سلوى النعيمي خرجت من الكلام الناعم إلى الصرخة

قبل الرواية كان الشعر.
الأحد 2023/04/30
كاتبة من طراز عابر للأجناس الأدبية

مَن لم يقرأ “برهان العسل” رواية سلوى النعيمي التي صدرت عام 2007؟ طُبعت كثيرا ومُنعت كثيرا غير أنها قُرئت كثيرا في الوقت نفسه بعد أن تسربت إلى فضاء الإنترنت.

حين يتعلق الأمر بالموضوع فإن كاتبتها سلوى النعيمي تعول كثيرا على ما أتيح لها من حرية في الكتابة وليس على الجنس الذي توهم الكثير من القراء بأنه ضالة تتحقق من خلالها الإثارة التي تنجزها القراءة.

الحرية قبل كل شيء

سلوى النعيمي قفزت بكتابها الروائي الأول غير المسبوق عربيا إلى الصف الأول في المشهد الأدبي العربي

تؤكد النعيمي أنها تعلمت الحرية في الكتابة من التراث العربي. كان الهدف أبعد من أن تصل إليه أصابع القراء المرتجفة خوفا وشهوة.

تقول “عندما سلطت الضوء على النصوص الإيروتيكية العربية القديمة أردت أن أبرهن على أن اللغة العربية القديمة قادرة على كتابة الجنس والتعبير عن الحميمي، من قبلُ ومن بعدُ، وعلى أن لذة الجنس تحتل مكانة أساسية في هذه الثقافة بعيدا عن مفهوم الخطيئة والدنس، عبر تداخل نصي الحديث مع الاستشهاد بكتاب قدماء مثل الجاحظ والسيوطي والنفزاوي”.

كل الصفات التي ألصقت بالنعيمي، جريئة وشجاعة ومتمردة ومستفزة ومهاجمة وانتهاكية وسواها، لم تكن تعبر عن مفهوم علاقتها بالكتابة. كلها صفات ذات علاقة بموضوع الكتابة وليس بتقنيتها وأسلوبها وطرق التفكير فيها.

على طريق الطيب صالح

رواية طُبعت كثيرا ومُنعت كثيرا غير أنها قُرئت كثيرا في الوقت نفسه بعد أن تسربت إلى فضاء الإنترنت
رواية طُبعت كثيرا ومُنعت كثيرا غير أنها قُرئت كثيرا في الوقت نفسه بعد أن تسربت إلى فضاء الإنترنت

“أنا مخلوقة لغوية” تستخرج النعيمي ذلك التعبير من كونها شاعرة قبل كل شيء. لقد كتبت الشعر أولا إلى جانب عملها في الصحافة. كل ما كانت تكتبه في الصحافة لم يخل من لغة منغمة، مشدودة، مقتضبة. وهو ما يؤكد أنها شاعرة في كل ما تفعل.

قفزت سلوى النعيمي بكتابها الروائي الأول إلى الصف الأول في المشهد الأدبي العربي. لم تكن روايتها مسبوقة، لا في موضوعها ولا في شكلها. كان من الممكن أن تكون تلك الرواية مشروعا انتحاريا لولا رفعة وتأنق وقوة الأداء اللغوي والتعبيري.

سلوى النعيمي كاتبة من طراز عابر للأجناس الأدبية. حين كتبت الرواية فإنها لخصت تجربتها اللغوية في الشعر وبحثها الاستقصائي في الصحافة. تعرفت على أبطالها من خلال مواقع سطوعهم وانكماشهم وأنقذتهم بلغة مشرقة أبقتهم على قيد الحياة وهم يتنفسون هواء الشعر.

 ما فعلته النعيمي يذكّر بما فعله الروائي السوداني الطيب صالح يوم هز عرش الرواية العربية بروايته الأولى “موسم الهجرة إلى الشمال”. النعيمي هي الأخرى هزت عرش الرواية العربية بعد خمسين سنة.

 ولدت سلوى النعيمي عام 1950 في دمشق. تخرجت من جامعة دمشق عام 1975 لتلحق بجامعة السوربون وتحصل على درجة الماجستير في الأدب العربي.

عملت النعيمي في الصحافة وكان لها عمود أسبوعي في مجلة “كل العرب” قبل أن تنضم إلى العمل في معهد العالم العربي بباريس.

كتبت النعيمي الشعر أولا ثم تحولت إلى الرواية. غير أنها تقول في ذلك “الشاعر لا يتحول وإنما يجدد في تقنيات الكتابة عبر التجريب في أشكال مختلفة. وأنا أقول في شعري ما أقوله في سردي. وأظن أن لغتي هي نفسها في الشعر والرواية”.

أصدرت النعيمي عددا من الكتب  بين باريس والقاهرة، من بينها “التشابه” و”كتاب الأسرار” و”إغراء وفاتي” و”الذين أحبهم ذهبوا جميعا” و”برهان العسل” وأخيرا “شبه الجزيرة العربية”.

فقدان الذاكرة الإرادي

عام 2007 كان عامها في الثقافة العربية. فما إن صدرت روايتها الأولى “برهان العسل” حتى تم التعامل معها في العديد من البلدان العربية باعتبارها منشورا خطرا وتم حظرها.

"برهان العسل" لم تكن رواية جنسية بل كانت صيحة من أجل أن يستعيد الأدب العربي قدرته على الاعتراف

جلبت تلك الرواية للكاتبة شهرة لم تتوقعها. كان كتابا غير مسبوق في الأدب العربي المعاصر. غير أنه أساسا يعتمد على تجارب عربية قديمة في الكتابة الجريئة التي تخترق الحياة السرية للجسد.

روايتها الثانية “شبه الجزيرة العربية” كانت أشبه بالسيرة الذاتية التي تكشف من خلالها عن تأثير خلفيتها الاجتماعية على طريقة تفكيرها، فهي من أم مسيحية وأب مسلم، ذلك ما انعكس على موقفها المنفتح على الآخر المختلف.

تقول النعيمي “تعودت أن أصاب بفقدان الذاكرة الإرادي سلاحا في حياتي مع الآخرين. أنسى ما أريد وأتذكر ما أريد. رياضة تمرنت عليها سنوات طويلة إلى أن تحولت إلى تصرف غريزي لا يحتاج إلى تفكير”.

لم تكتب سلوى النعيمي روايتها “برهان العسل” لتصنع مصيدة للمكبوتين جنسيا، وهم كثر في عالمنا العربي، بل لتخلق مفهوما جديدا للكتابة يستند على قوة في الإيحاء مثلما ينطوي على الكثير من الإلهام اللغوي.

لقد عبأت روايتها بالاستعارات التراثية التي لم تكن في حقيقتها نوعا من التداول الرخيص للجنس. هناك نظرة راقية إلى ما يمكن أن يفعله الأدب وهو يعالج قضية حساسة مثل الجنس. لذلك يمكن القول بثقة إن “برهان العسل” لم تكن رواية جنسية؛ كانت صيحة من أجل أن يستعيد الأدب قدرته على الاعتراف.

 من غير مواربة أو حجاب ذهبت النعيمي إلى قصدها. ذلك ما ينبغي على الأدب أن يفعله. في كل ما كتبته محت النعيمي مسافة النفاق التي تقع بين الكاتب وقرائه. وهي مسافة لا تُرى بسبب عادات القراءة المغلوطة وانقطاع الصلة باللاوعي.

ضد النعومة المنافقة

Thumbnail

انضمت سلوى النعيمي إلى سلالة النسوة العربيات الكاتبات في الوقت الذي صارت فيه تلك السلالة تكتظ بمئات الزائرات العابرات اللواتي تتمنى كل واحدة منهن لو صارت غادة السمان على سبيل المثال، المثل الأعلى للكتابة النسوية. أما أن تقوم كاتبة بجرح الخطاب النسوي والسخرية منه مثلما فعلت النعيمي فإن ذلك ما لم يكن في الحسبان.

 لم تكن كتابتها تنطوي على رقة مخاتلة. فالمرأة لديها كائن فاعل وهي تنظر إلى ما تفعله كونه تعبيرا عن الانتماء إلى مصير فردي. المرأة باعتبارها كائن خلق، مادته لغة نضرة، متشنجة ومقيمة في اختلافها. كل ما كتبته النعيمي كان فضيحة في فضاء كان مخططا له أن يرعى نعومة منافقة.

ربما لن تكتب سلوى النعيمي رواية شبيهة بـ”برهان العسل”. لن تحتاج إلى ذلك. تحتاج إلى أن تتفوق عليها. مَن قال إنها تفكر في ذلك؟ ذلك أمر شخصي. السؤال هو هل ستخرج الرواية العربية من الصدمة التي سببتها “برهان العسل”؟

منذ عام 2007 وسلوى النعيمي تتفرج على المشهد الأدبي الذي حاول أن يضيق الخناق عليها ويرمي بروايتها إلى قائمة الكتب الملعونة. لقد اعتبرت منع كتابها نوعا من الغباء الذي كانت تتوقعه. في الوقت نفسه كانت تعرف أن ذلك الكتاب صار معجما لحب من نوع جديد في العالم العربي. ما أنجزته سلوى النعيمي هو أكبر من مساحة الحظر التي جلبت لها الشهرة. فهي كاتبة لأجيال لم تقرأ بعد.

8