ألمانيا قلقة على مصير قطع تاريخية أعادتها إلى نيجيريا

من حق الدول التي تعرضت لنهب ممتلكاتها الأثرية والتراثية المطالبة باستعادتها على اعتبار أنها رمز هويتها، لكن السلطات الألمانية التي أعادت إلى نيجيريا 22 قطعة برونزية تعبر اليوم عن حالة من القلق حول مصير هذه الكنوز التاريخية.
برلين - في ديسمبر الماضي، أعادت ألمانيا إلى نيجيريا 22 قطعة برونزية تعود إلى إمبراطورية بنين السابقة وكانت قد سُرقت خلال الحقبة الاستعمارية، لكن بعد خمسة أشهر على ذلك، تثير الضبابية المحيطة بمصير هذه القطع التاريخية قلقاً في ألمانيا. وتعود المشكلة في الأساس إلى مرسوم أصدره في 28 مارس الرئيس النيجيري محمد بخاري الذي خلفه في مايو بولا أحمد تينوبو، وينص على منح ملكية القطع المُستعادَة إلى "أوبا بنين" لا إلى الدولة النيجيرية.
وهذا الزعيم التقليدي هو وريث العاهل الذي كان يحكم إمبراطورية بنين (جنوب غرب نيجيريا) في الفترة التي سُرقت خلالها القطع البرونزية، أثناء الحملة الاستعمارية البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر. ويشير المرسوم إلى أنّ “أوبا (الملك) وبصفته المالك الأصلي للقطع، ينبغي أن يكون مسؤولاً عن إدارة مختلف الأماكن التي ستضم القطع المُستعادَة”.
وعندما توصّلت برلين إلى اتفاق مع أبوجا في شأن إعادة نحو 1100 قطعة برونزية من 20 مجموعة ومتاحف ألمانية، اتفق البلدان على أهمية أن تُتاح هذه القطع التاريخية للعامّة. ومن المقرر عرض القطع البرونزية في متحف جديد في مدينة بنين في جنوب ولاية إدو. ولكن ماذا سيحصل في ظل المرسوم الجمهوري الذي أُقرّ؟
وتطالب السلطات في منطقة ساكسونيا بتوضيحات في هذا الخصوص، وعلّقت إجراءات عملية إعادة القطع إلى نيجيريا، فيما لا تزال هذه المنطقة الألمانية تملك في متاحفها 262 قطعة برونزية بنينية، ضمن ما يشكل ثاني أكبر مجموعة في ألمانيا.
وترغب سلطات ساكسونيا في رؤية “أثر هذا المرسوم (…) وكيف ستتعامل معه الحكومة الجديدة”. وقال ناطق باسم وزارة الثقافة في ساكسونيا “لن نتخذ أيّ خطوات جديدة” قبل رؤية أثر المرسوم وكيف ستتعامل الحكومة معه.
وأثار تصريح هذا المسؤول استياء وزيرة الثقافة الفيدرالية كلوديا روث. وقالت في حديث إلى قناة "زي دي أف" إنّ "المالك الحالي للقطع البرونزية هو مَن يقرر مصيرها، ويمثّل في هذه الحالة نيجيريا التي تتمتع بسيادة".
وأكد الناطق باسم وزارة الخارجية كريستوفر برغر أنّ “عملية إعادة القطع إلى نيجيريا لم تخضع لشروط”. وأعاد التذكير بأهمية “أن تكون القطع مُتاحة للعامّة بعد استعادتها”. ويذهب الجدل أبعد من مسألة المكان الذي ستُعرض فيه القطع، بحسب صحيفة “فرانكفورتر”.
وكتبت الصحيفة الألمانية اليومية “عندما تتم خصخصة الأعمال الفنية، يصبح تمثيلها خاصاً أيضاً”، مشيرة إلى أبحاث تاريخية توصلت إلى أنّ العائلة الملكية السابقة في بنين “لم تكن الجهة الأقل انخراطاً في تجارة الرقيق التي لم تستفد منها القوى الأوروبية فقط، بل كذلك النخب المحلية”. وحذّرت الصحيفة من محاولة طمس هذا الجانب لتقديم رواية تاريخية تنطوي على تمجيد للظروف التي جرى خلالها ابتكار القطع البرونزية.
◙ المرسوم يشير إلى أن أوبا (الملك) وبصفته المالك الأصلي للقطع ينبغي أن يكون مسؤولا عن إدارة مختلف الأماكن التي ستضم القطع المستعادة
وتثير هذه المخاوف غضب رئيس مؤسسة التراث البروسي والمسؤول عن المتحف الإثنولوجي في برلين هيرمان بارزينغر، الذي تساءل في مطلع مايو الماضي “هل نريد حقاً العودة إلى النهج الذي كان سائداً في السبعينات، عندما كنا نحن الأوروبيين نعتبر أنّ إعادة القطع الثقافية إلى أفريقيا هي بمثابة خسارة وتدمير وبيع؟”. ويضم المتحف الذي يديره بارزينغر 530 قطعة تاريخية من إمبراطورية بنين القديمة، بينها 440 قطعة برونزية، وتعتبر أهم مجموعة بعد تلك الخاصة بالمتحف البريطاني في لندن.
وفي نيجيريا، أمل رئيس الهيئة الحكومية المكلفة بملف استعادة الأعمال المنهوبة أبا عيسى تيجاني في التخفيف من حدّة الجدل. وقال “نريد طمأنة شركائنا، المتاحف في أوروبا، (…) بأنّ القطع ستكون متاحة للباحثين والعامّة والسياح (…) وأنه لن يكون من الممكن بيعها”. وتابع “أما في ما خصّ بناء متحف مدينة بنين، فأعمال تشييده مستمرة”.
وتنتقد بيجو لايولا، وهي مؤرخة متخصصة في الفنّ وفنانة في نيجيريا تتابع بصورة كبيرة معركة استعادة القطع البرونزية، ما وصفته بـ”دعاية تروّج لفكرة أن القطع ستضيع”. وأشارت إلى أنّ الزعيم التقليدي لطالما قال بوضوح إنّ متحفاً سيتم إنشاؤه. وتابعت أنّ كل ما يحصل ليس سوى “عذر لعدم إعادة القطع لأنّهم لا يرغبون في ذلك”.