصلة بين البطين والكرامة، على بعد خطوات من قصر المشرف وقصر البطين، ثمة دوار تم إعادة تصميمه بشكل لافت لم أر مثله من قبل. تحول الدوار إلى ما يشبه ما تراه في محمية المرزوم. مجسمات لصقور وطيور حبارى تتحرك في بيئتها الطبيعية. الدوارات والتقاطعات اليوم في أبوظبي على موعد مع ما تريد المدينة أن تذكر به من ألفة مع الطبيعة والانسجام مع التسامح في كل مناحي الحياة.
من الصعب توصيف التغيرات والإضافات التي جرت في أبوظبي في الوقت الذي كان فيه العالم منشغلا بكوفيد. لكن لا يوجد ركن في المدينة لم يشهد لمسة جمالية إضافية تزيد من إحساس الزائر بأنها تبقى مدينة استثنائية بانسجامها مع أهلها ومع زائريها.