المنصات الرقمية أداة الإعلام المصري لمخاطبة الخارج

الترويج لإنجازات الحكومة يطغى على الرسائل الموجهة إلى الجمهور الأجنبي.
الثلاثاء 2023/05/30
كيف يوظف الإرث القديم

القاهرة - تتجه الهيئة الوطنية للإعلام التي تشرف على إدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو) نحو التوسع في إتاحة بث قنواتها على موقعها الإلكتروني، في الوقت الذي دشنت فيه الحكومة المصرية مؤخرا النسخة الإنجليزية من موقعها الإلكتروني، في خطوة تستهدف مخاطبة الخارج من دون أن يتضمن ذلك رؤية واضحة تضمن تحقيق أهداف الرسائل الإعلامية.

وأطلقت الهيئة الوطنية للإعلام قبل أيام البث المباشر للقناة الفضائية المصرية الموجهة إلى أميركا على موقعها الرسمي، وهي القناة التي تبث باللغة العربية على القمر الاصطناعي “جلاكسي 19” الموجه إلى قارة أميركا الشمالية، وبدت الخطوة كاتجاه نحو الاهتمام بتقديم محتوى جيد للخارج عبر المنصات الرقمية مع إتاحة بث قناة النيل الدولية التي تبث باللغة الإنجليزية على الموقع ذاته.

وفسر رئيس الهيئة حسين زين الخطوة كتوجه يأتي في إطار “تحقيق انتشار أوسع لقنوات الهيئة الوطنية للإعلام على مواقع التواصل الاجتماعي وتقديم محتوى إعلامي جيد وهادف، يعكس الصورة الحقيقية لما يجري على أرض مصر من تنمية حقيقية”.

وقبل ذلك أعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أن إطلاق نسخة إنجليزية من الموقع الرسمي لمجلس الوزراء هدفه إتاحة المعلومات الخاصة بأنشطة الحكومة وإبراز مجهوداتها في شتى القطاعات أمام المجتمعات والدوائر السياسية والاقتصادية عالميا، بما ينقل صورة واضحة ومتكاملة عن مشروعات الحكومة وأنشطتها وقراراتها من مصادرها الرسمية المعتمدة.

إبراهيم الصياد: افتقاد الرؤية لمخاطبة الخارج يحبط أي تطور في الإعلام الخارجي
إبراهيم الصياد: افتقاد الرؤية لمخاطبة الخارج يحبط أي تطور في الإعلام الخارجي

وعبرت تصريحات مدبولي ثم زين عن رؤية غامضة لدور الإعلام الرسمي في الوصول إلى الخارج، وأن المستهدف دائما هو التعامل وفقا لوجهة نظر حكومية تريد الترويج لإنجازات من دون أن تتبنى خطابا يقنع الرأي العام الأجنبي، ويبعث له رسائل بلغة محترفة يمكن أن تسهم في مزاحمة قنوات إخبارية دولية ينجذب إليها الجمهور الأميركي والغربي بوجه عام.

ناهيك عن وجود قنوات عربية ناطقة بالإنجليزية سابقة، مثل الجزيرة، لم تحقق أهدافها كاملة، وأخرى تفكر في الانطلاق، حيث أعلن مؤخرا أن السعودية تنوي إطلاق فضائية ناطقة بالإنجليزية، وتتم دراسة أبعادها لتنطلق بقوة وتأثير.

تكمن أزمة القناة الفضائية الموجهة لأميركا في أنها تبث بالغة العربية، وتخاطب الجاليات العربية الموجودة في الولايات المتحدة، ويبدو أن جهات حكومية لديها قناعة بأنها لا تضع في اعتبارها المواطنين الأجانب وتكتفي بالجمهور العربي الذي تحاول أن تحافظ أمامه على الصورة المصرية.

وتبرر ذلك بأن الفضائيات الناطقة بالإنجليزية لم تستطع جذب الجمهور الغربي ولم تشكل حائط صد يعول عليه في مواجهة محتويات أجنبية تتناول الشأن العربي.

وأكد رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون المصري سابقا إبراهيم الصياد أن الفضائية المصرية الموجهة لأميركا تستهدف الناطقين باللغة العربية، وأن النشرات الإخبارية المذاعة تتماشى مع التوقيت الأميركي، لكن المحتوى لا يزال مصريا متنوعا ولا يكتفي فقط بالجوانب السياسية، معتبرا أن إتاحتها على الموقع الإلكتروني للهيئة تطور إيجابي في إطار مساعي تطوير الإعلام المصري الذي يخاطب الخارج.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة بحاجة إلى نسخة أخرى ناطقة بالإنجليزية موجهة للولايات المتحدة لصد حملات العلاقات العامة السلبية التي لم يتم التعامل معها بشكل جيد السنوات الماضية، وأن الحكومة المصرية إذا استهدفت التأثير الخارجي عليها أن تأخذ زمام المبادرة ولا تكون أفكارها رد فعل لما يثار ضدها.

لدى مصر قناة فضائية تخاطب الخارج وهي قناة "النيل الدولية" وتتبع اتحاد الإذاعة والتلفزيون، لكنها بحاجة إلى تطوير

وأشار إلى أن افتقاد الرؤية لمخاطبة الخارج يحبط أي تطور في سياق الإعلام الخارجي، وأن الرسالة يجب تصميمها وفقا لإطار عام حاكم لتوجهات الرأي العام هناك، بما يضيّق الخناق على قدرة الرسائل المضادة في التأثير.

ومن المهم أن تتوفر إمكانيات تساعد على انتشار الفضائيات أو المنصات الرسمية، وأن الهيئة العامة للاستعلامات المسؤولة عن التعامل مع الإعلام الخارجي في مصر عليها دور مهم في التعريف بها حتى لا يظل الإعلام المصري يخاطب نفسه.

وتواجه المنصات الرقمية المصرية الموجهة للخارج مشكلات جمة، وبالنظر إلى القناة الفضائية الموجهة لأميركا يصعب الوصول إليها من خلال موقع الهيئة الوطنية للإعلام ذاته الذي بات بحاجة إلى تطوير تقني، وخطة تسويقية تضمن تعريف الجمهور الذي يخاطبه بما يحتويه من منصات وقنوات، كما أن جودة البث ذاتها من الضروري تحسينها بما يضمن متابعة الجمهور لها.

وتقف الإمكانيات التكنولوجية الزهيدة أزمة في حال اتجه الإعلام المصري لمخاطبة الخارج من خلال البث المباشر عبر المنصات الرقمية، ورغم أنها تشكل وسيلة مناسبة وفقا للقدرات الراهنة مقارنة بالمنافسة الفضائية الصعبة التي بحاجة إلى ميزانيات ضخمة يصعب توفيرها، إلا أن التجريف الفني والمهني الذي أصاب التلفزيون الحكومي يجعل من الصعوبة تقديم بث رقمي بجودة عالية، والحد الأدنى يكون عبر تدشين مواقع إلكترونية ناطقة بالإنجليزية.

الإمكانيات التكنولوجية الزهيدة تقف أزمة في حال اتجه الإعلام المصري لمخاطبة الخارج من خلال البث المباشر عبر المنصات الرقمية

ولدى مصر قناة فضائية تخاطب الخارج وهي قناة “النيل الدولية” وتتبع اتحاد الإذاعة والتلفزيون، لكنها بحاجة إلى تطوير، وتأثرت سلبا بتراجع حضور التلفزيون الرسمي لصالح جهات إعلامية محلية أخرى مدعومة أيضا من الحكومة، وتتجدد دعوات تطوير محتواها لدعم الحضور السياسي والثقافي على الساحة العالمية بلا جدوى.

وحسب تصريحات سابقة لرئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أحمد الطاهري لم يحسم فيها الاتجاه نحو تدشين قناة فضائية ناطقة بالإنجليزية، لكنه أشار في نوفمبر الماضي إلى “إطلاق تقنية جديدة لقناة القاهرة الإخبارية تجعلها ناطقة باللغة الإنجليزية، يتم العمل عليها لإطلاقها في أسرع وقت”.

وشدد إبراهيم الصياد في حديثه لـ”العرب” على أن تصاعد الاهتمام بالإعلام الرقمي حول العالم يخدم القاهرة التي بحاجة إلى ميزانيات ضخمة لإنشاء فضائيات ناطقة باللغات الأجنبية، وأن مفهوم الريادة الذي كان يرتبط بالإعلام اختلف الآن وأضحى يتمثل في مدى قدرة وسائل الإعلام المصرية على منافسة نظيراتها العربية على المستوى الإخباري العربي أو عبر مخاطبة الرأي العام الأجنبي.

ولفت إلى أن تدشين منصات رقمية لا يجب أن يقتصر على الناطقة بالإنجليزية، لأن ما يجري في العالم يأخذ في التحول نحو الصين التي من المتوقع أن تلعب أدوارا دولية مركبة في المستقبل وسوف يكون من المهم تدشين قناة ناطقة بالصينية أو باللغة الإسبانية التي تتحدث بها معظم دول أميركا الجنوبية، لأن وجود جاليات عربية كبيرة في دولها أمر مهم للتأكيد على الحضور المصري في ملفات عديدة.

ويمتلك التلفزيون الحكومي إرثا قديما من التواصل مع شعوب العالم عبر الإذاعات الموجهة التي تتبع الإذاعة المصرية وتأسست منذ نحو سبعين عاما، وضمت 17 إذاعة موجهة وقدمت محتوياتها بـ23 لغة ووصل عدد ساعات البث يوميا 61 ساعة، غير أن أغلبها توقف ولم تستطع الجهات الحكومية مواكبة حركة التطور الإعلامي مع الاتجاه نحو التلفزيون بدلا من الراديو، ما كان سببا في إهمال كفاءات عديدة كان يمكن توظيفها عبر إنشاء منصات رقمية تخاطب العالم الخارجي.

5