تعاون حميدتي مع مصر لعودة جنودها رسالة حُسن نوايا سياسية

القاهرة تستفيد من تجربة ليبيا في عدم قصر رهاناتها على طرف معين.
الجمعة 2023/04/21
حميدتي يتفهم مخاوف المصريين

عودة الجنود المصريين كسرت حالة البرود بين القاهرة وقائد الدعم السريع وأعطتها فرصة لتبدو في وضع الطرف المحايد وليس المنحاز لقائد الجيش، وهو الموقف الذي أوحى به وجود قوات مصرية في السودان.

القاهرة – بعث قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) برسالة حُسن نوايا سياسية للقاهرة بعد تعاونه معها ومع وسطاء آخرين من دول عربية لعودة عشرات من الجنود المصريين كانوا في مهمة تدريب عسكري مع الجيش السوداني.

وربما تبدد عودة الجنود (على دفعتين) بواسطة طائرات عسكرية تابعة للجيش المصري بعض الهواجس التي نشأت عقب قيام قوات الدعم السريع باحتجاز بعضهم في قاعدة مروي، والبعض الآخر من خارجها، وفهمت دوائر مصرية غير رسمية ذلك على أنه تحرش لجر الجيش المصري إلى مستنقع الحرب في السودان بعد أن رشحت معلومات حول انحيازه لصف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

وتتيح عودة الجنود المصريين بطريقة ناعمة للقاهرة الفرصة لإجراء مشاورات بينها وبين الطرفين المتصارعين من أجل وقف إطلاق النار، أو طرح مبادرات وساطة أو المساهمة فيها، لأن هذه الأزمة من المتوقع أن تكون لها تداعيات وخيمة على الأمن القومي المصري حال فشل الجهود الإقليمية والدولية في وقفها سريعا.

عودة الجنود المصريين بطريقة ناعمة تعيد إلى القاهرة الفرصة لإجراء مشاورات من أجل وقف إطلاق النار

وقال الجيش المصري الخميس إن ثلاث طائرات تابعة له أعادت جنودا (177 شخصا) كانوا في السودان، وأن مجموعة منفصلة تضم 27 جنديا نُقلت إلى مقر السفارة المصرية بالخرطوم، وأن الجنود “كانوا للمشاركة في تدريبات بموجب بروتوكول مشترك بين البلدين”.

وأشار بيان لوزارة الخارجية المصرية الخميس، إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لعبت دورا مهما في تسهيل عودة الجنود المصريين، وهو ما ألمح إليه بيان الجيش من خلال حديثه عن تعاون مع دول صديقة وشقيقة.

وكانت قوات الدعم السريع احتجزت جنودا مصريين بعدما اقتحمت قاعدة مروي الجوية بشمال السودان السبت، وتسبب تصوير فيديوهات لهم انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في غضب عارم بالقاهرة، لأن من صوروها وروجوا لها سمحوا باستخدامها في الإيحاء بأن مصر طرف منحاز للبرهان ضد حميدتي.

والتزمت القاهرة مثل غالبية العواصم الإقليمية والدولية بسياسة الحياد في الأزمة، ولم تنجرف وراء تلميحات متباينة زعمت أنها يمكن أن تنخرط في الحرب لصالح الجيش السوداني، لأن الأزمة معقدة ويصعب تحديد فواصلها العسكرية بدقة.

وأخذ مراقبون على أداء الجيش السوداني أنه يعاني من ارتباك في آلية اتخاذ القرار، واهتزاز الهيراركية المعروفة في الجيوش النظامية، بينما تتمتع قوات الدعم السريع بمركزية ساعدتها على تحاشي ما يمكن وصفه بالتضارب في صفوف الجيش.

وأصدر الجيش السوداني بيانا الخميس، لتصحيح بيان سابق ورد فيه أن الجنود المصريين الذين جرى إجلاؤهم من مطار دنقلا، وعددهم 177، كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع، مؤكدا أن الجنود الذين أعيدوا “لم يتم أسرهم” من قبل قوات الدعم السريع نظرا لتواجدهم خارج مطار مروي أثناء الهجوم عليه.

ويشير المراقبون إلى أن الصراع العسكري في السودان يفرض على الدول العربية التي لها علاقات متفاوتة مع طرفيه التعاون والتنسيق لوقف إطلاق النار.

وذكر متحدث الرئاسة المصرية أحمد فهمي في بيان الخميس، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي أجرى اتصالا هاتفيا بالشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات تطرق إلى الجهود الحثيثة للبلدين لتهدئة الأوضاع في السودان ووقف التصعيد والعودة إلى الحوار واستعادة المسار السياسي.

وأكد الخبير العسكري ووكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري اللواء يحيى كدواني أن مصر من أوائل الدول المعنية بحل الأزمة السودانية المرشحة لمزيد من التوتر والتصعيد، وواقعة احتجاز الجنود المصريين بدا أن هناك استثمارا لها لجر القاهرة إلى أزمة عسكرية معقدة في السودان، لكن تم التعامل معها بحكمة وعقلانية من جانب القيادة المصرية.

وأضاف لـ”العرب” أن عودة الجنود المصريين تساعد على زيادة دور القاهرة في حل الأزمة، لكن وحدها لن تنجح ما لم تكن هناك مشاركة عربية جماعية من خلال الجامعة العربية، لافتا إلى أن أي مفاوضات مقبلة بين طرفي النزاع لن تحقق الاستقرار للسودان طالما أن هناك دولا عربية غير مكترثة بخطورة تلك الأزمة.

وشدد الكدواني على أن عدم احتواء الأزمة يؤدي إلى وقوع السودان في دوامة عنف طويلة، تسمح بهيمنة إسلاميين متشددين وعسكريين متطرفين عليه، وأي محاولة لفرض عقوبات دولية على الطرفين قد تزيد المشهد تعقيدا وتنفخ في نيران الحرب.

ونشرت تقارير عدة معلومات حول تورط فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير وقيادات الحركة الإسلامية في الصراع وتغذيته بأدوات مختلفة، ما دفع الجنرال حميدتي للتدخل لاستباق انقلاب كان يعد له هؤلاء بالتنسيق مع الجنرال البرهان.

وثمة مخاوف من تفاقم الصراع أكثر من ذلك بعد أن بات السلاح هو الفيصل الوحيد بدلا من السياسة، وفي هذه الحالة لن تحلها مشاركة عربية أو دولية، وستشهد البلاد انقساما، وتتسع دوائر الحرب في الدولة وأقاليمها ويصبح المشهد العام أكثر سوءا وانهيارا مما جرى في ليبيا السنوات الماضية.

وكشفت مصادر عربية خاصة لـ”العرب” أن مصر تجري مراجعة إستراتيجية لرؤيتها في السودان من أجل التعامل مع أزمة يمكن أن تمتد لفترة غير معلومة من الوقت، ولا تريد أن تضع رهاناتها كلها في طرف معين، مستفيدة من تجربتها السابقة في ليبيا عندما بدت قريبة من قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر الذي تمركزت قواته في شرق ليبيا وبعيدة من خصومه العسكريين والسياسيين في الغرب.

ولفتت المصادر ذاتها إلى أن القاهرة اضطرت بعد سنوات من دعم حفتر إلى الاستدارة نحو القوى المؤثرة في غرب ليبيا ونسجت علاقات قوية معها بعد أن تأكدت من خطورة استمرار رهانها على حفتر وحده، خاصة بعد أن أدت هذه السياسة إلى زيادة نفوذ القوى الإسلامية وتصاعد دور الميليشيات والمرتزقة وتعاظم نفوذ تركيا ودعمها لقوى عديدة في طرابلس، حتى أصبحت حاضنتهم الرئيسية في المنطقة.

وتؤكد هذه التجربة أن الصراعات التي تعتمد على الكر والفر تواجه فيها الجيوش النظامية متاعب كثيرة، وحالة السودان أشد تعقيدا من ليبيا، لأن السلاح متوافر بكثافة مع حركات وفصائل مختلفة، بعضها متحالف مع الجيش السوداني ويحرص على اتخاذ مسافة بعيدا عنه.

ويمكن أن تكون آلية عودة الجنود المصريين نواة لتحركات مصرية سياسية على مستويات مختلفة، لا تستثني أحدا من القوى الفاعلة في السودان، لأن الانفتاح في هذه اللحظات مهم في عملية تسهيل طرح مبادرات والمشاركة في جهود وساطة.

2