الرئيس الإيراني يزور دمشق لترسيخ نفوذ طهران

زيارة إبراهيم رئيسي ستكون الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني إلى دمشق منذ اندلاع الحرب الأهلية، ومن المتوقع تنفيذ عدة قرارات تتعلّق بإعادة الإعمار وتدشين مشاريع اقتصادية.
الأحد 2023/04/30
زيارة رئيسي عقب انفتاح دول عربية مختلفة على التطبيع مع الأسد

طهران - يتوجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق الأربعاء تلبية لدعوة رسمية من نظيره السوري بشار الأسد في زيارة "بالغة الأهمية" تستمر يومين، على ما أعلنت وسائل إعلام إيرانية رسمية، وذلك في مسعى لترسيخ نفوذ بلاده، حيث من المتوقع تنفيذ عدة قرارات تتعلّق بإعادة الإعمار وتدشين مشاريع اقتصادية.  

وتأتي زيارة رئيسي لسوريا في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران على استئناف علاقاتهما الشهر الماضي. وتتزامن كذلك مع انفتاح عربي، سعودي خصوصاً، تجاه دمشق التي قاطعتها دول عربية عدة منذ اندلاع النزاع عام 2011.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) عن سفير إيران لدى سوريا حسين أكبري أن "زيارة رئيسي إلى دمشق الأربعاء زيارة بالغة الأهمية نظرا للتغيرات والتطورات التي تحدث في المنطقة".

وبحسب أكبري فإن الزيارة "لن تكون مفيدة لطهران ودمشق فقط، بل ستكون حدثا جيدا ستستفيد منه دول أخرى في المنطقة".

وستكون زيارة رئيسي إلى سوريا الأولى لرئيس إيراني إلى دمشق منذ اندلاع النزاع عام 2011. وكان آخر رئيس إيراني زار العاصمة السورية محمود أحمدي نجاد في سبتمبر 2010.

وزار الرئيس السوري بشار الأسد طهران مرتين بشكل معلن خلال السنوات الماضية، الأولى في فبراير 2019 والثانية في مايو 2022، والتقى خلالها رئيسي والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.

وكانت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري قد نقلت، الجمعة، عن مصادر مطلعة، أنّ الرئيس الإيراني سيزور دمشق الأربعاء المقبل، وتستمر زيارته يومين يجري خلالها مباحثات رسمية مع الرئيس بشار الأسد، وتتضمن "تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي".

كما نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، أنّ الزيارة ستكون "استثنائية من حيث نتائجها"، وسيعلن خلالها "البدء في تنفيذ قرارات تتعلّق بإعادة الإعمار وتدشين مشاريع اقتصادية عدة"، مضيفةً أنّ الزيارة "لن تكون تقليدية، وستتخلّلها جولات ميدانية".

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، الجمعة الماضي خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام زيارة لبيروت استمرت يومين، إنّ "التعاون بين طهران ودمشق يشمل أبعاداً متنوعة. وفي هذا الإطار، وفي مستقبل قريب، وضعنا برنامجا وخطة من أجل زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية رئيسي إلى سوريا".

وأكد مصدر إقليمي كبير مقرب من النظام السوري، لوكالة "رويترز" الجمعة، أنّ "استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، وحدوث انفراجة فيما يتعلق بفك العزلة العربية المفروضة على النظام السوري، مهدا الطريق للزيارة".

تأتي زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا في ضوء تصعيد إسرائيل هجماتها على المصالح والمواقع الإيرانية فيها، في إطار استراتيجية منع التموضع الإيراني في سوريا، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في وقت سابق، إن إسرائيل ستعمل على إخراج إيران وحزب الله من سوريا. 

وفي إطار هذه المواجهة، زار وزير الخارجية الإيراني، الجمعة، خلال زيارته إلى لبنان، حدودها مع فلسطين المحتلة في مارون الرأس، حيث نشرت صور له وهو يشير إلى مناطق داخل إسرائيل.

وبموازاة تزايد المصالحات العربية مع النظام السوري في الفترة الأخيرة، زادت زيارات الوفود الإيرانية إلى سوريا، في مقدمتها وفود اقتصادية، حيث استبق وزير الطرق والمواصلات الإيراني مهرداد بذرباش، الأسبوع الماضي، زيارة رئيسي، لإجراء زيارة إلى دمشق، وعقد اللجنة الاقتصادية المشتركة.

وعقد بذرباش اتفاقيات على تنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة مع الحكومة السورية، منها إنشاء مناطق تجارية حرة، فضلاً عن إعلانه أن سوريا سلمت الجانب الإيراني ميناء لإدارته وتشغيله. 

ومن أهم ما تابعه الوزير الإيراني في سوريا هو استكمال الخط السككي الذي يربط إيران بالعراق ثم بسوريا. وتنظر إيران إلى هذا المشروع باعتباره مشروعاً استراتيجيا للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط في اللاذقية السورية. 

ومنذ عام 2016، بدأ الحديث عن مشروع سكة حديد تربط شلمجه الإيرانية بالبصرة في العراق، وصولاً إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط في سورية، واستكمال مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسورية يتيح إمكانية نقل البضائع من باكستان أو ميناء تشابهار الإيراني (جنوب شرق) والبضائع التي تصل من الصين وآسيا الوسطى عبر القطار إلى منطقة "سرخس" (شمال شرق)، ثم إلى الموانئ السورية والبحر المتوسط عبر شبكة سكك الحديد العراقية.

ومنذ اندلاع النزاع في سوريا يزور مسؤولون إيرانيون سياسيون وعسكريون دمشق بشكل دوري وتعتبر طهران أبرز الحلفاء الإقليميين للرئيس السوري بشار الأسد، إذ قدمت دعما سياسيا واقتصاديا وعسكريا لسوريا على مدى الأعوام الماضية، كما أنها تستورد الفوسفات من المناجم السورية.

وكشفت مصادر إقليمية الشهر الجاري أن إيران جلبت أسلحة وعتادا عسكريا إلى سوريا سرا تحت ستار جهود الإغاثة في أعقاب الزلازل المدمرة التي ضربت سوريا وتركيا في فبراير.

وأعربت دمشق مؤخرا عن حرصها على "التواصل المستمر وتنسيق المواقف مع إيران بشكل دائم"، مشيرة إلى "أن الجمهورية الإسلامية كانت من أوائل الدول التي وقفت إلى جانب الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب وأن هذا التنسيق يكتسب أهمية قصوى في هذا التوقيت بالذات الذي يشهد تطورات إقليمية ودولية متسارعة لتحقيق المصالح المشتركة للبلدين".

وكان وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان قد أكد في تصريح سابق أن سوريا "بلد مهم ومؤثر ولذلك فإن قوة وتنمية سوريا هي قوة وتنمية للمنطقة عموما ولإيران خصوصا"، لافتا إلى أن "طهران ودمشق تقفان في خندق واحد وتتبادلان الدعم القوي لبعضهما الآخر".

ووقع البلدان في العام 2018 اتفاق تعاون عسكري ينص على تقديم طهران الدعم لإعادة بناء الجيش السوري والصناعات الدفاعية. كما وقعا اتفاقات ثنائية في مجالات عدة خلال السنوات الماضية، تضمن أحدها مطلع عام 2019 تدشين "مرفأين هامين في شمال طرطوس وفي جزء من مرفأ اللاذقية".

وقد بادرت إيران في العام 2011 إلى فتح خط ائتماني لتأمين احتياجات سوريا من النفط خصوصا، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم الجيش السوري في معاركه. وساهم هؤلاء في ترجيح الكفة لصالح القوات الحكومية على جبهات عدة.

وتستبق طهران المصالحة التركية-السورية بتحركات تهدف من خلالها إلى تأمين نفوذها وحماية مصالحها التجارية وحصتها من إعادة إعمار سوريا والاستثمارات في قطاع الطاقة رغم أنها باركت خطوات التقارب بين البلدين. 

ويعتقد البعض أن زيارة الرئيس الإيراني لدمشق قد تكون بسبب القلق الإيراني من مسار العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري، خاصة في ظل وجود ضغوطات روسية تمارس على دمشق لا تناسب المصالح الإيرانية.

لكن من المبكر الحديث عن تطورات في هذا المسار، خاصة أن تأثير الموقف الأميركي قد يكون كبيرا، بالإضافة إلى عدم التقارب في ظل الشروط الصعبة المتبادلة بين تركيا والنظام السوري.

ولا يستبعد البعض أن يكون الدافع لزيارة رئيسي الهواجس الإيرانية الكبيرة من التحركات الإقليمية والدولية التي قد تحد من النفوذ الإيراني جنوب سوريا، خاصة بعدما وقعّت الإدارة الأميركية على مشروع محاربة النظام السوري كمصدر للمخدرات.

ويوجد تنافس في الكواليس بين طهران وموسكو الداعمين الرئيسيين للرئيس السوري بشار الأسد، فيما تشير تقارير غير رسمية إلى خلافات حول نصيب كل منهما من الكعكة السورية بعد أن رجح تدخلهما دفة الحرب لصالح الأسد.

وحظيت روسيا التي تدخلت في الصراع في سبتمبر 2015 لدعم النظام السوري بالنصيب الأكبر من الاتفاقيات العسكرية التي مكنتها من تواجد دائم في سوريا بالإضافة إلى تمتعها بعقود سخية تشمل مجالات إعادة الاعمار والبنية التحتية والطاقة والكهرباء.