كيف أساء الصحافيون الدخلاء إلى سمعة المهنة في مصر

كيانات “وهمية” لا تمت بأي صلة إلى نقابة الصحافيين المصريين، لكن تستغل اسمها، كانت سببا في تراجع الثقة بين أبناء المهنة والحكومة جراء تصدير صورة سلبية عن الصحافة وأيضا، سببا في إحراج مصر خارجيا، ما جعل نقابة الصحافيين تعلن حربا ضدها.
القاهرة - أعلنت نقابة الصحافيين المصريين الحرب على ما يعرف باسم “الكيانات الصحافية الوهمية”، سواء أكانت صحفا أو نقابات واتحادات صحافية موازية، بهدف استعادة ما يسمى بـ”الهيبة المفقودة” للمهنة وأبنائها أمام الرأي العام والحكومة.
وتقدم خالد البلشي، نقيب الصحافيين، ببلاغين إلى النائب العام ضد كيانات غير شرعية تقوم بإيهام بعض المواطنين الحالمين بالعمل في المجال الصحافي وخديعتهم والنصب عليهم واستخراج بطاقات عضوية غير رسمية لهم، والادعاء بتغيير بطاقة الهوية إلى “مراسل”، صحافي، مصور صحافي، محرر إعلامي، بمقابل مادي.
أكدت النقابة أن هذه الكيانات “وهمية” ولا تمت بأي صلة إلى نقابة الصحافيين، لكن تستغل اسمها، الأمر الذي تتوافر معه جريمة انتحال صفة صحافي، وإنشاء كيان غير قانوني بشكل يسيء للمهنة، داعية جميع الهيئات الحكومية والعامة والخاصة والأهلية إلى عدم التعامل مع هذه الكيانات أو حاملي بطاقاتها.
وتوعدت نقابة الصحافيين بأنها لن تتهاون في الدفاع عن تمثيلها منفردة لعموم صحافيي مصر، وستتخذ إجراءات قانونية رادعة، بما فيها الجنائية التي تعاقب بقسوة على انتحال الصفة والتزوير والنصب تجاه الكيانات المنتحلة لصفة نقابة الصحافيين وأعضائها الذين يحملون بطاقاتها.
يرتبط تحرك النقابة بتراجع الثقة بين أبناء المهنة والحكومة جراء تشويه صورة المعنيين بتغطية المؤسسات الرسمية، لأن منتحلي الصفة، من الأسباب التي أدت إلى تصدير صورة سلبية عن الصحافة لكونهم يرتكبون أفعالا تتنافى مع طبيعة العمل، من ابتزاز لمسؤولين واستغلال الوظيفة لإنهاء مصالح مشبوهة وارتكاب مخالفات.
يحظى ملف القضاء على ما يوصف بـ”الصحافيين الدخلاء” باهتمام واسع من أبناء المهنة لشعورهم بأن الوظيفة أصبحت سيئة السمعة عند شريحة من الجمهور والمسؤولين لإصرار البعض منهم على التربح من المهنة بشكل غير مشروع، ما دفع بعض المسؤولين إلى مقاطعة الصحافيين والتوقف عن إقامة مؤتمرات صحافية والاكتفاء بإرسال بيانات رسمية للهرب من تطفل الدخلاء.
هناك إشادة كبيرة بتحرك نقابة الصحافيين لمواجهة الكيانات المزيفة والمحررين المتطفلين على المهنة، لكن تلتمس بعض الأصوات العذر لبعض المنتمين إلى الكيانات الخلفية، لأن الانتماء إلى النقابة يصطدم بشروط مجحفة، حيث لا تعترف بالممارسين بعد تقديمهم ما يفيد عملهم في الصحافة لسنوات، ويُشترط أن تقوم وسيلة إعلامية ورقية منتظمة الصدور بتعيينهم.
يخضع الصحافي في مصر لاختبارات متعددة وقد يعمل لسنوات دون أن يكلل نجاحه بالتعيين في صحيفة ورقية تقوده إلى الانتساب للنقابة، وإذا حدث ذلك يُعترف به أخيرا كعضو تحت التمرين ثم كعامل في النقابة، وهي العملية التي لا تستوعب سوى بضع مئات سنويا، فيما تقوم الجامعات بتخريج الآلاف من الدارسين والمهتمين بالإعلام كل عام، ممن يُفترض أن ينضموا إلى سوق الشغل بعد تخرجهم.
ينتسب أحمد خالد، الذي تخرج من كلية الإعلام بجامعة القاهرة منذ أربع سنوات، لما يسمى بـ”نقابة الصحافيين الإلكترونيين”، ويدرك جيدا أنها كيان غير شرعي، لكنه مضطر إلى هذه الخطوة، مبررا ذلك بأن طموحه منذ الصغر العمل صحافيا وحُرم من ذلك بسبب قواعد الانتساب للنقابة الشرعية، فيما يرى أن الإجراءات الطويلة والمعقدة من الأسباب الأساسية لظهور كيانات موازية لنقابة الصحافيين.
ملف القضاء يحظى على ما يوصف بـ”الصحافيين الدخلاء” باهتمام واسع من أبناء المهنة لشعورهم بأن الوظيفة أصبحت سيئة السمعة عند شريحة من الجمهور والمسؤولين
لم ينف خالد، في حديثه مع “العرب”، وجود انحرافات كثيرة بين أوساط العاملين في كيانات صحافية غير شرعية، لكن لا يعني أن جميعهم ليسوا شرفاء، وأن نقابة الصحافيين استسهلت الحل وقررت القضاء على من تصفهم بالدخلاء، مع أنهم واقعيا يرغبون في العمل تحت مظلة شرعية، ويواجهون تعقيدات يصعب تجاوزها، إذا قرروا الانتساب للنقابة الأم.
ويخشى خبراء أن يكون تسليط الضوء على ملف الصحافيين “المزيفين” أو “المنتحلين” سببا في تكريس حالة الجفاء بين أبناء المهنة الشرعيين والمسؤولين الحكوميين، لأن التصعيد النقابي ضد هذه الكيانات قد يضع غالبية أبناء المهنة في بوتقة واحدة، والمسؤول غير الواعي لن يفّرق بين منتحل الصفة والصحافي المعترف به رسميا، فكلاهما يحمل عضوية نقابية.
ثمة فريق آخر يرى أن مخاطبة الهيئات الحكومية والعامة باقتصار التعامل مع الصحافيين المعترف بهم فقط والمنتسبين للنقابة، يصب ذلك في صالح الصحافي والمؤسسات المكلف بتغطيتها، حيث سيكون بإمكان الجهة أن تعرف بسهولة مع من تتعامل معه بثقة، أما الفئة الباقية فمن الطبيعي أن يتم حرمانهم من التغطيات وقطع الطريق على المبتزين منهم.
قال محمد سعد عبدالحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين، لـ”العرب” إن الكيانات الصحافية الوهمية أساءت للمهنة أكثر مما ينبغي، ولابد من وقفة جادة ضدها لحماية الصحافيين المعترف بهم، كما أن هناك أجساما تمنح بطاقات العضوية لأميين وحاملي مؤهلات متوسطة وأصحاب حرف وخريجي معاهد نظير مقابل مادي، وهذا ضد كل مبادئ المهنة.
ويستهوي الدخلاء على المهنة حمل بطاقة مدون فيه صفة صحافي أو إعلامي، لأنها تمثل بالنسبة لهم حصانة اجتماعية، بعضهم يستخدمها للضغط على المسؤولين، لاسيما في المناطق البعيدة عن القاهرة.
تظل الصحافة الإقليمية من أكثر القطاعات التي تحتضن منتحلي صفة صحافيين، ويرتبط انتشار هؤلاء وسط المجتمع كأصحاب قرار وسيطرة باستجابة المسؤولين لهم، والانصياع لمطالبهم، خشية التطرق إليهم في الصحيفة بشكل سلبي، حيث إن بعض الصحف تحظى بقبول جماهيري لتركيزها على مشكلات تخص سكان الإقليم.
وتوجد معضلة أخرى ترتبط بأن الحكومة نفسها باتت ممتعضة من الصحافيين الدخلاء، لأن بعضهم يرتكب جرائم تستدعي توقيفهم أمنيا، ما تستثمره منظمات حقوقية للإيحاء بأن الدولة تستهدف أصحاب الكلمة وتضطر نقابة الصحافيين إلى الضغط من أجل الإفراج عنهم، مع أنها ليست طرفا، وتتحرك فقط بدافع حقوقي، ما يضعها في معضلة مع دوائر صناعة القرار السياسي.
تصطدم نقابة الصحافيين بتعقيدات بالجملة في ملف القضاء على الكيانات الموازية لها، لأن أغلبها مسجل في الاتحاد العام للنقابات المصرية التابع لوزارة القوى العاملة، من بينها “نقابة الصحافيين والقنوات الفضائية”، “نقابة الصحافيين الإلكترونيين”، “النقابة العامة للعاملين بالإعلام”، “نقابة الصحافيين المستقلة”، “نقابة الإعلام الإلكتروني”، “نقابة الصحافيين والإعلاميين المصريين”.
وأكد سعد عبدالحفيظ لـ”العرب” أن القضاء على الكيانات الصحافية الوهمية يتطلب مساندة الجهات والهيئات الحكومية للنقابة، وإبلاغها بوجود منتحلي صفة ضمن الصحافيين المعتمدين لديها حتى تتسنى مخاطبة الجهات القضائية ومطاردة المزيفين.
أمام صعوبة إيجاد حل جذري للأزمة، طالب صحافيون بأن تتم التفرقة بين أبناء المهنة الحقيقيين والدخلاء أمام الحكومة بأن تكون النقابة وسيطا لتعامل الجهات المختلفة مع الصحافيين ومؤسساتهم، وما دون ذلك يتم وضعهم في خانة المزيفين الذين أساؤوا للمهنة وشوهوا صورتها وأفقدوها هيبتها.