الاعتدال السعودي يتسامح مع اليهود، لكن الموقف من الشيعة والصوفيين يراوح مكانه

تعديل المناهج الدراسية لا يشمل الشيعة والصوفية.
الأربعاء 2023/05/31
تعليم التسامح الانتقائي

لم تشمل التعديلات المتعلقة بالمناهج الدراسية السعودية إلا اليهود والمسيحيين، وهو ما يشكل بادرة حسن نية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، لكنّ مراقبين لا ينظرون بارتياح إلى إبقاء النصوص المتشددة المتعلقة بالشيعة والصوفيين.

الرياض – حذفت المملكة العربية السعودية من كتبها الإسلامية المدرسية المراجع المعادية للسامية وإسرائيل، بالإضافة إلى الصياغات المعادية للمسيحية، لكنها أبقت على الأسلوب العدائي ضد الشيعة والصوفية.

وقال معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي الإسرائيلي إن الحذف كان ضمن مراجعة مناهج أوسع محت أيضا الإشارات المعادية للمسيحية وقللت الصور السلبية لغير المؤمنين وأتباع العقائد المبنية على آلهة متعددة.

وأكدت الكتب المدرسية المنقحة أن الجحيم في يوم القيامة سيكون “مكان العقاب المؤلم” المخصص لـ”المنكرين” الرافضين لنبوة محمد، فيما مثّل استبدالا لمصطلح الكفار أو المنافقين.

كما أشار معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في تقريره المكون من 203 صفحات إلى حذف المفاهيم الإشكالية للجهاد والاستشهاد، بينما شدد كتابان مدرسيان حديثان بعنوان “التفكير النقدي” على مفاهيم السلام والتسامح.

جيمس دورسي: مراجعة الكتب المدرسية بادرة تجاه أميركا وإسرائيل
جيمس دورسي: مراجعة الكتب المدرسية بادرة تجاه أميركا وإسرائيل

وحدد التقرير تحسّنا في نهج التعامل مع قضايا النوع الاجتماعي، بما في ذلك محو “قدر كبير من محتوى رهاب المثليين”. لكنه ذكر أن الكتب المدرسية حافظت رغم ذلك على نهج تقليدي تجاه الجنسين.

وأشارت المراجعة إلى أن التقدم كان محدودا في تغيير المواقف تجاه المسلمين الشيعة والصوفيين، الذين اعتبرهم الوهابيون من الزنادقة.

ويُذكر أن هذا التيار الإسلامي المتشدد كان سائدا في المملكة إلى أن تولّى الحكم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في 2015. وذكر التقرير أن “بعض الأمثلة الإشكالية لا تزال قائمة… في مقاربة ممارسات الزندقة المتصورة المرتبطة بالشيعة والصوفية”.

ويرى الكاتب الأميركي جيمس دورسي أنه من المرجح أن يُقرأ التقرير في ضوء الجهود الأميركية لإقناع السعودية باتباع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل والاتفاق السعودي – الإيراني الأخير بوساطة صينية لإعادة العلاقات المنقطعة منذ 2016.

ولم تكن السعودية كالدول العربية الثلاث التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في 2020، حيث جعلت المملكة العلاقات الرسمية تعتمد على التحركات الإسرائيلية لحل نزاعها مع الفلسطينيين.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن البحرين توسطت في محادثة هاتفية حديثة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية إيلي كوهين.

ويعتبر نتنياهو العلاقات الدبلوماسية مع المملكة أولوية. وضغط على ولي العهد للسماح برحلات جوية مباشرة بين إسرائيل وجدة، بوابة البحر الأحمر السعودية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة المقدستين، خلال موسم الحج السنوي. ويعني غياب الرحلات الجوية المباشرة أن على الحجاج الفلسطينيين العبور عبر دولة ثالثة للوصول إلى المملكة.

وتبقى آفاق حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني قاتمة، حيث يترأس نتنياهو الحكومة الأكثر محافظةً وتدينا وقومية في تاريخ إسرائيل.

وتصاعدت التوترات الإسرائيلية – الفلسطينية بشكل ملحوظ منذ تولي الحكومة زمام السلطة في ديسمبر. وشهد شهر مايو خمسة أيام من الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف في غزة وإطلاق فلسطينيين صواريخ على إسرائيل ردا على الهجمات.

ii

وما يعقد الأمور أن السعودية تريد أن تقدم لها الولايات المتحدة المزيد من الضمانات الأمنية الملزمة، وتمنحها حق الوصول غير المقيد إلى الأسلحة الأميركية، وتساعدها على تطوير برنامج نووي سلمي ضمن أي اتفاق لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وتشكل مراجعة الكتب المدرسية السعودية المتواصلة بادرة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل. لكنها مصممة قبل كل شيء لمواجهة المفاهيم الدينية المحافظة المتطرفة وغير المتسامحة التي شكلت نظام التعليم منذ تأسيس المملكة.

وتعد المراجعات ضرورية لجهود السعودية الهادفة إلى تنويع اقتصادها المعتمد حاليا على تصدير النفط، وإعداد مواطنيها الشباب للمنافسة في سوق العمل، وإبراز كفاءات المملكة وتصويرها قوة معتدلة ومتفتحة في القرن الحالي.

التنقيحات تعزز مساعي المملكة إلى أن تكون القوة الناعمة الدينية باعتبارها موطن أقدس مدن الإسلام ومنارة للإسلام المعتدل الليبرالي اجتماعيا

كما تعزز التنقيحات سعي المملكة إلى أن تكون القوة الناعمة الدينية باعتبارها موطن أقدس مدن الإسلام ومنارة للإسلام المعتدل الليبرالي اجتماعيا.

وكان دفع المملكة العربية السعودية إلى تجديد كتبها المدرسية عملية طويلة. وعملت الولايات المتحدة وغيرها من أجل هذه التغييرات منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 التي شنتها القاعدة على نيويورك وواشنطن، حيث كان معظم المتورطين في العملية يحملون الجنسية السعودية.

لكن معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي ومعهد شؤون الخليج الذي مقره واشنطن (وهو مؤسسة بحثية سعودية معارضة) ومنظمة هيومن رايتس ووتش لم تبلغ عن إحراز تقدم سوى في 2021، أي بعد عقدين من الهجمات.

ويشير التقدم المحدود في معالجة المواقف المتحيزة تجاه المسلمين الشيعة والصوفيين، مقارنة باليهود والمسيحيين، إلى استمرار تأثير الفكر الديني المحافظ والمتطرف في المملكة رغم الإصلاحات الاجتماعية التي قادها ولي العهد.

كما يضع في الاعتبار إحجاما سعوديا عن ترسيخ الإصلاحات في القانون الديني والمدني، وهو النهج الذي روجت له جمعية نهضة العلماء التي مقرها إندونيسيا.

من الناحية الإيجابية لم تعد الكتب المدرسية السعودية المنقحة تصف زيارة قبور الشخصيات المقدسة، وهي ممارسة شيعية منتشرة، بأنها ممارسة يرفضها النبي محمد.

التقدم المحدود في معالجة المواقف المتحيزة تجاه الشيعة والصوفيين يشير إلى استمرار تأثير الفكر الديني المحافظ المتطرف في المملكة
التقدم المحدود في معالجة المواقف المتحيزة تجاه الشيعة والصوفيين يشير إلى استمرار تأثير الفكر الديني المحافظ المتطرف في المملكة

لكن الكتب المدرسية لا تزال تدين مثل هذه الزيارة باعتبارها بدعة تحظرها الوهابية. ووصف أحد الكتب المدرسية المنقحة ضمنيا زيارة القبور للتضرع للمتوفى بدلا من الله بأنها شرك يُعاقب عليه في الآخرة.

وقال التقرير إن الطلاب يتعلمون أن الشرك بالذات الإلهية أمر خطير، لأنه من “أبشع الذنوب”. لكن طبعة 2022 محت ما جاء في إصدارات 2021 التي حددت أن من يقعون في هذه المعصية سيقضون أبديتهم في الجحيم.

وفي بعض الأحيان خلط تقرير معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي بين معتقدات بعض المسلمين العرب والسنة والإسلام بشكل عام، وخاصة فيما يتعلق بإيران ذات الأغلبية الشيعية.

وأشار التقرير في إحدى الحالات إلى أن الكتب المدرسية تحافظ “على العداء التاريخي الإسلامي تجاه بلاد فارس من خلال الادعاءات بأن اغتيال الخليفة الثاني كان مؤامرة فارسية”.

ويعيش العداء في قلوب بعض السنة وليس المسلمين ككل. ويتعلق الأمر بقتل فارسي مستعبد لعمر بن الخطاب، وهو ثاني الخلفاء الأربعة الأوائل الذين خلفوا النبي محمد في القرن السابع ميلاديا.

وخلص التقرير في ملاحظة متفائلة إلى أن “الجهود السعودية لإصلاح المناهج الدراسية تكشف عن نهج تدريجي متسق إلى حد معقول… ويأمل المرء رؤية تطبيق هذا النهج على المحتوى الإشكالي المتبقي في بعض الكتب المدرسية”.

ولم يذكر التقرير أن معالجة المواقف الإشكالية تجاه الشيعة والصوفية ستشكل مؤشرا على مدى استعداد الحكام السعوديين للمغامرة في تحدي مفاهيم الإسلام المحافظ والمتطرف.

6