الحرب الأميركية على الإرهاب تقوي شوكة حلفاء إيران في كردستان على حساب نفوذ بارزاني

لندن - تحطمت طائرتا هليكوبتر من طراز يوروكوبتر إيه إس 350 في ريف محافظة دهوك شمال العراق في 15 مارس الماضي، مما أسفر عن مقتل تسعة ركاب مسلحين كانوا على متنها. وحدد مسؤولو مكافحة الإرهاب في حكومة إقليم كردستان في البداية القتلى على أنهم أعضاء في منظمة حزب العمال الكردستاني. لكن قوات سوريا الديمقراطية، التابعة لحزب العمال الكردستاني وشريكة القوات العسكرية الأميركية في سوريا، أوضحت بعد وقت قصير أن القتلى كانوا أعضاء في وحدات مكافحة الإرهاب ذات المهارات العالية.

لم تتوفر أي تفاصيل عن إعلان قوات سوريا الديمقراطية أن الرحلات الجوية كانت جزءا من “تبادل أمني وعسكري”، وبقيت واشنطن صامتة بشأن توسيع أنشطة وكيلها. ولذلك أثار الحادث عددا من الأسئلة التي لم تلق إجابات بعد أكثر من شهر:

٭ أولا: من قدم طائرات الهليكوبتر إلى قوات سوريا الديمقراطية ومن أقلع بها؟ قوات سوريا الديمقراطية هي جماعة مسلحة غير حكومية ذات توجهات أيديولوجية ماركسية، وتعمل بدعم أميركي سنوي يزيد عن 180 مليون دولار، ولا تشغل مروحيات وفقا للميزانيات المنشورة.

٭ ثانيا: لماذا حلقت عناصر من ميليشيا تدعمها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، بمروحية عبر العراق إلى السليمانية بالقرب من الحدود مع إيران دون إخطار سلطات حكومة إقليم كردستان؟

٭ ثالثا: كيف يؤثر الامتداد المتزايد لقوات سوريا الديمقراطية على موازين القوى في شمال العراق مع تواصل التوترات بين أربيل (التي يديرها الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالف مع الولايات المتحدة) والسليمانية (التي يحكمها الاتحاد الوطني الكردستاني الصديق لحزب العمال الكردستاني ولإيران)؟

الأمن "الإقليمي"

تُعتمد يوروكوبتر إيه إس 350 المصنوعة في فرنسا للطيران المدني وإنفاذ القانون في أكثر من 40 دولة. واشترت حكومة إقليم كردستان عددا منها في 2016 من خلال ” شركة مجموعة 7 المحدودة” النمساوية التي تعمل في المجر. وعملت المجموعة على تشغيل مراكز طيران لتوفير الإمدادات والخدمات اللوجستية ومراكز الصيانة والتدريب في أربيل والسليمانية منذ عام 2009. واشترت ثلاث طائرات هليكوبتر من طراز يوروكوبتر إيه إس 350 بسعر 1.6 مليون دولار من كندا لتعتمدها مجموعة مكافحة الإرهاب في السليمانية. وبينما كانت تستخدم مؤخرا طائرات الهليكوبتر إم دي 500، قررت إبقاء إيه إس 350 لاستخدامات أخرى.

ويبدو أن هذه الاستخدامات تشمل نقل مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية إلى خارج سوريا. وليس هذا مقترحا بسيطا لسببين؛ أولا، يحدد التبرير الذي قدمته وزارة الدفاع الأميركية للكونغرس سنة 2023 لتمويل عمليات دحر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بوضوح دعم القوات العراقية للمهمة في بلادها وقوات سوريا الديمقراطية أساسا في سوريا. ولا وجود لتنصيص في الميزانية المقترحة، ولا لمصادقة سياسية، على وجود قوات عاملة في كلا البلدين أو عبر الحدود.

ثانيا، رغم تأكيد مقر القيادة المركزية الأميركية في تامبا بولاية فلوريدا وواشنطن أن قوات سوريا الديمقراطية هي من “الشركاء المحليين” في سوريا، تعتبر العناصر المرتبطة بحزب العمال الكردستاني التي تشكل معظم قوات سوريا الديمقراطية نفسها جزءا من مشروع إقليمي. ولا تميز أسلحتها السياسية ولا أجنحتها المسلحة في مختلف البلدان التي تنشط فيها حيث أنها كلها مكونات لشبكة أوسع تسمى اتحاد مجتمعات كردستان.

والاتحاد هو منظمة انفصالية عابرة للحدود انبثقت من حزب العمال الكردستاني. وتحدد هيكلها على أساس أربعة عناصر وظيفية هي القيادية والتشريعية والتنفيذية والقضائية. ويربط الاتحاد بين التجمع التركي الذي يسيطر عليه حزب العمال الكردستاني، وحزب الحياة الحرة الكردستاني في إيران، وحزب الحل الديمقراطي الكردستاني في العراق، وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا. ويرتكز برنامجه على أربعة أعمدة تأسيسية: عبدالله أوجلان كمؤسس وقائد، ومؤتمر الشعب في كردستان كهيئة تشريعية، ومجلس تنفيذي، وهيئة قضائية مكونة لمحكمة العدل العليا والمحاكم الإدارية ومحاكم الشعب. وتحدد المادة 36 من عقد الاتحاد حزب العمال الكردستاني باعتباره القوة الأيديولوجية لنظامه، وتنص على أن كل عضو في منظمة مكونة داخله يجب أن يعتبر الحزب مثالا أيديولوجيا. وينشط مؤتمر الشعب في كردستان سياسيا في أوروبا، وينظم المجلس التنفيذي أنشطة الاتحاد السياسية والعسكرية في تركيا وإيران والعراق وسوريا. ويشرف على الأجنحة السياسية والعسكرية العاملة في تركيا وشمال العراق وإيران وسوريا. يعني هذا أن الاتحاد هو حركة أيديولوجية إقليمية ومنظمة سياسية عسكرية تنتمي إليها وحدات حماية الشعب. ولم تتخل وحدات حماية الشعب عن الاتحاد، ولم تنه مشاركتها في قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الولايات المتحدة دورها في مشروع مؤتمر الشعب في كردستان.

ولا تقتنع أنقرة أو الدوائر غير التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق بادعاء الولايات المتحدة كون العلاقات التي تجمعها بوحدات حماية الشعب عبر قوات سوريا الديمقراطية محلية ومحدودة. وتبقى محاولات الولايات المتحدة لتسهيل عمليات قوات سوريا الديمقراطية الإقليمية، أو للضغط على “الوحدة الكردية” دون الإشارة إلى مشروعها الأوسع، محاولات ساذجة في أحسن الأحوال. وتعتبر تهديدا لحلفاء الولايات المتحدة في المعاهدة، والأتراك، والأكراد من غير حزب العمال الكردستاني، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني.

ويفسر هذا استجابة أربيل لحادث الهليكوبتر. وفي السليمانية اعترضت حركة التغيير في كردستان العراق (حزب كوران المعارض) على التنسيق بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني لأنها ترى في هذا التعاون محفزا محتملا للقتال الكردي والمزيد من التدخلات العسكرية التركية المباشرة في المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد.

لماذا السليمانية؟

ما الذي يجعل السليمانية مثيرة لاهتمام قوات سوريا الديمقراطية؟ يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني على المدينة، وهو منافس للحزب الديمقراطي الكردستاني ويتعاون مع حزب العمال الكردستاني. كما يتواجد معقل حزب العمال الكردستاني شمال السليمانية، في مجمع قنديل الجبلي. واختطف حزب العمال الكردستاني ضابطي مخابرات تركيين في منطقة دوكان بالسليمانية في أغسطس 2017، وأعدمهما مع رهائن أتراك آخرين في فبراير 2021 أثناء محاولة إنقاذ تركية.

وتعتقد تركيا أن حزب العمال الكردستاني احتجز الرهائن بمساعدة مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني. وقررت تركيا بعد ذلك ترحيل ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني في أنقرة. وزادت المخابرات التركية أنشطتها بالقرب من السليمانية، ووسعت مدى ضربات الطائرات دون طيار، وكثفت غاراتها على أهداف حزب العمال الكردستاني القريبة. كما علّقت شركة تركيالوس جميع الرحلات الجوية من محافظة السليمانية وإليها في 3 أبريل الماضي وربطت قرارها بتكثيف أنشطة حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي. وأخطأت غارة تركية بطائرة مسيرة بالقرب من مطار السليمانية الشهر الماضي قافلة تقل قائد قوات سوريا الديمقراطية وأفرادا أميركيين، على غرار حادثة شهدتها سوريا خلال نوفمبر الماضي. لكن ربما كان الهدف ليس قتل من في القافلة بل إرسال إشارة قوية تحذّر واشنطن من تعزيز محور حزب العمال الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

وتفسر أنقرة تعاون حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب مع الاتحاد الوطني الكردستاني على أنه محاولة لتوسيع النفوذ خارج سوريا واكتساب الشرعية والنفوذ لشبكة حزب العمال الكردستاني/ اتحاد مجتمعات كردستان في مواجهة الجماعات الكردية الأخرى في العراق. واستضاف رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد طالباني في أنقرة في 11 أبريل الماضي، وأوضح أن العلاقات بين أنقرة والسليمانية لن تشهد أي تطبيع حتى يتوقف التعاون بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني. وأغلقت قوات الأمن في أربيل بناء على طلب أنقرة مقر المؤتمر الوطني الكردستاني في 9 أبريل.

المشهد من أربيل

عرف المسؤولون في أنقرة وأربيل حركة المروحيات بين شمال شرق سوريا والسليمانية خلال العامين الماضيين، لكنهم لم يعرفوا من يستخدمها حتى تحطم المروحية الأخير. ووصف رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني الرحلات الجوية بأنها غير مصرح بها ووجه اتهاماته إلى مجموعة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني. وحادثة الطائرة ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة استفزازات حزب العمال الكردستاني أو الاتحاد الوطني الكردستاني أو كليهما في أربيل ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وفي أربيل يشتبه المسؤولون الأمنيون في أن حزب العمال الكردستاني يدير شبكة استخبارات واسعة داخل المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني. وهاجم حزب العمال الكردستاني قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني في عدة مناسبات في السنوات الأخيرة. وخرّب حزب العمال الكردستاني خط أنابيب النفط من كردستان العراق إلى تركيا، وهو شريان الحياة الاقتصادي لحكومة الإقليم. واتهم جهاز المخابرات التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني نده الاتحاد الوطني الكردستاني باغتيال عضو سابق في حكومة تصريف الأعمال في أربيل خلال أكتوبر الماضي. وجاء ذلك في وقت قاطع فيه الاتحاد الوطني الكردستاني الاجتماعات الحكومية المشتركة مع مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني، مما مثل عودة إلى “الإدارة المزدوجة” بدلا من حكومة إقليم كردستان الموحدة، مع احتمال حدوث المزيد من الانقسامات.

وعزز حزب العمال الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذان كانا صديقين لعقود، علاقاتهما بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة. وأيدت شخصيات بارزة في حزب العمال الكردستاني ترشح الاتحاد الوطني الكردستاني للبرلمان الكردي. وأصبح الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي أضعفه الاقتتال السياسي الداخلي، أكثر اعتمادا على إيران. كما يعتبر مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني حزب العمال الكردستاني خاضعا لسيطرة إيرانية متعددة المستويات.

زاوية إيران

يرتبط صراع الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ارتباطا وثيقا بالجهود الإيرانية الأوسع لإخضاع القوى السياسية في العراق (الشيعية أو الكردية أو السنية) لإرادتها. وشنت إيران حملة ترهيب ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال السنوات الأخيرة، بهجمات صاروخية واستهدافات لشخصيات سياسية ومكاتب إدارية ومنشآت طاقية. وتزامن ذلك مع محاولة ناجحة لترهيب الزعيم الشيعي القومي العراقي مقتدى الصدر، الذي كان الحزب الديمقراطي الكردستاني متحالفا معه.

وربط الاتحاد الوطني الكردستاني مصيره بمصير حركة فتح الموالية لإيران في البرلمان العراقي، والتي ارتبطت بشن هجمات على أهداف أميركية وأهداف تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني في شمال العراق. ورغم صراعات السلطة بين الفصائل، أظهر الاتحاد الوطني الكردستاني استعدادا للعمل مع حزب العمال الكردستاني والجماعات العراقية الشيعية المدعومة من إيران لإصلاح ضعفها في مواجهة أربيل. كما أُطيح بالرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لاهور شيخ جنكي من المناصب القيادية العام الماضي بناءً على طلب من أبناء عمومته. ومنح زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الحالي بافل طالباني الأولوية للعلاقات مع طهران وبغداد على أربيل إلى درجة أنه تسبب في إطلاق تكهنات بأنه ينوي فصل السليمانية عن إقليم كردستان العراق.

وتتزامن العلاقات الوثيقة بين وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لقوات سوريا الديمقراطية وتلك التابعة لحكومة إقليم كردستان مع توجه قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني نحو المدار الإيراني. واتبعت إيران من جانبها إستراتيجية طويلة الأمد باستخدام الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني وعملائه في بغداد لإضعاف حكومة إقليم كردستان وتقليل استقلاليتها وفصل كردستان العراق عن الغرب.

إيران المستفيدة

تفاعلت واشنطن مع الخلاف المتعمق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بإصدار دعوات للوحدة الكردية، دون تطرق إلى الإستراتيجية الإيرانية الأساسية. ويعزز المسؤولون العسكريون والدبلوماسيون الأميركيون محورا يعتمد على القوة الإيرانية من خلال الضغط على التقارب بين وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية مع عدم معالجة النفوذ الإيراني على هجمات حزب العمال الكردستاني ضد تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني أو إنهائها. وقد يكون التبرير القائل بأن الاتحاد الوطني الكردستاني الأقوى والعلاقات الأفضل بوحدات حماية الشعب يخدمان جهود الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية صحيحا من منظور ضيق، ولكن بأي ثمن؟

وتشمل الكلفة الفورية تصعيدا تركيا ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني في شمال العراق. أما الكلفة على المدى المتوسط ​​فتشمل تزايد التوترات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وزعزعة استقرار أقوى حليف للولايات المتحدة في شمال العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني) من خلال تعزيز القوات التي تهدف إلى استبداله. وتشمل الكلفة طويلة المدى منح طهران وأصدقائها في بغداد أولوية سياسية في إقليم كردستان العراق، طالما أنهم يتسامحون مع الوجود العسكري الأميركي الذي لا يركز سوى على ملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويتخلى نهج الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب عن مسؤولية سياسات مسرح عسكري معين من خلال الاعتماد على “الفاعلين المحليين” في عمليات مشتركة. وقد تكمن فاعلية هذا في الحد من متطلبات القوة الأميركية والالتزامات السياسية. لكن لهذا نتيجة عكسية تتمثل في تعزيز أهداف طهران السياسية وحركة حزب العمال الكردستاني واتحاد مجتمعات كردستان العابرة للحدود.