هل يبصر قانون العفو العام في العراق النور بعد سنوات من التعطيل

بعض القوى الشيعية تتخوف من إطلاق سراح المئات من العناصر المحسوبة على تنظيمات جهادية مثل داعش والقاعدة.
الأربعاء 2023/04/26
ملف شائك لا يخلو من بعد إنساني

بغداد - كشف حزب “تقدم” الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي الثلاثاء عن تقدم في المفاوضات الجارية بشأن  إقرار قانون العفو العام المتعثر منذ نحو سبعة عشر عاما، لكنّ مراقبين يشككون في الأمر في ظل رفض قوى نافذة في الإطار التنسيقي الشيعي تمريره دون إجراء تعديلات واسعة على بنوده.

ويشكل إقرار قانون العفو العام أحد بنود الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه بين الفرقاء في العراق، والذي تم بموجبه تسهيل تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، بعد أزمة سياسية تجاوزت العام.

وتضغط القوى السنية من أجل إقرار القانون، وسبق وأن وجّه “تحالف السيادة” اتهامات لشركائه الشيعة بالانقلاب على نص الاتفاق السياسي، واتهم الحكومة بالتهرب من تنفيذ التزاماتها لناحية تفعيل القانون.

وفي تحول في موقف حكومة السوداني، أعلن وزير العدل العراقي خالد شواني الأسبوع الماضي عن تشكيل لجنة لإعداد قانون العفو العام، مشيرا إلى أنه “سيكون إنجازا لجميع الكتل السياسية المنضوية داخل ائتلاف إدارة الدولة”.

نهال الشمري: تقدم كبير في مفاوضات تشريع قانون العفو العام
نهال الشمري: تقدم كبير في مفاوضات تشريع قانون العفو العام

وأكدت كتلة “تقدم” النيابية الثلاثاء أن قانون العفو العام سوف يتم إقراره قريباً في البرلمان وقبل تشريع قانون الموازنة العامة للدولة.

وقالت النائب عن الكتلة نهال الشمري في تصريحات صحفية إن “هناك تقدما كبيرا في مفاوضات تشريع قانون العفو العام، كما أن هناك نية حقيقية لتشريع هذا القانون من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني”، مشيرة إلى أن “المفاوضات مستمرة ومتواصلة لحسم هذا القانون بشكل سريع وتقديمه إلى البرلمان للتصويت عليه”.

وأضافت الشمري “نعتقد أن تشريع قانون العفو العام سيكون قبل تشريع قانون الموازنة، وسيكون التصويت على العفو العام من قبل مجلس النواب في منتصف الشهر المقبل (مايو)”، مشددة على أن “هذا القانون سوف يستهدف الأبرياء فقط ولن يشمل الإرهابيين والفاسدين وتجار المخدرات”.

ويرى مراقبون أنه رغم ما يحاط من أجواء إيجابية حيال إمكانية إقرار قانون العفو العام، لكن المسألة لا تخلو من تعقيدات بعضها أمني والآخر سياسي.

ويشير المراقبون إلى أنه على المستوى الأمني فإن بعض القوى الشيعية تتخوف من إطلاق سراح المئات من العناصر المحسوبة على تنظيمات جهادية مثل داعش والقاعدة، وعلى الصعيد السياسي فإن بعض الأطراف الشيعية وفي مقدمتها “ائتلاف دولة القانون” يرفضون منح تحالف السيادة ولاسيما الحلبوسي هدية “مجانية” قبل  انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في الخريف المقبل.

ويوضح المراقبون أن قانون العفو العام  ينطوي على تعقيدات كبيرة، لافتين إلى أن هناك الآلاف من العراقيين  الأبرياء جرى انتزاع  اعترافات منهم بالإكراه، وهناك الكثير منهم من راح ضحية وشاية كاذبة، ومن شأن إقرار هذا القانون أن ينهي محنتهم الطويلة. وأقر البرلمان العراقي قانون العفو العام في أغسطس 2016، بعد خلافات سياسية طويلة، لكن لم يجر تفعيله بسبب خلافات بين القوى السياسية، وقد شهد هذا القانون العديد من التعديلات خلال السنوات الماضية.

وكان التعديل الأول جرى مطلع نوفمبر 2017، بعد طلب تقدمت به قوى سياسية منضوية حاليا ضمن “الإطار التنسيقي”. وتضمنت أبرز التعديلات شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما بذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.

وتم حينها تعديل فقرة تمنع العفو عن جميع من أدينوا وفقا لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد، بعد العاشر من يونيو 2014، وهو تاريخ احتلال تنظيم داعش لمدينة الموصل شمالي البلاد. كما عدّلت الفقرة الخامسة من المادة الثالثة في القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو.

وتم منح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير، إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد.

ويقول نواب عراقيون إن قوى من “الإطار التنسيقي” لن تسمح بتمرير القانون دون إدخال المزيد من التعديلات على النص الحالي، وهذا سيعني إفراغ القانون من محتواه.

وقال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي النائب رائد المالكي في وقت سابق إن “الاتفاق السياسي نص على تشريع قانون العفو العام، لكن لا يعلم الصيغة التي سيطرح بها، لأنه إذا كان على شاكلة القانون الذي شرّع عام 2016، فستكون هناك مشكلة، لأن القانون سمح بإعادة المحاكمات، وهذا انتقاص من مهنية القضاء وطعن فيه عندما قيل إن المحاكمات السابقة لم تكن حقيقية، وكانت الاعترافات تنتزع بالإكراه”.

ولفت المالكي في تصريح لصحيفة “الصباح” الرسمية، إلى أن “تشريع القانون من أجل العفو عن أناس غير ممكن، لأنه يمكّن العفو عنهم بصورة مباشرة من دون الحاجة إلى اتهام القضاء بأنه يحكم بالإكراه”.

وأكد أن “القوى السياسية يمكنها أن تقول إن تشريع القانون يكون من أجل المصلحة السياسية، وقررنا أن نعفو عن المتهمين بالإرهاب، إذا كان هذا هو المطلوب”، مشدداً على أن “العفو يجب أن تكون له مبرراته، لأنه في كل بلدان العالم هناك فئات ممن استوعبوا الدرس الذي من أجله تم الحكم عليهم بالسجن أو غيره، وبالتالي يستحسن أن يكون العفو عنهم بشروط”.

وأوضح عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي أن “الدستور يمنع العفو عن جرائم الإرهاب وجرائم الفساد المالي والإداري”، ملوحاً بـ”الطعن بالقانون في حال تشريعه لإطلاق سراح الإرهابيين والفاسدين، لأنه سيكون مخالفاً للدستور”.

3