التسوية الأذرية - الأرمنية مفتاح نفوذ أكبر لواشنطن جنوب القوقاز

أنقرة - كثفت الولايات المتحدة تحركاتها الدبلوماسية لإيجاد تسوية سياسية بين أذربيجان وأرمينيا تكون هي الراعي الرسمي لها، ما يكشف رغبتها في تحجيم النفوذ الروسي في المنطقة وإثبات أنها قادرة على تحقيق السلام وتهدئة الاضطرابات وإن كان أغلبها سيصب في صالحها ويمنحها المزيد من النفوذ في جنوب القوقاز.
وترى الباحثة التركية يلدز دوه جي بوزقوش أن الصراع التاريخي والرغبة في الهيمنة على منطقة جنوب القوقاز قد انتقلا إلى مرحلة جديدة تماما، عقب حرب قره باغ الأخيرة التي استمرت 44 يوما في 2020.
وكان إبعاد الولايات المتحدة عن تطورات هذه الحرب، واستئثار روسيا بطاولة المفاوضات بين الجانبين (أذربيجان وأرمينيا) إضافة إلى دعم تركيا لأذربيجان، من العوامل التي أدت إلى تغيير جميع التوازنات في المنطقة. لكن لماذا تهتم الولايات المتحدة بمنطقة جنوب القوقاز؟
بعد توقيع كل من أذربيجان وأرمينيا اتفاقية سلام في 10 نوفمبر 2020، برعاية روسية، اتخذ العالم الغربي والولايات المتحدة خطوات هامة لفرض دبلوماسية نشطة في المنطقة. وبناء على ذلك بعثت دول الاتحاد الأوروبي رسالة مفادها أنها لن تترك المنطقة لروسيا.
الولايات المتحدة تسعى للإيحاء بأنها تستطيع تحقيق سلام دائم في المنطقة، وهو ما لم تقدر عليه روسيا
وفي إطار الدبلوماسية الأوروبية قرر الاتحاد تقديم المساعدة ودعم المفاوضات، وإرسال مراقبين إلى المنطقة الحدودية بين أذربيجان وأرمينيا لتخفيف التوتر في المنطقة.
من ناحية أخرى، واصلت الولايات المتحدة سياساتها تجاه جنوب القوقاز من خلال حلف شمال الأطلسي (ناتو) بعد حرب قره باغ الأخيرة، بهدف تطويق روسيا، خاصة بعد شنّ الأخيرة حربا على أوكرانيا وما تبعها من تطورات عالمية أخرى.
وفي هذا الشأن يمكن تقييم المحادثات بين أرمينيا وأذربيجان التي استضافتها الولايات المتحدة في الأيام الماضية، كما يمكن اعتبار أن واشنطن خلقت عبر هذه المحادثات مسارا بديلا للأزمة على عكس الذي اتبعته موسكو وبعيدا عن اتفاقية 10 نوفمبر.
بدورها تواصل موسكو التأكيد مرارا وتكرارا على عدم إمكانية إرساء حل للتوترات في المنطقة، دون مشاركتها فيه.
وبالنظر إلى كل هذه التطورات تقول يلدز دوه جي بوزقوش، وهي عضو في هيئة تدريس بجامعة أنقرة التركية، إن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة هو مواصلة الضغط على روسيا في جنوب القوقاز، تماما كما هو الحال في أوكرانيا.
وبالإضافة إلى الاهتمام التاريخي للجهات الفاعلة في المنطقة، فإن استبعاد الولايات المتحدة والعالم الغربي من العملية خلال حرب قره باغ الأخيرة لعب أيضا دورا مهما في تأجيج صراع الغرب مع روسيا.
وأصبحت الرغبة الأميركية تكمن في زيادة نفوذ واشنطن المتضائل في المنطقة، لاسيما في ظل اشتعال الحرب الروسية – الأوكرانية، من أجل تحقيق التوازن مع روسيا في المنطقة، وبحثا عن حلول بديلة للاحتياجات المتزايدة على الطاقة.
ويتمتع جنوب القوقاز بموقع إستراتيجي على خارطة موارد الطاقة وطرق النقل والتجارة، في الوقت الذي يبرز فيه هذا الوضع أيضا كعامل آخر يسرّع عملية تحول المنطقة إلى ميدان صراع بين لاعبين دوليين.
بيد أن هذه الرؤية الأميركية للوضع القائم في منطقة جنوب القوقاز لا تضع في الاعتبار ضمان إحلال سلام دائم في المنطقة على المدى البعيد.
وتسعى الولايات المتحدة للإيحاء بأنها تستطيع تحقيق سلام دائم في المنطقة، وهو ما لم تقدر عليه روسيا.
وتأتي الطموحات الأميركية بينما لن تسمح روسيا بالحد من قوتها الجيوسياسية في منطقة جغرافية تعتبرها باحتها الخلفية، حيث ستعمل موسكو بطبيعة الحال على عرقلة الجهود الأميركية في هذه المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك تعمل الولايات المتحدة -التي تعرب دائما عن عدم ارتياحها للمشروع الصيني “الحزام والطريق” الذي يمر عبر منطقة جنوب القوقاز- على التوصّل إلى اتفاقية ثلاثية بين أذربيجان وأرمينيا بقيادتها، بغرض إشعال فتيل التوترات مجددا في المنطقة.
لكن موسكو بدورها تنظر إلى الاتفاقيات من هذا القبيل على أنها تهديد وعقبة أمام فرص تحقيق سلام دائم، فضلا عن أن الاتفاقية التي تقودها واشنطن من شأنها أن تنهي الوجود العسكري لروسيا في المنطقة، وهو ما يستوجب ردا روسيا على هذه الخطوات.
إلى جانب ذلك تتوقع الولايات المتحدة -بصفتها دولة عضوا في الناتو- أن أي تطبيع للعلاقات التركية - الأرمينية سيكون في مصلحتها، وسيشكل بوابة أمام حلف شمال الأطلسي وواشنطن نحو أرمينيا وجنوب القوقاز.
وفي الفترة المقبلة من المفترض أن تشهد منطقة جنوب القوقاز وأرمينيا حراكا غربيا في قطاعات الاقتصاد والنقل والمساعدات.
ومن المؤكد أن روسيا وإيران ستشعران بعدم ارتياح حيال فكرة إبرام اتفاقية ثلاثية محتملة بين أرمينيا وأذربيجان بقيادة الولايات المتحدة، خاصة وأن التطورات العالمية الأخيرة كانت لها تداعيات قريبة من منطقة جنوب القوقاز.
وعلى سبيل المثال تنعكس التوترات السياسية والعسكرية بين روسيا والولايات المتحدة بشكل واضح على كل من أوكرانيا والشرق الأوسط والقوقاز.
من ذلك مثلا أن العلاقات بين روسيا وأرمينيا توترت خلال الأيام الأولى من الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا بسبب اختلاف وجهات النظر في عدد من القضايا، لاسيما ما تعلق منها بعضوية يريفان في المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بالإضافة إلى ذلك دأبت حكومة يريفان على توجيه الانتقادات إلى الجانب الروسي، متهمة موسكو بعدم اتخاذ الخطوات اللازمة لحل نزاع قره باغ بشكل كامل، وكذلك عدم الالتزام بتنفيذ مخرجات اتفاقية 10 نوفمبر والنزاعات على الحدود مع أذربيجان.
ولذلك تحتفظ إدارة يريفان بحركة دبلوماسية مكثفة مع الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، في محاولة منها للخروج من تحت العباءة الروسية.