مبرر آخر لعودة الأسد: محاربة الكبتاغون مقابل الإعمار

الكبتاغون سلاح لتحقيق أهداف سياسية أيضا.
الثلاثاء 2023/06/13
ورقة ضغط

تحتل سوريا المرتبة الأولى في المنطقة من حيث انتاج مادة الكبتاغون المخدرة. ويرجح محللون وجود أهداف سياسية وليس فقط مالية خلف الإفراط في الإنتاج وهو ما يعزز الاتهامات بانخراط النظام في هذه التجارة.

بيروت - منحت حبة بيضاء صغيرة نفوذا قويا للرئيس السوري بشار الأسد مع جيرانه العرب الذين أصبحوا على استعداد لإخراجه من عزلته على أمل أن يوقف تدفق الكبتاغون المسبب للإدمان إلى خارج سوريا.

وانتاب الإحباط الحكومات الغربية بسبب ترحيب الدول العربية بالأسد، خشية أن تقوض المصالحة الدفع من أجل إنهاء الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ فترة طويلة.

لكن الدول العربية تعتبر وقف تجارة الكبتاغون أولوية قصوى. ونجح تهريب مئات الملايين من الحبوب على مر السنين إلى الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، حيث يعتمده الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجسدية بقاءهم في حالة تأهب.

واعترضت المملكة العربية السعودية شحنات كبيرة من الحبوب المخبأة في صناديق من البرتقال البلاستيكي وفي ثمار رمان مجوفة. ووجدت حتى حبوبا طُحنت وشُكّلت لتبدو وكأنها أوعية فخارية تقليدية.

ويقول المحللون إن الأسد يأمل أن تحركاته ضد المخدرات (وإن كانت محدودة)، ستمكّنه من كسب أموال إعادة الإعمار، وتوفر له فرص المزيد من الاندماج في المنطقة، وأن تكون وسيلة الضغط الناجعة في مساعي إنهاء العقوبات الغربية.

الأسد قد يكون على استعداد للتحرك الجزئي ضد تجارة المخدرات، إلا أنه لن ينهيها بالكامل دون مقابل من الدول العربية

وتنتج سوريا الغالبية العظمى من الكبتاغون في العالم، ويسجل لبنان المجاور إنتاجا أقل. وتقدر الحكومات الغربية أن تجارة الحبوب غير المشروعة تدر المليارات من الدولارات.

وتتهم الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي الأسد وعائلته وحلفاءه بمن فيهم جماعة حزب الله اللبنانية بتسهيل التجارة والاستفادة منها. ويقولون إن ذلك منح حكم الأسد شريان حياة ماليا هائلا في وقت ينهار فيه الاقتصاد السوري. ونفت الحكومة السورية وحزب الله هذه الاتهامات.

وأصبح جيران سوريا أكبر سوق للحبوب وأكبر مصادر للربح المالي. ويقول الخبراء إن دمشق رأت في السنوات الأخيرة أن الكبتاغون يتجاوز كونه مجرد ثمرة مربحة.

وصرّح كرم شعار، الزميل البارز في معهد نيو لاينز بواشنطن، “أدرك نظام الأسد أن بإمكانه أن يستغل هذا المخدّر سلاحا لتحقيق مكاسب سياسية… وانطلق حينها الإنتاج على نطاق واسع”.

وكان وقف التجارة مطلبا رئيسيا للدول العربية في محادثاتها مع سوريا بشأن إنهاء عزلتها السياسية. وأعيد استقبال سوريا الشهر الماضي إلى جامعة الدول العربية التي غابت عنها منذ 2011 بسبب قمع الأسد للمتظاهرين. وفي 19 مايو لاقى الرئيس السوري ترحيبا حارا في القمة التي استضافتها مدينة جدة السعودية.

وظهرت علامة محتملة على المقايضات التي جرت وراء الكواليس في 8 مايو، عندما دمّرت الغارات الجوية في جنوب سوريا منزل تاجر مخدرات معروف. وقُتل مرعي الرمثان وزوجته وأطفاله الستة. ودمرت غارة أخرى مصنعا مشتبها به للكبتاغون خارج مدينة درعا بالقرب من الحدود الأردنية.

الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي تتهم الأسد وعائلته وحلفاءه بمن فيهم جماعة حزب الله اللبنانية بتسهيل تجارة الكبتاغون والاستفادة منها

ويقول النشطاء والخبراء إن الأردن كان على الأرجح وراء الضربة وأنها شُنّت بموافقة الأسد. وكانت بعد يوم واحد من إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية رسميا، وهي خطوة ساعد الأردن على تحقيقها.

وقال العميد المتقاعد من المخابرات الأردنية سعود الشرفات، لوكالة الأسوشييتيد برس إن “الأسد أعطى تأكيدات بأن النظام سيوقف دعم وحماية شبكات التهريب. وسهّل على سبيل المثال التخلص من الرمثان”.

وذكر أن الأردن يرى في تجارة الكبتاغون “تهديدا للأمن والسلم المجتمعي”.

ورفض وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تأكيد أو نفي ما إذا كانت بلاده هي التي شنت الغارات الجوية، لكنه قال إنها مستعدة لتنظيم عمل عسكري للحد من تهريب المخدرات.

وتقول دول عربية، دعّم كثير منها مقاتلي المعارضة في محاولة للإطاحة بالأسد، إنها تشاركه الهدف المتمثل في دفعه لتحقيق السلام. واستضاف الأردن قبل قمة جدة اجتماعا لكبار الدبلوماسيين من سوريا والسعودية والعراق ومصر، وتضمنت الأجندة الطويلة وضع خارطة طريق لمحادثات السلام وعودة الملايين من اللاجئين السوريين.

ولكن موضوع الكبتاغون هو الذي حقق أكبر قدر من التقدم. وتعهّدت سوريا بتضييق الخناق على التهريب، وجاء الاتفاق على لجنة تنسيق أمني إقليمي. وبعد أيام، أفادت وسائل إعلام رسمية سورية بأن الشرطة داهمت عملية تهريب كبتاغون في مدينة حلب، واكتشفت مليون حبة مخبّأة في شاحنة صغيرة.

وكثّف الأردن المراقبة على طول الحدود السورية خلال السنوات الأخيرة وحارب تجار المخدرات. وقتلت القوات الأردنية 27 من المهربين المشتبه بهم في معركة بالأسلحة النارية في يناير.

وجعلت طرق التهريب فك شبكات المخدرات أكثر صعوبة. وقال عضو في ميليشيا عراقية لوكالة الأسوشييتد برس إن الميليشيات في محافظة الأنبار الصحراوية في العراق، المتاخمة لسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية، كانت أساسية في تهريب الكبتاغون. وكان قد تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام.

Thumbnail

ونفى عضو مجلس الشعب السوري عبود الشواخ تمتع الحكومة بأرباح من تجارة المخدرات وأصر على أن السلطات تحاول القضاء على التهريب.

وقال لوكالة الأسوشييتد برس “يُعتمد بلدنا كطريق عبور إقليمي حيث توجد معابر حدودية خارجة عن سيطرة الدولة”. وزعم أن مجموعات المعارضة المسلحة فقط هي التي تشارك في التعامل مع الكبتاغون.

ويعتقد العديد من المراقبين أن جماعات المعارضة السورية متورطة في تهريب المخدرات. لكن الحكومات الغربية تتهم أقارب الأسد وحلفاءه بدور مباشر في إنتاج الكبتاغون وتجارته وفرضت عقوبات على مجموعة من الأفراد المقربين من الأسد.

وقال الشرفات إنه في حين قد يكون الأسد على استعداد للتحرك الجزئي ضد تجارة المخدرات، إلا أنه لن ينهيها بالكامل دون مقابل من الدول العربية.

ونفى مسؤول سعودي تقارير عن أن الرياض عرضت المليارات من الدولارات على دمشق مقابل حملة قمع. لكنه أضاف أن ما قد تقدمه المملكة لسوريا سيكون أقل تكلفة من الضرر الذي أحدثه الكبتاغون بين الشباب السعودي. وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته تماشيا مع اللوائح.

وتخشى الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى أن يقوض تطبيع الدول العربية مع سوريا محاولات دفع الأسد لتقديم تنازلات لإنهاء الصراع السوري. ويريدون أن يتبع الأسد خارطة طريق السلام المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي تم تمريره بالإجماع في 2015، والذي يدعو إلى إجراء محادثات مع المعارضة وإعادة كتابة الدستور وإجراء انتخابات تراقبها الأمم المتحدة.

ولم يبلغ القرار هدفه بعد. واستعاد الأسد منذ ذلك السيطرة على الأراضي التي خسرها سابقا، وحصر المعارضة في زاوية صغيرة في الشمال الغربي. وتبدو قبضته على السلطة قوية الآن، على الرغم من أن الكثير من مناطق الشمال والشرق تبقى خارج سيطرته، حيث تتبع المقاتلين الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة.

وقال الشعار إن الأسد قد يستخدم الكبتاغون في محاولة لإرجاء قرار الأمم المتحدة.

وسيكون من الصعب عليه الفوز بالتنازلات الأخرى، مثل رفع العقوبات التي يقودها الغرب. وفي حين لن تكون دول الخليج العربية قادرة على ضخ النقد مباشرة لصالح حكومة الأسد مع فرض العقوبات، قال الشعار إن بإمكانها تحويل الأموال من خلال المشاريع التي تقودها الأمم المتحدة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لضمان إجراءات من الأسد ضد أزمة الكبتاغون. وأكّد أن تعامل الأسد مع دول الخليج سيكون سياسيا.

6