كيف جرّدت روسيا العقوبات الغربية من تأثيرها

العقوبات على روسيا تغير بشكل جذري أسلوب عمل الكتلة الاقتصادية في الحكومة الروسية.
السبت 2023/05/13
اعتماد كبير على الصين

واشنطن - ترى ألكسندرا بروكوبينكو الباحثة غير المقيمة بمركز كارنيجي روسيا - أوراسيا أن الكرملين حطم الكثير من الأرقام القياسية مؤخرا، لكن ليس على نحو جيد. ومن بين الأوصاف التي تحملها روسيا هو وصفها بأنها الدولة الأكثر تعرضا للعقوبات: فمنذ غزوها لأوكرانيا العام الماضي، أصبحت روسيا خاضعة لأكثر من 13 ألفا من القيود. وهو ما يزيد على ما تخضع له إيران وكوبا وكوريا الشمالية مجتمعة من القيود.

وتضيف المحللة الروسية في تقرير نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أنه مع ذلك انخفض إجمالي الناتج المحلي الروسي 2.1 في المئة فقط عام 2022، ويتوقع حتى صندوق النقد الدولي أن ينمو ذلك الناتج في عام 2023 على عكس اقتصاد المملكة المتحدة، على سبيل المثال.

ويتيح هذا للكرملين وصف العقوبات بأنها عديمة التأثير، ولكن في الحقيقة هناك تأثير نوعي وكمي. فقد غيرت العقوبات بشكل جذري أسلوب عمل الكتلة الاقتصادية في الحكومة الروسية.

كان من نتائج رد الفعل الروسي على العقوبات تعزيز موسكو لعلاقاتها مع دول مثل إيران وتركيا والامارات وميانمار ودول أفريقية

وتقول بروكوبينكو، خريجة جامعة موسكو والحاصلة على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة مانشستر، إنه رغم نظام رأسمالية الدولة السائد في روسيا قبل الحرب، كانت سياستها الاقتصادية تتركز بدرجة كبيرة على التطور التكنولوجي وتنوع الصادرات بعيدا عن اعتماد البلاد على الوقود الاحفوري، وعلى حرية حركة رأس المال الحرة نسبيا.

والآن حلت محل تلك العناصر قيود على رأس المال، وتصنيف الدول بأنها إما صديقة أو معادية، واستخدام عملة اليوان الصينية في المبيعات، وإضفاء الطابع العسكري على إنفاق الميزانية. وليس هناك أيّ احتمال لتغيير ذلك طوال مدة كبيرة مقبلة. ومن المفارقات، أن العقوبات أدت إلى تعزيز حصن روسيا في المدى القصير من خلال عزلها عن الصدمات العالمية، بينما تؤدي إلى إضعافها في المديين المتوسط والطويل.

ففي أعقاب هجوم روسيا على أوكرانيا العام الماضي، سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض موجات من العقوبات ردا على ذلك، حيث تم تجميد النقد الأجنبي واحتياطي الذهب الروسي وتقييد قدرة البنك المركزي الروسي على استخدام عملتي الدولار واليورو. ولم يكن من الغريب أن يعدّ مجتمع الأعمال وكبار المسؤولين في روسيا أنفسهم لانهيار وشيك للاقتصاد.

ومع ذلك، فإن رد الفعل السريع من جانب الكتلة الاقتصادية في الحكومة نجح في تخفيف الصدمة. فقد فرضت قيودا على تحرك رأس المال ورفعت سعر الفائدة إلى 20 في المئة، وأوقفت خروج الأموال من النظام المصرفي، الذي أدى إلى استنزاف أكثر من 2 تريليون روبل ( 30 مليار دولار) في أول أسبوعين من الحرب.

وكان معنى عدم وجود مشاكل خطيرة في النظام المصرفي هو أن الاقتصاد الروسي ظل واقفا على قدميه، وأن الهلع خفت حدته. لكن كان من نتائج رد الفعل الروسي على العقوبات، زيادة عدد الدول التي اعتبرت أنها اتخذت إجراءات “معادية” تجاه روسيا، وتعزيز علاقاتها مع دول مثل إيران وتركيا والامارات العربية المتحدة وميانمار ودول أفريقية.

وسوف تظل الاعتبارات الجيوسياسية تحدد سياسة التجارة الروسية، بما في ذلك سلاسل الإمداد، في المستقبل القريب. وسوف يتحمل المستهلكون التكاليف الناجمة عن ذلك في شكل ارتفاع في الأسعار وانخفاض جودة السلع.

من ناحية أخرى، فإن علاقات موسكو بحليفتها الرئيسية بكين تشبه بصورة متزايدة اعتمادا اقتصاديا. فالتجارة بين الدولتين زادت بنحو الثلث لتبلغ 190 مليار دولار في عام 2022 وفقا لإحصاءات الجمارك الصينية. وتمثل سلع الطاقة أكثر من ثلثي صادرات روسيا إلى الصين. فروسيا هي ثاني أكبر مورد للنفط إلى الصين. وعلى الرغم من العقوبات الغربية على إمداد روسيا بأشباه الموصلات والرقائق، فإنها تحصل على معظم سلعها الإلكترونية وأشباه الموصلات من شركات صينية.

قطاع حيوي لم يتأثر بسلطة العقوبات
قطاع حيوي لم يتأثر بسلطة العقوبات

وأوضحت بروكوبينكو أن ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة وما لازمه من ارتفاع في أسعار الفائدة كان له تأثير على وضع البنوك الأميركية، وما زال انهيار ثلاثة من البنوك الأميركية في مارس الماضي يخيم بظلاله القاتمة على الأسواق، مما دفع المحللين إلى الحديث عن ”أصداء أزمة عالمية”. ومن ناحية أخرى، فإن الاقتصاد الروسي – المعزول بأمان عن الأسواق المالية العالمية بسبب العقوبات - لم يتأثر بذلك.

وتوضح بروكوبينكو، التي عملت في وقت سابق لدى البنك المركزي الروسي، أنه أيضا من نتائج أن روسيا أصبحت معزولة عن الصدمات العالمية اعتمادها المتزايد على شركائها الخارجيين القليلين الباقين. فالعقوبات التي تؤثر على قطاع التكنولوجيا جردت بالفعل روسيا من قدرتها على تطوير مشروعات خارجية جديدة تتعلق بالطاقة.

وقيدت أيضا حصولها على التوربينات وتكنولوجيا إنتاج ناقلات نفط حديثة، وقاطرات، وسيارات، وشبكات اتصالات من الجيل الأحدث، وغيرها من منتجات التكنولوجيا المتقدمة، كما أبعدت روسيا عن النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. ولذلك، إنه بطريقة أو بأخرى، سوف يضطر الكرملين لوضع أيّ خطط للتنمية الاقتصادية المستقبلية بشأن تجارة الطاقة.

ويعني التركيز الدائم على أسعار السلع والزيادات الهائلة في إضفاء الطابع العسكري على إنفاق الدولة (إلى نحو ثلث الميزانية) أن التنمية الاقتصادية في روسيا سوف يتم تجميدها لفترة طويلة مقبلة. وحتى عندما تنتهي المرحلة الفعالة من الحرب، ليس هناك احتمال بأن ينقص الإنفاق العسكري لمدة طويلة طالما استمر أيّ شكل من أشكال البوتينية.

وسوف يحتاج الكرملين إلى إعادة ملء ترسانته والاستعداد لحرب جديدة. وعلى أيّ حال، فإن التحول من التكنولوجيا العسكرية إلى القطاعات المدنية، لم يكتب له مطلقا أيّ نجاح كبير في روسيا. كما أنه لا يمكن توقع تحقيق أيّ شيء جيد من وراء التصنيع العكسي والعودة إلى التكنولوجيا التي عفا عليه الزمن.

وفي القرن الماضي، اتبعت روسيا سياسة اقتصادية اعتمدت على التجارة في المواد الخام ومجمع عسكري - صناعي متضخم. ودفعت ثمنا باهظا لهذا التصرف غير الفعال في تسعينات القرن الماضي. ويبدو أن روسيا في طريقها لتكرار ذلك الخطأ.

6