باريس عاصمة فن الطبخ منذ القرون الوسطى

معرض بالعاصمة الفرنسية ينقل زواره في رحلة عن تاريخ المطبخ الفرنسي منذ القرون الوسطى حتى أيامنا هذه.
الجمعة 2023/04/14
أنوار وموضة وطهي

قبل أن تصبح باريس عاصمة الموضة والثقافة كانت أيضا عاصمة عالمية لفنون الطبخ ولا تزال، ويظهر ذلك من خلال معرض لصور وحكايات شهادات تعكس الخبرة الواسعة في هذا المجال.

باريس - يروي معرض ينطلق الخميس في باريس قصة مدينة فرضت نفسها منذ القرن العاشر عاصمة عالمية لفن الطبخ، مع شهادات تعكس الخبرة الواسعة في هذا المجال، وصور وحكايات غذتها على مدى عقود الهالة الرومانسية والشعبية والحريات التي تتمتع بها العاصمة الفرنسية.

هذا المعرض الذي يقام في مقر لا كونسييرجري الملكي السابق في باريس، ينقل زواره في رحلة عن تاريخ المطبخ الفرنسي منذ القرون الوسطى حتى أيامنا هذه.

ويقول الصحافي المتخصص في المطبخ فرنسوا ريجيس غودري، أمين المعرض الذي يستمر حتى السادس عشر من يوليو، إن “باريس لا تحتكر فن الطهو في العالم، إذ ثمة منافسة قوية تدور منذ عقود مع مدن أخرى، على غرار نيويورك ولندن وطوكيو، التي تضم عددا أكبر من المطاعم الحائزة على نجوم في دليل ميشلان”.

ويوضّح المؤرخ برونو لوريو، رئيس المجلس العلمي للمعهد الأوروبي لتاريخ وثقافات التغذية، أن “فنون المائدة برزت بسبب مشاركة الطعام مع الجيران”، مضيفا أن الوجبات خلال الاحتفالات في أوائل العصور الوسطى كانت فقيرة نسبيا ولا توضع في أطباق، بل كان “الطعام يوضع على شريحة من الخبز، ويقدم على ألواح خشبية أو معدنية”.

ويقول المؤرخ لويك بييناسي إن “صحن الطعام الفردي لم يظهر في الغرب حتى القرن السادس عشر. وبالنسبة للشوكة، فقد تأخر استخدامها مدة أطول، حيث ظهرت خلال عصر النهضة في إيطاليا، لكنها لم تصل إلى النخب الفرنسية إلا في القرن الثامن عشر، وقد تم استخدامها في البداية بشكل مشترك، ثم أصبحت لاحقا أداة فردية”.

باريس بدأت تحتل مكانة خاصة في تاريخ الطبخ منذ القرن الثامن عشر، إذ كانت تُنشر فيها كل كتب الطبخ الجديدة

مع ذلك، وكما يظهر في المعرض الذي يحمل عنوان “باريس، عاصمة فن الطهو من العصور الوسطى حتى يومنا هذا”، فإن العاصمة الفرنسية تتمتع “بمكانة فريدة، بوصفها نقطة حفظ لتراث الطعام العالمي، وأيضا مختبرا” يضم أفضل مدارس المطبخ التي تجذب المواهب الشابة من جميع أنحاء العالم.

ويضيف غودري “هم يأتون لتعلم أساسيات الطهي، على أن يعودوا إلى بلدانهم ليقدموا تجربتهم الخاصة”.

من قوائم الطعام المفصّلة إلى أدوات المائدة المعقدة… يقدّم المعرض شهادات عن الخبرة الفرنسية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ستة قرون.

ويقول فرنسوا ريجيس غودري إن “مأدبة الملك شارل الخامس عام 1378، التي أشرف عليها الطبّاخ الكبير تايفان، تُظهر أن القرون الوسطى كانت تضم فن طهو راقيا، وليس فقط مطبخا غنيا بالتوابل التي كانت تُستخدم لإخفاء طعم اللحوم الفاسدة”.

ومع ذلك، فإن التفوق الفرنسي في فن الطهو حديث نسبيا، وهو يعتمد بدرجة كبيرة على الصورة المرسخة عن العاصمة الفرنسية في المخيلة الجماعية، ولكن أيضا على ترويج ذكي، على ما يقول برس لويك بياناسي، المؤرخ في المعهد الأوروبي لتاريخ ثقافة الغذاء في مدينة تور الفرنسية.

وقد بدأت باريس تحتل مكانة خاصة في تاريخ الطبخ منذ القرن الثامن عشر، إذ كانت تُنشر فيها كل كتب الطبخ الجديدة، وشهدت تطوير ابتكارات غذائية استحالت من أشهر الأطعمة، كخبز الباغيت والكرواسان… إضافة إلى أطعمة يوحي اسمها بأنها من مناطق فرنسية أخرى، بينها طبق لحم بقر بورغينيون وصلصة البيارنيز.

لكن ما الذي يميز باريس عن غيرها من العواصم الأوروبية؟

يوضح المؤرخ أن “في البلدان البروتستانتية، كان أي ترويج للطعام الجيد سيواجه مجموعة كاملة من المحاذير الثقافية والنفسية، ما منع مدنا مثل لندن وأمستردام من الاستحواذ على هذه المكانة”.

ومع ذلك، فإن فن الطبخ الإنجليزي “لم يكن مرذولا، بل على العكس تماما”، إذ كانت أطباق لحوم البقر تحظى بتقدير خاص في باريس نظرا للجانب الذكوري المرتبط بها في القرن التاسع عشر.

وباعتبارها أول دولة صناعية، دخلت بريطانيا “بسرعة كبيرة عصر الحداثة في مجال الطعام” من خلال التخلي عن منتجات الأراضي المحلية.

وفي مواجهة إسبانيا وإيطاليا، استفادت “النزعة المركزية الفرنسية” من نفوذ المطبخ الفرنسي، وفق المؤرخ.

لكن ظهور مفهوم المطعم الذي رأت قواعده الحديثة النور في باريس (طاولات فردية، قائمة طعام، فاتورة)، “هو الذي رسّخ هذه المكانة، إذ بات في إمكان أي زائر أجنبي تذوق المأكولات الباريسية”.

وقد شكّلت المطاعم مواقع أساسية في الحياة السياسية والثقافية، وبقيت حتى مطلع القرن العشرين مرتبطة بـ”الغرف الخاصة”، وهي أسرّة أو أرائك غير ظاهرة في المطاعم مخصصة للعشاق أو للأشخاص الذين يقيمون علاقات مع غير أزواجهم. ويعيد المعرض الباريسي تشكيل هذه الغرف التي تُقدّم أيضا عبر رسمات أو قوائم طعام عليها رسوم جريئة.

ويلفت لويك بياناسي إلى أن “هالة باريس المطبخية تستمد وهجها من كل ما يغذي المخيلة العامة، وهالة التحرر جزء من ذلك. هذه المخيلة التي روج لها الأدب كانت سائدة” في القرن التاسع عشر.

18