الزلابية.. حلوى تونسية تحضر وتغيب مع رمضان

تطغى حلوى “الزلابية” على اختيارات سهرات التونسيين بمختلف أذواقهم، فمن الأحياء الشعبية إلى الراقية مرورا بالأسواق والمحلات الصغرى، تنتشر أكوام الزلابية بلونها الأصفر الذهبي، متراصة بانتظام في أكداس صغيرة على الصواني، يحث يقبل عليها الصائمون لتحلية السهرة.
تونس ـ بشكلها الدائري المتشابك ولونها الذهبي تتربع “الزلابية” على عرش حلويات شهر رمضان لتزين موائد وسهرات أغلب العائلات في تونس، التي تتناولها عندما تجتمع للسهر أو تبادل الزيارات، حيث تتعالى أصواتها ضاحكة، فيما تمتد أيادي أفرادها بين الفينة والأخرى، لاستراق القطع الذهبية مستمتعين بقضمها، قبل أن يغزو الأطفال المكان، فتطير القطع ذات الأشكال المختلفة وكأنها حروف صينية أو يابانية من الطبق.
وتشهد الزلابية وهي من الحلويات الشعبية، إقبالا غير مسبوق في شهر الصيام، إذ ارتبطت به ارتباطا وثيقا وأصبحت سرا من أسراره على المائدة التونسية.
وعرفت مدينة نابل شرق العاصمة تونس بحلويات الزلابية التي تقدم في “محابس” (أوان فخارية) مصنوعة من الفخار الذي تتميز به المدينة.
وعن تاريخ وأصل حلوى الزلابية، تقول الرواية الأكثر شيوعا أن أصلها من الأندلس، في عهد جد أبي عبدالله محمد الثاني عشر، الشهير ببوعبديل، أمير غرناطة، الذي طلب من الطهاة تحضير حلوى لفض الصيام، فراحوا يتنافسون على صنع حلوى غنية ولذيذة.
أما عن أصل حلوى الزلابية، فيقال إنه من بلاد المغرب العربي، وتحديدا الجزائر وتونس، فيما يقول البعض إن اختراعها جاء من خلال حلواني تركي اخترعها عندما أخطأ في مقادير عجينة “الخبز” فأصبحت سائلة، فقام بقليها وتغطيسها في العسل.
الزلابية قدمت من الشرق وهناك من يقول إنها تعود إلى عهد الدولة العباسية. كما أن هناك من يؤكد أنها تعود إلى الدولة العثمانية
لكن الوقت داهم أحدهم بعد أن اخترع وصفة جديدة، وفي طريقه إلى بلاط السلطان، زلت قدمه فسقط طبق الحلوى، فراح يصيح “زلت بي”، ففرح السلطان بهذه الحلوى، وسماها “الزلابية”، تيمنا بجملة الطاهي المرحة.
يقول يحيى الغول، أستاذ التاريخ المعاصر والمختص في تاريخ محافظة نابل، إن “من عناصر التراث الأصيل لمدينة نابل في شهر رمضان حلويات الزلابية ومدفع الإفطار الذي يؤذن ببدء الإفطار، فضلا عن الصف وهو عبارة عن استعراض يقوم به جنود وسط المدينة”.
ويضيف الغول “كانت حرفة صناعة الزلابية بيد ثلاث عائلات نابلية، أهمها عائلة النجار التي توارثت المهنة أبا عن جد وأصبحت عنوانها ويأتيها الزوار من بعيد لشراء هذه الحلوى”.
ويتابع “ما جعل عائلة النجار متأصلة في هذه الحرفة هو أن الزلابية التي تعدها لها مذاق وشكل لا مثيل له يميزها عن غيرها، حتّى إنها أصبحت فريدة من نوعها”.
ويقول المؤرخ التونسي “لو عدت حتى بعد 10 سنوات إلى هنا لأتذوق زلابية نابل سأجدها كما هي بنفس المذاق. فيها أسرار لا يعرفها سوى من يتقنها ويحافظ عليها على مدى عصور، وهذا ما جعل عائلة النجار متجذرة في تاريخ إعداد هذه الحلوى”.
وحول تاريخها يقول الغول إن “الزلابية قدمت من الشرق وهناك من يقول إنها تعود إلى عهد الدولة العباسية. كما أن هناك من يؤكد أنها تعود إلى الدولة العثمانية”.
وكان باي تونس يتلقى في شهر رمضان هدية مقدمة من عائلة النجار النابلية متمثلة في حلويات الزلابية، حسب المؤرخ التونسي.
ومنح الباي حينها لهذه العائلة العريقة شهادة كفاءة وأخرى تثبت أن حلوياتها مطابقة لكل الشروط الصحية.
وكانت حينها الزلابية تشد الرحال من مدينة نابل إلى “الحاضرة” تونس العاصمة على قافلة من الجمال وتملأ في محابس مصنوعة من الفخار النابلي، لتتوجه إلى قصر باردو أو قصر المرسى حيث كان يقطن بايات تونس.
ويقول التونسي أنور النّجار، وهو في متجره بصدد إعداد الحلويات الشهيرة، إن “الزلابية حلويات شعبية يختص بها شهر رمضان دون غيره وتستمد شعبيتها من أنها تزين موائد كل التونسيين دون استثناء، وتقدم عند الزيارات وفي المناسبات والسهرات الرمضانية كما توزع في الجوامع”.
ويضيف النجار “توضع الزلابية في أوان فخارية مغلفة من الداخل بورق صحي وتغلق جيدا حتى تحفظ لوقت أطول وتحافظ على قرمشتها ومذاقها الأصلي”.
وورث أنور النجار هذه المهنة عن أجداده، ويشير إلى أن “زلابية النجار سافرت إلى عدة بلدان وشاركت في عدة تظاهرات طبخ دولية”.
ويقول “كانت لعمي عبدالقادر النجار مشاركات في عدة معارض دولية في كل من فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا وبلجيكا للتعريف بصناعة الزلابية”.
وعن طريقة تحضيرها، يتحدث النجار قائلا “يتم أولا خلط المكونات المتمثلة في الدقيق والكركم والماء والخمائر حتى نحصل على عجينة نتركها جانبا لمدة ثلاثة أيام مع مراقبتها باستمرار حتى تتخمر”.
وبعد انقضاء المدة يتم إخراج الهواء والغازات من العجينة لتصبح قابلة للقلي وهنا يكمن سر الحصول على زلابية أصيلة، كما يوضح صانع الحلويات التونسي.
ولعل أبرز ما يميز الزلابية التونسية أن أسعارها شعبية بمتناول الجميع مقارنة ببقية الحلويات.
ويقبل التونسيون من كل أنحاء البلاد على زلابية نابل، فهناك من يشتريها يوميا والبعض يقتني كمية كبيرة تكفيه عدة أيام، فيما يفضل آخرون تقديمها عند الزيارات والضيافات.