عُمان على مشارف فورة تكرير مع بدء تشغيل مصفاة الدقم

قطعت سلطنة عُمان خطوة كبيرة باتجاه تعزيز قدراتها الإنتاجية من المشتقات النفطية بعدما دشنت التشغيل التجريبي في مصفاة الدقم، أحد أبرز الاستثمارات التي تراهن عليها مسقط في تعريز صناعة الطاقة والخدمات اللوجستية في إطار خطط تنويع الاقتصاد.
الدقم (عُمان) - وضعت الحكومة العمانية قدما باتجاه تنمية صناعة التكرير من خلال بدء التشغيل التجريبي لوحدة تقطير النفط الخام في مصفاة الدقم في خطوة تمهد للوصول إلى جاهزية التشغيل لجميع وحدات المصفاة.
وتتطلع صناعة النفط في البلاد إلى زيادة قدرات التكرير من أجل تلبية الطلب المتزايد على الوقود، والتوسع في صادرات المشتقات النفطية بدلا من بيع النفط الخام.
وكانت مسقط قد استهدفت تدشين المصفاة في البداية مطلع عام 2020، ولكن تم تأجيل ذلك بسبب الأزمة الصحية وتداعيات الإغلاق الاقتصادي المنجر عنها.
ولا يتوقع معظم تجار النفط الذين يغطون منطقة الشرق الأوسط الشحنات الأولى من المصفاة حتى نهاية عام 2023 على الأقل، حيث ستكون وجهة المشترين وخاصة الأوروبيين مصوبة نحو سلطنة عمان كما هو الحال مع باقي مصافي منطقة الخليج العربي.
ويثير الحظر الأوروبي على كافة أنواع الوقود الروسي تقريبا تدافع بلدان الاتحاد بحثا عن بدائل سريعة، ليس أقلها من منطقة الخليج العربي، التي ستستغل الفرصة لجني عوائد أكبر من بيع المشتقات النفطية.
وتواجه دول الخليج تحديات من أجل زيادة طاقة الإنتاج للإيفاء بالطلب الأوروبي وفق حصة من المرجح أن تكبر مع مرور الوقت ما دام النزاع في شرق أوروبا قائما لفترة أطول.
ومن هذا المنطلق تطمح مسقط إلى استكمال عمليات تشغيل المشروع الضخم بشكل كامل في أسرع وقت ممكن ووفق المعايير الدولية المعمول بها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من بيع المواد المكررة.
وتكمن أهمية سلطنة عمان في الشرق الأوسط والعالم في امتلاكها احتياطات نفطية مؤكدة تبلغ حوالي 5.4 مليارات برميل، ما يضعها في المرتبة الثانية والعشرين عالميا ويساعدها في زيادة قدرتها على التكرير.
وتعتبر مصفاة الدقم، التي كلف تشييدها 7 مليارات دولار، جزءا من منطقة صناعية بدأت مسقط ببنائها وتضم مشاريع نفطية وتكريرية وبتروكيماوية وأخرى صناعية ولوجستية لأغراض التعبئة والتوزيع والتسويق.
ومنطقة الدقم الصناعية التي تبعد حوالي 550 كيلومترا عن العاصمة مسقط أكبر مشروع اقتصادي منفرد في السلطنة، وهي تأتي في إطار جهود البلاد لتنويع موارد اقتصادها وتقليص اعتماده على إيرادات النفط.
وتبلغ الطاقة التكريرية للمصفاة، التي يديرها مشروع مشترك بين شركة النفط العمانية وشركة البترول الكويتية العالمية، وتقع على مساحة 900 هكتار، حوالي 230 ألف برميل يوميا.
ويعتمد تصميم المصفاة على وحدة التكسير الهيدروجيني ووحدة الفحم البترولي، وستنتج عند تشغيلها الغاز البترولي المسال، والنافثا ووقود الطائرات والديزل والكبريت، إضافة إلى الفحم البترولي.
وأكد هلال الخروصي الرئيس التنفيذي للقطاع التجاري والمصافي والبتروكيماويات بمجموعة أوكيو أنه تم تشغيل جميع الوحدات المساندة في المشروع الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 97.5 في المئة.
230
ألف برميل يوميا طاقة إنتاج المصفاة والتي من المرجح أن تصل إلى 500 ألف برميل يوميا
وأوضح الخروصي وهو رئيس مجلس إدارة المصفاة في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العمانية الرسمية أن التشغيل التجريبي لمصفاة الدقم يمر بعدة مراحل قبل الوصول إلى الطاقة القصوى، ومن ثم التشغيل التجاري الذي يتوقع أن يكون في نهاية العام الجاري.
وأضاف أن “الشركة دأبت على تنفيذ عدد من التجارب، التي هدفت إلى تقييم كفاءة خطة الاستجابة المتكاملة للطوارئ ونظام التعامل مع حالات الطوارئ، إضافة إلى تقييم أنشطة مكافحة الحرائق والإنقاذ واحتواء المواد الخطرة والإجراءات الأمنية المتبعة”.
وترتكز رؤية الحكومة لمصفاة الدقم على أن تصبح شركة تكرير بمستوى عالمي، ما يعزّز النمو الاقتصادي وقدرات إنتاج المشتقات النفطية في البلد الخليجي لتتجاوز 500 ألف برميل يوميا، ما يجعل مسقط على مشارف طفرة في هذه الصناعة.
ويواكب التشغيل التجريبي التقدم المحرز في مشروع رأس مركز لتخزين النفط الخام أحد مشاريع أوكيو الذي انتهت أعمال المرحلة الأولى الإنشائية الأساسيّة منه، واستقبل سفينتين من النفط الخام بنجاح.
كما أنه يتزامن مع الانتهاء من محطة الكهرباء والمياه التي ستعمل على تزويد مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية والشركة العمانية للصهاريج بالطاقة والمياه من خلال إنتاج 326 ميغاواط من الكهرباء و36 ألف متر مكعب من المياه الصناعية يوميا.
وواجه سوق النفط والغاز العماني تأثيرا سلبيا جراء الجائحة ومنذ توقفه عادت طفرة تكرير النفط وتسويقه وتوزيع المنتجات البترولية في المناطق الرئيسية مثل البريمي والباطنة ومسقط.و

تظهر بيانات لمركز الإحصاء العماني ارتفاع إجمالي منتجات مصافي البلاد بواقع 44 في المئة خلال أول شهرين من هذا العام على أساس سنوي.
ورجحت شركة غلوبال داتا لأبحاث السوق ومقرها لندن في تقرير نشرته قبل أشهر أن تقود مصفاة الدقم مصافي الشرق الأوسط في التحفيز التكسيري للسوائل مما يجعلها الأكثر كفاءة.
وتستخدم هذه العملية على نطاق واسع لتحويل الكسور الهيدروكربونية ذات درجة حرارة عالية والموجودة في زيت النفط الخام إلى بنزين وغازات أولفينية ومنتجات أخرى أعلى قيمة.
وتحتل منطقة الدقم المرتبة الثالثة عالميا في هذا المجال، ويُتوقع أن تسهم بنحو 17 في المئة من السعة العالمية لوحدة التحكم في الغازات بحلول عام 2026.
ومن المتوقع أن يسجل سوق النفط والغاز في السلطنة معدل نمو سنوي مركب يزيد عن 3.5 في المئة حتى العام 2027، وفق شركة موردر إنتليجنس للأبحاث.
ويقول محللون إن عوامل مثل التصنيع السريع وزيادة استخدام المنتجات البترولية المكررة مثل البنزين وغاز البترول المسال والغاز الطبيعي المضغوط في البلاد ستؤدي إلى دفع صناعة التكرير قدما.