مؤشرات أداء إيقاع الاقتصاد لا أثر لها في معيشة الأردنيين

يجمع خبراء على أن المؤشرات الإيجابية التي تكشفها البيانات الرسمية الأردنية بشأن أداء الاقتصاد لم تظهر آثارها بعد في الحياة اليومية للمواطنين، في وقت تكثف فيه الحكومة رهانها على سياساتها الإصلاحية، التي تحظى بإشادة من المانحين الدوليين.
عمّان - تأخر الأردن في إنهاء كافة قيود الجائحة حتى مطلع عام 2022، حتى تلقى المواطنون هناك تبعات سلبية ناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية، أبرزها التضخم وتذبذب سلاسل الإمدادات.
وأضيف التباطؤ الاقتصادي العالمي ومخاوف الركود هذا العام إلى سلسلة تحديات تواجهها الأسر الأردنية، مع استمرار ارتفاع حاد في أسعار المستهلك، أرهق جيوبها.
ولم تتبدل توقعات الأردنيين كثيرا بحال أفضل لبلدهم على الصعيد الاقتصادي حتى نهاية 2023، في امتداد للسنوات الثلاث الماضية رغم أن قوة عملة بلدهم تعد أحد حواجز الصد أمام أي انزلاق كارثي محتمل.
ومازال المواطنون يعتقدون أن ظروفهم مستمرة في التعقيد في ظل استمرار نسب التضخم المرتفعة، وارتفاع أسعار الخدمات، والأهم من ذلك كله ارتفاع فوائد القروض، مع ثبات الدخول أو حتى تناقصها لدى البعض.
ويشرح كرم محمود، وهو موظف في القطاع الخاص، لوكالة الأناضول حاله المعيشي، مبينا أن مصدر دخله الوحيد هو من راتبه الوظيفي، والذي يثقل عاما بعد آخر بالأعباء دون أي زيادة أو تحسن.
ويقول كرم إن الأسعار ولنفس السلع الأساسية التي تتطلبها الحياة المعيشية، ارتفعت دون رقابة أو تدخل من قبل الحكومة، وفي الوقت ذاته بقي راتبه على حاله أو حتى تناقص بسبب فرض ضريبة للدخل عليه.
وتعتبر تكاليف الفواتير الشهرية وأقساط المدارس أيضا عبئا لا يمكن التخلص منه، وسط استمرار ارتفاع الكلف المعيشية، ما يجعل كرم يعيد ترتيب سلم أولوياته للتركز على الغذاء والتعليم بعيدا عن أي رفاهية.
أما منير حمدان، وهو أيضا موظف في قسم خدمات الصيانة بإحدى شركات القطاع الخاص، فيؤكد أن زيادة كلف المعيشة ونفقات أبنائه الثلاثة عاما بعد آخر، أو حتى شهرا بعد آخر، دفعته إلى البحث عن عمل إضافي.
وهو ما حدث فعلا منذ سبعة أشهر، حيث حصل على عمل في أحد المحلات التجارية في فترة ما بعد الظهر، أملا بأن يتحسن دخله ويستطيع تأمين الأعباء التي لا مهرب منها.
وقال “طالما ظل الحال الاقتصادي للبلاد على هذا الحال دون أن تتمكن الشركة من زيادة راتبي واستمرار ارتفاعات الأسعار، سأبقى مضطرا إلى العمل الإضافي”.
ووفق آخر أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، ارتفع التضخم بالبلاد خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 3.98 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وتتوقع وزارة المالية أن يبلغ 3.8 في المئة في كامل 2023.
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش للأناضول إن “تحليل الواقع الاقتصادي في الأردن، يجعل من الصعب توقع تحقيق نمو يفوق 2.5 في المئة هذا العام، وهي نسب مقاربة لما تحقق سابقا”.
وهذا كله سينعكس على الحال الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، ويفرض استمرار ارتفاعات الأسعار والتكاليف، دون إغفال تأثير حالة عدم اليقين التي يمر بها الاقتصاد العالمي وتأثير ذلك محليا، بحسب عايش.
وذكّر عايش بأن البلد يعتمد بجزء كبير من موارده الاقتصادية، على المساعدات الخارجية، وكذلك على الضرائب والرسوم التي يدفع المواطنون ثمنها بنهاية المطاف.
وتشير تقديرات وزارة المالية إلى أن من المتوقع أن يحقق الاقتصاد نموا بنسبة 2.7 في المئة لعامي 2022 و2023، مقابل 2.4 في المئة لعام 2021، حيث يعتبر الأردن من الدول القليلة التي توقعت المؤسسات الدولية أن يحافظ على تحسن أدائه الاقتصادي.
وقال وزير المالية محمد العسعس في خطاب الموازنة الذي قدمه للبرلمان مطلع هذا العام، “رغم الضغوط التضخمية العالمية التي تعرض لها الاقتصاد في 2022، إلا أن انعكاساتها محليا كانت أقل بكثير من معظم دول العالم”.
وأيد صندوق النقد الدولي هذا الموقف. وقال مؤخرا إن “الأردن تمكن من مواجهة عدد من الصدمات العالمية والإقليمية الكبرى، وحافظ على استقراره الاقتصادي رغم وجود دين مرتفع نسبيا”.
ولفت إلى أن مستويات نمو الاقتصاد الأردني “منخفضة نظرا لمستويات البطالة المرتفعة”، جراء تداعيات جائحة كورونا.
وأكد الصندوق أن “تحقيق الازدهار في الأردن يتم من خلال تعميق الإصلاحات التي تحسن بيئة الأعمال، والعمل على خفض تكاليف الطاقة، ورفع قابلية الاستثمار، والاستفادة من استثمارات في دول مجاورة”.

ودافع محافظ البنك المركزي الأردني عادل شركس عن سياسة بلاده في مواصلة ربط العملة المحلية بالدولار الأميركي، كونها تحمي الاقتصاد من الصدمات المفاجئة مثلما يحصل في الوقت الراهن.
ولئن كان يعاني البلد من مشاكل كثيرة لعل من أبرزها قلة الموارد والاعتماده الشديد على المساعدات الدولية، إلا أن القيمة القوية للدينار تشكل جدار حماية للشركات والأفراد بوجه الظروف المتغيرة وخاصة خلال ارتفاع الأسعار.
وقال عادل شركس خلال لقاء مع رجال الأعمال في فبراير الماضي إن “سياسة تثبيت سعر صرف الدينار مقابل الدولار التي انتهجها البنك منذ عام 1995، هي السياسة الأمثل والأنسب للاقتصاد الأردني”.
وأوضح أن الربط يشكل دعامة أساسية للاستقرار النقدي والمصرفي، وبيئة الاقتصاد الكلي تقوم بدور فاعل في تعزيز الثقة بالدينار وزيادة تنافسية الصادرات، فضلا عن تعزيز بيئة جاذبة للأعمال.
والدينار الأردني من بين أقوى ثلاث عملات عربية أمام العملة الأميركية، إلى جانب كل من الدينار الكويتي والريال العماني، ويبلغ سعر صرفه نحو 1.4 دولار.