الحكومة الجزائرية مصرة على تطوير إعلام مقيد

السلطات تركز على صناعة الرأي العام في إطار حروبها الإعلامية.
الأربعاء 2023/04/19
من يهتم

تريد السلطات الجزائرية أن يلعب الإعلام التابع للحكومة دوراً أكبر في صناعة الرأي العام، فقررت إنشاء مدينة إعلامية بأحدث التقنيات، وفي نفس الوقت تحرص على وضع الإعلام الخاص تحت عباءة الحكومة، عبر القانون الذي تم إقراره مؤخرا وأثار الجدل بسبب القيود التي تضمنها.

الجزائر - أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن “استحداث مدينة الإعلام يجب أن يتماشى مع التطور الحاصل في مجال السمعي البصري عالميا”، فيما يبدو اهتماما متزايدا بهيكلة القطاع والتركيز على التأثير على الرأي العام، بعد إقرار قانون يشدد القبضة على المؤسسات الإعلامية.

وشدد تبون خلال اجتماع مجلس الوزراء الأحد على منح الأولوية لتطوير التلفزيون والإذاعة الوطنيين ضمن هذا المشروع الإعلامي حتى يكونا قاطرة لتجديد المشهد السمعي البصري في الجزائر. وأعطى تعليمات لاستدراك التأخر المسجل في قطاع الاتصال على جميع المستويات بالنظر إلى الديناميكية المميزة التي تشهدها الكثير من القطاعات الحكومية. وأعلنت السلطات في فبراير الماضي عن مشروع إنجاز مدينة إعلامية جزائرية اسمها "دزاير ميديا سيتي" وتضم أهم الفاعلين والأنشطة الإعلامية.

ويشير الاهتمام الرسمي بهذه المدينة إلى أن السلطات الجزائرية تريد أن يلعب الإعلام التابع للحكومة دوراً أكبر في صناعة الرأي العام، وبالمقابل وضع الإعلام الخاص تحت عباءة الحكومة، عبر القانون الذي تم إقراره الأسبوع الماضي وأثار ضجة واسعة بسبب القيود التي تتضمنها، بهدف أن يسير الإعلام الخاص بنفس توجه الإعلام الحكومي في إطار الحرب الإعلامية الخارجية خصوصا في ظل تغير لعبة المحاور والمصالح والاصطفاف الدولي.

وأقر البرلمان الجزائري قانونا جديدا يشدد الرقابة على وسائل الإعلام ويفرض عقوبات مشددة على الانتهاكات. ومن أبرز بنود القانون إلزامية حصول الصحافيين على “اعتماد” من أجل العمل في الجزائر لصالح وسائل إعلام أجنبية، كما يفرض عليهم أيضا التصريح بمصادرهم أمام القضاء إن طلب ذلك. واستبعد القانون الجديد مزدوجي الجنسية من حق امتلاك أو المساهمة في ملكية وسيلة إعلام في الجزائر.

محمد بوسالمي: الجزائر تملك كل الإمكانيات لتجسيد مشروع يهدف إلى مواكبة ما يشهده قطاع تكنولوجيات الإعلام
محمد بوسالمي: الجزائر تملك كل الإمكانيات لتجسيد مشروع يهدف إلى مواكبة ما يشهده قطاع تكنولوجيات الإعلام

وجاء القانون المثير للجدل، بعد تعهدات للحكومة في العديد من المناسبات بتحسين أوضاع الصحافة في البلاد، وتطوير القطاع الإعلامي بما يتوافق مع التحديات التي تعيشها هذه الصناعة في الجزائر ومختلف أنحاء العالم، إلى جانب توفير ظروف أفضل لقيام الصحافة بدورها في مناخ من الحريات، لكن القانون الجديد أجهض أحلام الصحافيين الذين انتظروا أن تفي الحكومة بتعهداتها.

وتمارس الحكومة سياسة العصا والجزرة في التعامل مع الصحافيين، فقد ربطت تطوير القطاع وتخصيص ميزانية كبيرة لإنشاء مدينة إعلامية تفتح المجال لتحسين أوضاع القطاع، بقيود على الاستثمار الإعلامي والتمويل عبر القانون الجديد.

وتعتبر السلطات أن مشروع "دزاير ميديا سيتي" من شأنه أن يسمح “بتوفير بيئة مهنية تستند إلى المقاييس والمعايير الدولية وتشجع ممارسة النشاط السمعي البصري من خلال نوعية أفضل لخدمات تلفزيونية وإذاعية كفيلة بالمساهمة في الترويج لصورة الجزائر".

وقدم وزيرا الاتصال محمد بوسليماني، والسكن والعمران والمدينة محمد طارق بلعريبي، عرضا لافتا حول مشروع المدينة خلال اجتماع للحكومة، وأشارا إلى أن هذه المنشأة تشتمل على إقامة أستوديوهات لقنوات تلفزيونية وإذاعية عمومية وخاصة، والنقل الآني الذي يضمن البث عبر أحدث المنصات التكنولوجية، مع مركز بيانات كبير يقوم على أساس الذكاء الاصطناعي.

ومن المقرر بالإضافة إلى ذلك إنشاء منطقة حرة لاحتضان منصات المتعاملين الدوليين للشبكات الاجتماعية التي ستستعمل هذا الجسر لإيصال محتوياتها إلى أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا. وأوضح بيان اجتماع الحكومة أن من شأن هذا المشروع توفير بيئة مهنية تستند إلى مقاييس ومعايير دولية، وتشجع ممارسة النشاط السمعي البصري، من خلال نوعية أفضل لخدمات تلفزيونية وإذاعية كفيلة بالمساهمة في الترويج لصورة الجزائر.

وتم تخصيص 42 هكتارا لإنجازه، وأبرز البيان أن الهدف من هذا المشروع هو إحداث التكامل بين المؤسسات في ميدان البث وحاويات الإنتاج في الأستوديوهات من مدينة الإعلام.

وقال بوسليماني إنه سيتم في مرحلة أولى إنشاء محطة أستوديوهات، مشيرا إلى أن الجزائر تملك كل الإمكانيات لتجسيد هذا المشروع الذي يهدف إلى مواكبة التقدم الذي يشهده قطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال في العالم. وتضطر القنوات التلفزيونية في الجزائر إلى التمركز في منشآت ومناطق غير مناسبة بالضرورة لممارسة العمل التلفزيوني والسمعي البصري.

وتصب هذه الجهود في الهدف العام المتمثل بتعزيز حضور الإعلام الحكومي وسيره التام وفق نهج السلطة، وقد بدأ العمل على هذا الهدف منذ فترة مع تأسيس قنوات تلفزيونية جديدة ذات موضوعات منوعة.

وأشرف رئيس الحكومة الجزائري أيمن بن عبدالرحمن في 25 مايو 2022 على إطلاق القناة البرلمانية التي اعتبرها “صرحاً إعلامياً يأتي لتصويب الاختلالات التي ظل يُعاني منها الاتصال المؤسساتي للبرلمان بغرفتَيه". واعتبر بن عبدالرحمن أن “التحديات التي يواجهها الفضاء الإعلامي الوطني في ظل تنوع أدوات الإنتاج وتعدد منصات البث، وتغيير أنماط متابعة الأخبار واتساع استخدامات الصورة وتأثيرها، يُحتم مراجعة ترسانته القانونية وتطور خدمته العمومية، تماشياً والديناميكية التي تعرفها الجزائر".

◙ الحكومة الجزائرية تمارس سياسة العصا والجزرة مع الصحافيين، فقد ربطت تطوير القطاع بقيود على الاستثمار الإعلامي

من جهته، قال بوسليماني إن "القناة البرلمانية من شأنها تقوية دور الإعلام المؤسساتي، إذ تتبع المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، ومن مهماتها تسليط الضوء على مختلف النشاطات البرلمانية وتعزيز العمل الرقابي على الهيئة التنفيذية والتعريف بالدبلوماسية البرلمانية".

كما أطلقت الجزائر العام الماضي قناة "الذاكرة" التي تُعنى بتاريخ الجزائر تزامناً مع تخليد الذكرى السادسة والستين لاندلاع الثورة التحريرية (1930 - 1962). وقالت الحكومة حينها إن القناة ستكون "دعامة أساسية" للدفاع عن "الأمن الإعلامي" للبلاد في بُعـده المتعلق بالذاكرة والتاريخ الوطني، كما ستكون "سدا منيعا في وجه محاولات طمسه، بل وتزويره وتشويه ثورتنا ومقاومتنا الشعبية والحركة الوطنية ورموزها".

وقبلها جرى إطلاق أول قناة إخبارية تهتم بالشأن الدولي بثلاث لغات (العربية، الفرنسية والإنجليزية) تحت اسم "قناة الجزائر الدولية" (AL 24 news) وتهدف هذه القناة التلفزيونية إلى "إسماع صوت الجزائر في الخارج وأن تكون واجهتها في العالم".

كما يأتي تعزيز حضور الإعلام الحكومي في ظل التحولات التكنولوجية والرقمية وتغير واضح في عادات الاستهلاك الجديدة للجزائريين للمضامين على منصات التواصل الاجتماعي، إذ بات الجمهور أكثر انجذاباً لصيغ معالجة المحتوى بخدمات الإنفوغرافيا والفيديو، وكذلك المحتويات الإعلامية متعددة الوسائط، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال نسبة المشاهدات التي تُحققها المحتويات المبتكرة.

وكشفت إحصاءات أن عدد مستخدمي الإنترنت في الجزائر بلغ 27.28 مليون مستخدم، من بينهم 26.60 مليون مستخدم للشبكات الاجتماعية، ما يعني أن التحدي رقمي بالأساس.

5