جينوار.. قرية للنساء المهمشات في سوريا

تعيد النساء السوريات النازحات جراء الحرب والعنف الزوجي في القرية الواقعة في الجزء الغربي من منطقة الدرباسية في شمال شرق سوريا بناء حياتهن من جديد، حيث توفر لهن القرية ملاذا آمنا فيه يعشن وفيه يشتغلن ويربين أطفالهن، وليس بإمكان الرجال العيش في القرية التي خصصت للنساء فقط وبنيْنها بمفردهن. كما بوسع الأطفال الذكور الذين يعيشون مع أمهاتهم البقاء في القرية حتى يوم زواجهم.
دمشق - إنه عالم نسائي صرف في هذه القرية الواقعة بالمنطقة الكردية في شمال شرق سوريا حيث تجد مجموعة من النازحات بسبب الحرب والعنف المنزلي ملاذا آمنا ويُعدن بناء حياتهن. وكلمة جينوار، اسم القرية الواقعة في الجزء الغربي من منطقة الدرباسية في شمال شرق سوريا، تعني “مساحة للنساء” باللغة الكردية.
وتم بناء القرية عام 2018، وتضم 30 منزلا، وتستضيف 20 أسرة من النساء والأطفال. وتوجد في جينوار مدرسة وأكاديمية تدريب ومخبزة وبعض الحقول التي تزرعها النساء، والعديد من الحيوانات.
وبوسع الأطفال الذكور الذين يعيشون مع أمهاتهم البقاء في القرية حتى يوم زواجهم. ومن بين سكان قرية المرأة، ياسمين أحمد البالغة من العمر 33 عاما، والتي غادرت حلب بعد طلاقها واتجهت إلى القامشلي حيث سمعت بالقرية التي تعيش فيها الآن منذ ما يقرب من 15 شهرا مع ابنتها الرضيعة.
وقالت ياسمين لتلفزيون رويترز "أنا هنا في قرية المرأة منذ سنة وثلاثة أشهر (..)، أنا غادرت حلب بعدما تم الانفصال بيني وبين زوجي. خرجت من حلب وأتيت إلى قامشلي. وهناك حكوا لي عن هذه القرية وقالوا لي إن هناك قرية اسمها قرية المرأة، وهي مناسبة لي ولابنتي، يعني قرية فيها أمان وفيها مثلا أنني أستطيع أن أشتغل، أو أن أتعلم حرفة، حتى أنه يمكنني أن أواصل دراستي. لقد أعجبتني هذه الفكرة".
وفي جينوار أوضحت ياسمين أنها حصلت على فرصة جديدة للحياة لأنها تربي طفلتها بشكل مستقل وتطور مهاراتها. وأضافت "يعني تغيرت كثيرا في هذه الفترة وأصبح هناك فرق بين ما كنت عليه وما أصبحت فيه؛ هناك فرق كبير، لقد أصبح عندي هدف. وصار عندي طموح. وأصبحت قادرة على أن أؤسس حياتي من جديد من دون تدخل ومن دون أن يتحكم في أي أحد. هدفي أن أربي ابنتي دون تدخل أي أحد".
◙ القرية تم بناؤها عام 2018، وتضم 30 منزلا، وتستضيف 20 أسرة من النساء والأطفال، وفيها مدرسة وأكاديمية تدريب
وتنضم ياسمين إلى عشرات النساء في القرية، حيث يقضين أيامهن في العمل نهارا، وتهتم النساء أكثر بزراعة الأرض. وعن ذلك تقول “يعني حتى هذا أفادني؛ لقد أصبحت عندي خبرة في الزارعة والحصاد، لقد صارت عندي محبة للأرض، يعني صرت هكذا أحس بشعور حلو. عندما أقوم بزراعة شيء وتنجح التجربة أستفيد منها وأشعر براحة نفسية كبيرة".
وتوضح القروية روكان يوسف (30 عاما)، زميلة ياسمين، أنها تعرضت للعنف المنزلي أثناء زواجها وتعمل الآن في مخبزة جينوار وتساعد النساء الأخريات على زراعة الأرض. وقالت "من خلال تجربتي مع زوجي تعرضت كثيرا للظلم والعنف، ولم أتحمل".
وأضافت “هنا وجدت ذاتي، يعني قويت إرادتي أكثر، لقد أصبحت أتعاون مع النساء، نساعد بعضنا البعض في كل شيء..، مثلا نذهب إلى الفرن ونخبز سويا. الحمد لله أصبحت الحياة حلوة، ‘صرت أنا’. كنت بحاجة إلى هذه الأجواء، وبحاجة إلى أن أجد هذه المحبة التي فقدتها من قبل".
وقالت روكان روجدا، مديرة قرية جينوار، “اليوم تركنا وراءنا عشر سنوات من الحرب أو أكثر. وعندما نسمع كلمة الحرب أول ما يتبادر إلى ذهننا الدمار والخراب والآلام والتهجير، وإلى آخره من الأمور التي تكسر خواطر الإنسان. طبعا في الحروب بشكل عام تكون الضحية المرأة والأطفال".
وأضافت "شاركت النساء في بناء القرية. ولنا أرشيف يوثق كيف اشتغلت النساء، وجهزن البناء، فقد تعلمنا الاعتماد على الذات. قبل اتخاذ قرار بناء هذه القرية كان هدفنا أن نعتمد على ذواتنا؛ نبني قريتنا بعرق جبيننا حتى تفوح منها رائحة المرأة". وأوضحت روجدا أنه لا يُسمح للرجال بالعيش في جينوار المخصصة للنساء فقط، لكن يمكنهم زيارة القرية.
وضجت الحرب السورية ولا تزال بكم من المآسي، فعلى ضوء الظلم والنزوح والجوع والحرمان غدت المرأة السورية إحدى أبرز ضحايا تداعيات الحرب القائمة منذ نحو عقد من الزمن، حيث ضاعت معظم حقوقها وأثقلت كاهلها المعاناة.
وسلط تقرير أعده المرصد السوري لحقوق الإنسان الضوء على تلك المعاناة، لاسيما تعرض النساء النازحات إلى "الابتزاز الجنسي" ضمن مختلف المناطق السورية من قبل أصحاب السلطة والعاملين في الجمعيات الخيرية المحلية، وبنسبة أقل في المنظمات الإغاثية المدعومة، وذلك مقابل خدمة ما أو الحصول على مواد غذائية إضافية أو خدمات أخرى بطريقة غير مشروعة، أي أنها لا تتناسب مع معايير المنظمات التي ترفض تقديم الإعانات إلى امرأة تعيش وحدها دون أولاد.
نقل المرصد عن نازحة من ريف حماة، تدعى (م.ع) ولديها 3 أطفال، أنها تعرضت للاستغلال الجنسي من قبل أحد العاملين في مخيمات حارم في الشمال السوري، بعد تقديم عدة شكاوى بسبب حرمانها من المواد الغذائية بحجة أنها قد سجلت بياناتها حديثاً.
وكشفت أن جارة لها نصحتها بأن تتواصل مع الموظف عبر تطبيق واتساب، كي يستجيب لها. وبعد أن تواصلت معه عدة مرات طالبها بمقابلته، وتورطت معه بإرسال صور غير لائقة عبر التطبيق، بعدما وعدها بالزواج وتربية أطفالها، وفي هذا الوقت أصبحت تأخذ مخصصاتها، إضافة إلى مساعدات أخرى لم تكن توزع في المخيم الذي تسكن فيه، وبقي الحال على ما هو عليه إلى أن غادر المخيم بعد قبوله في منظمة إغاثية أخرى وانتقل إلى مدينة إعزاز شمالي حلب، لتكتشف بعد ذلك أن وعوده كاذبة.
وكان العنف الموجه ضد المرأة ومازال كبيرا في سوريا. فحسب مصادر لمنظمة الأمم المتحدة تأثر 13.5 مليون سوري خلال الأزمة السورية، من ضمنهم 4.1 مليون امرأة وفتاة لديهن القدرة على الإنجاب، بالإضافة إلى أن 48 في المئة من اللاجئين السوريين الذين سجلتهم هيئة الأمم المتحدة هم من النساء أيضا. والسوريون الذين يبلغ عددهم 1.521، الذين لقوا حتفهم في أغسطس الماضي، حسب الشبكة السورية التابعة لمنظمة هيومن رايتش ووتش، هم من النساء والأطفال.
◙ على ضوء الظلم والنزوح والجوع والحرمان غدت المرأة السورية إحدى أبرز ضحايا تداعيات الحرب القائمة منذ نحو عقد من الزمن
وعلى مدى أكثر من عقد أودى الصراع الذي طال أمده في سوريا بحياة عدد لا يحصى من الأرواح، وشرد الملايين داخل البلاد وخارجها، وترك معظم بنيتها التحتية في حالة يرثى لها.
وتعثرت جهود الوساطة الدولية الرامية إلى إنهاء الصراع تعثرا كبيرا، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى تجاهل الوسطاء الرسميين للديناميكيات المحلية التي تساعد في تأجيج الأزمة. ويجعل ذلك من جهود الوساطة المحلية التي تسعى إلى فض النزاعات بين المجتمعات وداخلها ومعالجة الشواغل المحلية حاجة ملحة لتعزيز جهود السلام الرسمية التي يقودها الفاعلون الوطنيون.
وفي السنوات الأخيرة، ومنذ بداية الثورة، بدأت المرأة السورية تلعب دورا مهما في الحراك السياسي السوري، حتى أصبحت الكثيرات منهن يحملن السلاح ويدافعن عن مصير الثورة.
كما لعبت النساء السوريات دوراً فعالاً في التوسط في مختلف النزاعات التي أثرت على مجتمعاتهن. وتعمل معظم النساء السوريات الوسيطات بصفتهن “وسيطات من الداخل”، أي أن لهن صلة بالنزاع ويُنظر إليهن على أنهن جديرات بالثقة وذوات مصداقية من قبل الأطراف المتنازعة. و”كوسيطات من الداخل”، تُظهر النساء نقطتين قويتين ثابتتين: قدرتهن على إنشاء العلاقات أو الاستفادة منها، وامتلاكهن لمعرفة دقيقة بالنزاع وأطرافه.
وتُظهر الأبحاث في المنطقة أن النزاع غالبًا ما يغير الأدوار الاجتماعية المنسوبة إلى النوع الاجتماعي، ما يمكّن النساء من لعب دور أكثر وضوحًا في عمليات الوساطة المحلية. وهذا هو الحال بشكل خاص في سوريا، حيث أدت القيود المفروضة على حركة الرجال وخطر الاعتقال إلى خلق فرص للنساء للمشاركة في مفاوضات حول قضايا حاسمة تتراوح بين تقديم الخدمات ووقف إطلاق النار.