اللاجئون الأفارقة في مصر صداع بالداخل وخلاف مع الخارج

القاهرة - أظهر تعاطي الأمن المصري بحسم مع وقفة احتجاجية نظمها لاجئون أفارقة للشكوى من أوضاعهم قبل أيام أن الحكومة تضيق ذرعا بتبعات تضخم ملفهم، حيث يقحمها في مشكلات مجتمعية وأمنية داخلية، وصراعات وخلافات مع أطراف خارجية، في ظل تزايد الأعباء التي يمكن أن يحملها توالي النزوح من السودان إلى مصر وزيادة أعداد الهاربين إليها، كمحطة للهجرة لاحقا إلى بعض الدول الأوروبية.
وأعلنت منصة اللاجئين في مصر الخميس أنها رصدت واقعة اختفاء لاجئ وحقوقي تشادي الجنسية يُدعى ألفريد كامو، لافتة إلى الشرطة المصرية ألقت القبض عليه في منزله بعد وقفة نظمها لاجئون من جنسيات مختلفة من ذوي الإعاقة أمام مكتب شؤون مفوضية اللاجئين في القاهرة.
وكانت الوقفة الاحتجاجية مرتبطة بتقديم مجموعة طلبات للمفوضية تخص أوضاع اللاجئين في مصر، حيث رفضت الأجهزة الأمنية طلب التصريح بإقامة تظاهرة أمام مقر المفوضية المسؤولة عن حماية الأشخاص اللاجئين وطالبي اللجوء إليها.
وبدأت تثار أزمات اللاجئين الأفارقة في مصر على فترات متقاربة عقب زيادة أعدادهم بصورة كبيرة، ما أحدث حالة من التذمر الضمني داخل الحكومة واستياء من جانب فئات مجتمعية مختلفة، لأن نسبة من هؤلاء اللاجئين يتمركزون في مناطق عديدة انتظارا لانتهاء مفوضية اللاجئين من تجهيز أوراقهم، والتي تستغرق وقتا طويلا، وربما لا يتم النظر فيها إلا بعد سنوات، فيضطرون للبقاء في مصر أو يفكرون في التسلل إلى أوروبا من خلال هجرات غير شرعية.
وتحدث نتيجة الكثافة والتزاحم مشكلات على مستوى كفاءة الخدمات المقدمة بسبب التكدس السكاني والتأثير على ارتفاع أسعار العقارات والسلع، وتبدو الحكومة عاجزة عن ضبط إيقاع الأمور المادية في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، وفي موقف حرج سياسيا مع هؤلاء الذين يزدادون مع اتساع نطاق الصراعات في أفريقيا.
وبدأت بعض الأصوات على الفضاء العام في مصر تطالب الحكومة بالحصول على عائد دولاري من اللاجئين نظير إقامتهم، وحصولهم على الخدمات كمواطنين عاديين، لكن الحكومة ترفض التعليق حول هذا النوع من المقترحات التي قد تحمل تبعات اقتصادية وإنسانية غير محسوبة، خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسي تعهد بمراعاة ظروف اللاجئين وعدم استغلال أوضاعهم.
وتعاني مصر من انفجار سكاني جعلها غير قادرة على استيعاب أعداد أكبر من اللاجئين والنازحين والمقيمين العرب والأفارقة، ويقدر عددهم بنحو 12 مليون نسمة، وتفضل ألا تثير هذه الإشكالية بشكل علني كي لا تشوه الانطباعات الإيجابية عنها كدولة حاضنة للاجئين وتشير لتعاملها معهم كمواطنين لهم حقوق وخدمات.
واعتادت منظمات حقوقية دولية توظيف أيّ تصرف خشن من قبل أجهزة الشرطة لدواعي الحفاظ على الأمن والاستقرار ضد اللاجئين تصدير صورة سلبية عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية في مصر، والإيحاء بأن الحكومة تتعامل معهم بطريقة غير آدمية، وهي إشكالية صارت تحدث منغصات سياسية للنظام المصري مع دوائر غربية، وأحرجت بعض التقارير في هذا السياق القاهرة والأمم المتحدة.
وزعم تقرير صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا أن الأمن المصري لا يكف عن اعتقال لاجئين أفارقة من جنسيات مختلفة، ويقوم بترحيل معارضين منهم رغم طلبهم اللجوء السياسي، وهي اتهامات نفتها الخارجية المصرية، مؤكدة أنها لا تمتّ للواقع بصلة، وأنه يتم التعامل مع اللاجئين بطريقة إنسانية بلا اعتبارات سياسية.
ويقول مراقبون إن الحكومة وهي تكافح لتحسين سجلها الحقوقي غير قادرة على تحمل المزيد من المنغصات والتوترات مع جهات ومنظمات أوروبية بسبب أوضاع اللاجئين، ما يسبّب لها جرحا كلما جرى التركيز على بعض الوقائع المرتبطة بإجراءات أمنية ضرورية للحفاظ على الاستقرار.
وتضع الحكومة ضوابط صارمة بمقتضاها جرى رفض استقبال عدد من المتورطين في أعمال عنف وشغب في بلدانهم أو أصحاب توجهات سياسية مزعجة لها واستثنائهم من عملية استقبالهم كلاجئين، لكن هذه الحسابات لا تلقى تأييدا من منظمات حقوقية دولية، ويتلقفها معارضون للقاهرة لتوظيفها كأداة للتشهير بالنظام الحاكم.
وأوضح اللواء يحيى الكدواني عضو لجنة الأمن القومي في مجلس النواب المصري لـ”العرب” أن مصر لديها تشريعات منظمة لعلاقاتها مع المواطنين المحليين والأجانب، بمن فيهم الأفارقة، ومطلوب من الجميع احترامها كونها جزءا من السياسة المصرية، وتجاوزها غير مقبول، لأن القاهرة تتعامل مع اللاجئين باحترام وبلا تمييز بينهم.
◙ أزمات اللاجئين بدأت تثار عقب زيادة أعدادهم، ما أحدث حالة من التذمر داخل الحكومة واستياء من جانب فئات مجتمعية
وأشار إلى وجود منظمات غربية تبتز القاهرة أحيانا عبر ملف اللاجئين بعد أن وجدت تحركات من الحكومة في ملف حقوق الإنسان على المستوى المحلي، وباتت تركز على بعض الوقائع الفردية للوافدين وتقدم صورة مشوهة عن مصر، وهذا أمر بالغ السوء ويثير استياء الحكومة بسبب انتقائيته.
ولا يسمح الأمن المصري بتنظيم تظاهرات لمواطنين محليين قبل الحصول على ترخيص مسبق، وبناء على إجراءات كثيرة من بينها طريقة تأمين الفعالية الاحتجاجية، لكن غالبا ما يتم الرفض خشية اندساس عناصر مناوئة لتأجيج الحدث وتحويله من مجرد مطالبة فئوية إلى احتجاج ضد النظام، لذلك يتطلب الأمر ضمانات عديدة.
ورغم استضافت مصر للملايين من اللاجئين والمهاجرين من دول مختلفة، لم تقدم دول الاتحاد الأوروبي المساعدة الكافية للقاهرة، ودور مفوضية اللاجئين لا يزال محدودا مع تزايد الأعداد، ما يجعل الضغوط الواقعة على الحكومة المصرية تفوق قدراتها، في حين مطلوب منها ضبط إيقاع الأمور دون صدام أو سماح بالهجرة غير الشرعية.
واعترفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مصر الخميس بأن قرابة 88 ألف شخص عبروا الحدود السودانية تجاه مصر منذ تفجر المعارك منتصف أبريل الماضي، وطلبت دعما بنحو 130 مليون دولار لمواجهة الوضع الطارئ، ولم تحصل سوى على عشرة في المئة فقط من الداعمين الدوليين.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري مؤخرا إن بلاده تستضيف على أراضيها عددا كبيرا من الوافدين واللاجئين وتمنحهم الحرية في الإقامة والعمل والحياة وتوفر كل الخدمات لجميع المقيمين بلا تفرقة مع أحد، لكنها لا يمكن أن تتحمل الأعباء دون أن تتحمل أوروبا أيضا مسؤولياتها بما لديها من موارد تفوق الدولة المصرية.
وترى دوائر سياسية أن مصر أصبحت تئن تحت وطأة ملف اللاجئين أكثر من أيّ وقت مضى، حيث تعيش ظروفا اقتصادية صعبة، وتواجه تحديات ضخمة لامتصاص غضب الشارع المتذمر من أوضاعه المعيشية، وتجاهد لضبط مفاصل الأمن القومي على حدود ملتهبة، شرقا وغربا وجنوبا، وتتحمل تبعات صراعات تنشب داخل مناطق محيطة بها ثم تجد نفسها متهمة بالإساءة إلى اللاجئين.