عوامل جينية تفسّر جزئيّا سبب الإصابة بنوع من النوبات القلبية يطال النساء

سوء امتصاص الورم الدموي سبب جيني للنوبات القلبية لم يكن معروفا.
الجمعة 2023/06/02
التسلخ التلقائي للشريان التاجي يسبب النوبات القلبية

كانت فئة النساء تُعتبر بمنأى -نسبيّا- عن الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، إلا أن دراسة حديثة كشفت أن هناك نوعا من النوبات القلبية يطال النساء اللواتي في صحة جيدة، مشيرة إلى أن هناك عوامل جينية تفسر ذلك. ويعتبر سوء امتصاص الورم الدموي سببا جينيا للنوبات القلبية التي تطال النساء. وتصاب النساء بالتسلخ التلقائي للشريان التاجي المُسبب للنوبات القلبية.

باريس - تلعب العوامل الجينية دورا بارزا في تفسير نوع من النوبات القلبية يطال خاصة النساء اللواتي هنّ دون الستين وبصحة جيدة، حسب ما بيّنته نتائج دراسة واسعة قد تتيح توفير رعاية أفضل لهؤلاء المرضى.

وتقول غاييل مارتن (59 عاماً) التي تعرّضت لنوبة قلبية قبل خمس سنوات “لم أكن أعاني من الكوليسترول بل كنت رياضية”. وكانت فئة النساء تُعتبر بمنأى -نسبيا- عن الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وعلى عكس انسداد العضلة القلبية الذي يصيب بشكل رئيسي الرجال كبار السن أو مَن يعانون وزناً زائداً، فإنّ تسعة من كل عشرة مصابين بالتسلخ التلقائي للشريان التاجي المُسبب للنوبات القلبية هن نساء تتراوح أعمارهنّ بين 40 و60 سنة ولا يظهرن أي مشاكل صحية. ويتعيّن على غاييل أن تتلقى علاجاً مدى الحياة لتسييل دمها وتنظيم ضغطه.

وعندما شعرت بآلام في صدرها، وهي أولى مؤشرات حدوث نوبة قلبية، قالت لنفسها بداية “لن أتصل فوراً بخدمات الطوارئ”. إلا أنّ خدمة “أس أو أس ميدسان” التي تُرسل أطباء إلى منازل المرضى وفّرت مساعدة لها، ثم أظهر فحص لشرايينها في المستشفى أنها مُصابة بتسلخ تلقائي للشريان التاجي.

◙ الفهم الأفضل للقابلية الجينية يتيح تحديد مَن هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية، بهدف تحسين الوقاية

وفي حديث إلى وكالة فرانس برس تقول غاييل التي تمارس مهنة التعليم في مدينة رين وحظيت بدعم من مجموعة في فيسبوك تأسست عام 2019، “غالباً ما يكون المرضى متشابهين، فيكونون نساء نشيطات يعانين ضغوطاً نفسية”.

ويحصل التسلخ التلقائي للشريان التاجي عندما تتمزق البطانة الداخلية للشريان وتنفصل عن تلك الخارجية. ويدخل الدم عبر المزق ثم ينتشر في الفراغ الحاصل بين البطانتين ويؤدي إلى تخثر للدماء يتسبب في النهاية بتضييق الشريان ومنع تدفق الدم.

ولا يزال التسلخ التلقائي للشريان التاجي غير مفهوم بصورة كافية وتشخيصه غير دقيق، مما يعقّد الرعاية الموفَّرة للمصابين به، في حين قد يمثل ثلث حالات النوبات القلبية لدى النساء اللواتي هنّ دون الستين سنة.

وتناول فريق عالِمة الوراثة نبيلة بوعطية ناجي من مركز أبحاث القلب والأوعية الدموية في باريس (المعهد الوطني للصحة والبحث العلمي وجامعة باري سيتيه) هذه المسألة من خلال دراسة واسعة تطرّق فيها إلى تحليل تلوي من ثماني دراسات، نتجت عنه إضاءة جديدة على الأسباب الجينية لهذا المرض.

ومن خلال مقارنة البيانات الجينية لأكثر من 1900 مريض ونحو 9300 شخص سليم، أظهر العلماء أن الأسباب الجينية التي تحدد خطر الإصابة بالتسلخ التلقائي للشريان التاجي كثيرة جداً وموزعة على الجينوم الكامل للمرضى، حسب ما ذكرته دراسة نُشرت مؤخرا في مجلة “نيتشر جينيتيكس”.

وتشير نتائج الدراسة إلى أنّ سوء امتصاص الورم الدموي هو سبب جيني للنوبات القلبية لم يكن معروفاً حتى اليوم. وتقول نبيلة بوعطية ناجي لوكالة فرانس برس “إنّ هذه النتائج تفتح آفاقاً لعلاجات دوائية مستقبلاً”. ويتيح الفهم الأفضل للقابلية الجينية تحديد مَن هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية، بهدف تحسين الوقاية لدى النساء وتحديداً الشابات.

وأثبت العلماء في الدراسة وجود صلة قوية بين ارتفاع ضغط الدم وخطر الإصابة بالتسلخ التلقائي للشريان التاجي، مؤكدين أن ارتفاع الكوليسترول في الدم وزيادة الوزن ومرض السكري من النوع الثاني لم تكن لها أي تأثير على هذا الخطر.

◙ المرضى غالبا ما يكونون متشابهين
◙ المرضى غالبا ما يكونون متشابهين

وتشير بوعطية ناجي إلى أنّ “التسلخ التلقائي للشريان التاجي هو مرض لم يخضع للدراسة بشكل كاف، لأنه مرض غير عادي وغالبية المصابين به من النساء”، مضيفة “أن دراستنا سلطت الضوء على خصائصه الجينية والبيولوجية، ما سيساعدنا على توفير رعاية أفضل للمرضى في المستقبل”. ويلفت خبراء مايو كلينيك إلى أن التسلخ التلقائي للشريان التاجي هو حالة طبية طارئة تنشأ عند حدوث تمزق داخل أحد الأوعية الدموية في القلب.

ويمكن أن يؤدي التسلخ التلقائي للشريان التاجي إلى إبطاء تدفق الدم إلى القلب أو إعاقته عن الوصول إليه، ما يسبب التعرض لنوبة قلبية أو مشاكل في نظم القلب (اضطراب النظم القلبي) أو الوفاة المفاجئة.

ويؤكد الخبراء أن التسلخ التلقائي للشريان التاجي أكثر شيوعًا بين النساء في سن الأربعين والخمسين، لكنه قد يحدث في أي عمر، كما يمكن أن يصيب الرجال. وكثيرًا ما يصيب التسلخ التلقائي للشريان التاجي أشخاصًا ليس لديهم عوامل خطورة مرتبطة بأمراض القلب، مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع الكوليسترول أو السكري.

◙ التسلخ التلقائي للشريان التاجي يمكن أن يؤدي إلى إبطاء تدفق الدم إلى القلب أو إعاقته عن الوصول إليه، ما يسبب التعرض لنوبة قلبية

ويمكن أن يؤدي التسلخ التلقائي للشريان التاجي إلى الوفاة المفاجئة إذا لم يُشخَّص ويُعالَج على الفور. وتعدّ النوبات القلبية السبب الأول للوفيات في الولايات المتحدة، ويشمل ذلك الرجال والنساء من معظم المجموعات العرقية. ووفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يموت شخص واحد كل 36 ثانية في الولايات المتحدة بسبب نوبة قلبية.

وتقول الدكتورة دوبون المختصة في طب القلب التدخلي إن النساء كثيرا ما يتجاهلن الأعراض الأولى للمشاكل المتعلقة بالقلب، لذلك فإنهن لا يحصلن في أغلب الحالات على الرعاية الطبية اللازمة، مما يقلل فرص النجاة من تلك النوبات.

وفي بعض الحالات تعاني النساء من أعراض مشابهة لما يحدث للرجال عند الإصابة بالذبحة الصدرية (نقص تدفق الدم إلى عضلة القلب بسبب تراكم اللويحات في شرايين القلب) أو النوبة القلبية. وفي حالة الإصابة بنوبة قلبية، تظهر الأعراض بشكل مفاجئ، ويمكن أن تشمل انقباض الصدر، بدرجات متفاوتة من الحدّة والألم.

وفي بعض الحالات قد لا تظهر تلك الأعراض المعروفة، وتعاني المرأة في المقابل من أعراض أخرى مثل الإصابة المفاجئة بضيق التنفس وألم في الذراع اليسرى أو الفك أو الأسنان وألم في الجزء العلوي من البطن وفقدان الوعي أو الإغماء وألم في الجزء العلوي من الظهر. وهذه الأعراض شائعة لدى النساء، لكن في الكثير من الحالات لا تدل آلام أسفل البطن أو الظهر على الإصابة بنوبة قلبية.

وفي المقابل، قد تكون آلام الأسنان دليلا على مشاكل في القلب، إذ تقول الكاتبة إنها قامت في إحدى المرات بفحص مريضة كانت تعاني من ألم حاد في الأسنان أثناء ممارسة الرياضة، واكتشفت أنها تعاني من انسداد أحد شرايين القلب.

أثبت العلماء في الدراسة وجود صلة قوية بين ارتفاع ضغط الدم وخطر الإصابة بالتسلخ التلقائي للشريان التاجي
◙ الصلة قوية بين ارتفاع ضغط الدم وخطر الإصابة بالتسلخ التلقائي للشريان التاجي

 

16