الانفتاح المحتمل للأردن على إيران يراعي العلاقات مع الولايات المتحدة

علاقات عمان وطهران مرشحة للانفتاح أكثر مع ضرورة الموازنة والأخذ بعين الاعتبار علاقة المملكة مع الولايات المتحدة.
الأربعاء 2023/04/05
لقاءات "ودية" تمهد لانفتاح أكبر

عمان - يرجح محللون أن يبدد الاتفاق السعودي - الإيراني الفتور في العلاقات الأردنية - الإيرانية، لكن ذلك لن يكون على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة الداعم الرئيسي للمملكة الهاشمية.

وبوساطة صينية وقّعت السعودية وإيران في 10 مارس اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال أسبوعين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات، منذ أن اقتحم محتجون سفارة المملكة السعودية في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.

هذا الاتفاق سيدفع بطبيعة الحال نحو تطبيع عربي مع إيران. وباعتبار الأردن جزءا من المكون العربي، فإن الأمر بالنسبة إليه وارد ومحتمل، لكن عمّان ستحتاج إلى انتهاج سياسة توازن بين علاقتها بطهران من جهة وعلاقتها بواشنطن من جهة أخرى، في ظل الملفات الخلافية العديدة بين العاصمتين.

ولمدة عقدين شهدت العلاقات الأردنية - الإيرانية قطيعة، بعد دعم المملكة للعراق في حربه ضد إيران خلال ثمانينات القرن الماضي. وعقب قرار السعودية قطع علاقتها مع إيران في يناير 2016، تضامن الأردن مع جارته الجنوبية (السعودية) واستدعى سفيره من طهران في أبريل من العام نفسه "للتشاور" ولم يعد بعد ذلك، فيما احتفظت بتمثيل دبلوماسي بدرجة قائم بالأعمال.

وقبل أيام تناول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان اتفاق بلاده مع السعودية وإمكانية تطور العلاقات مع الدول العربية، ومن بينها الأردن. وقال أمير عبداللهيان، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، إنه أجرى مباحثات "ودية" مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال مشاركته في النسخة الثانية من قمة بغداد للشراكة والتعاون بالمملكة في ديسمبر الماضي.

وليد أبودلبوح: الأردن قد يجد نفسه مضطرا للانفتاح على إيران من منطلق سياسة الأحلاف
وليد أبودلبوح: الأردن قد يجد نفسه مضطرا للانفتاح على إيران من منطلق سياسة الأحلاف

وتابع أن "المملكة الأردنية محط اهتمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية للارتقاء بمستوى التعاون والأواصر معها.. وملك الأردن أعرب عن رغبته في زيارة طهران قريبا، وهو ما ترحب به الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

ولفت الوزير الإيراني إلى أن "سفارتي البلدين تواصلان مهامهما، وإيران لديها تمثيل (في عمّان) على مستوى القائم بالأعمال، مع ترحيبنا برفع الأواصر مع المملكة الأردنية إلى مستوى السفير". ولم يستبعد أكاديميون وخبراء أردنيون أن تشهد علاقات عمّان وطهران انفتاحا في المستقبل القريب، مع تأكيد ضرورة الموازنة والأخذ بعين الاعتبار علاقة المملكة مع الولايات المتحدة.

وقال أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية (حكومية) وليد أبودلبوح "أعتقد أن الأردن قد يجد نفسه إلى حد ما مضطرا إلى الانفتاح على إيران من منطلق سياسة الأحلاف التي يرتبط بها وخاصة الإقليمية منها، فكل دولة تتجه نحو مصالحها سواء كانت ظاهرة أو مستترة، وبشكل عام فتلك المصالح هي التي تشكل السياسة الخارجية".

وموضحا ما يقصده تابع أبودلبوح أن "الأردن في تحالف وثيق مع دول الخليج العربي وخاصة السعودية، وبالتالي فالخطوة المفاجئة والجريئة بين الرياض وطهران لن تبقِي المملكة الأردنية بمعزل عن الانفتاح كما بقية الدول الأخرى التي تربطها بإيران علاقات جيدة كالعراق والإمارات وقطر وسلطنة عُمان".

لكن الأكاديمي الأردني طرح تساؤلا مفتوحا حول مدى الانفتاح المتوقع بين بلاده وإيران وهو "هل سيكون هناك عمق أمني وسياسي أم سيقتصر الأمر على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي؟".

ولفت إلى أن "هناك مخاوف أردنية - سعودية مشتركة تجاه المد الشيعي (الإيراني)، لكن عندما تُعيد عمّان تمثيلها الدبلوماسي مع طهران، فإن ذلك سيعطي الأردن دورا في العملية السياسية، وخاصة الدور الإيراني في المنطقة، ودون سفراء لن يكون للمملكة دور في رسم السياسة الخارجية لإيران والتأثير عليها".

ورأى أبودلبوح أن "الانفتاح الأردني على إيران سيقلل الهواجس الأمنية لدى عمّان من جهة الجنوب السوري في ظل تواجد فصائل مسلحة محسوبة على طهران".

أما عن الكيفية التي سيوازن بها الأردن بين إيران والولايات المتحدة، فلم يستبعد أبودلبوح أن يكون هناك “ضوء أخضر من واشنطن، فالأخيرة ربما تعتمد على الأردن في لعب دور الوسيط مع إيران". وزاد "من الطبيعي ألّا ترحب الولايات المتحدة علنا بالانفتاح على إيران، لكنها تُدرك أن لها مصالح يمكن تحقيقها من بوابة الأردن".

وبدوره قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسين بن طلال (حكومية) عيسى الشلبي إن "عمّان ترى أن المصالحة السعودية - الإيرانية ستكون لها تداعيات إيجابية على دول عديدة في المنطقة، من بينها الأردن". وأردف أن "الفرصة متاحة لتطبيع العلاقات بين عمّان وطهران، بحيث أصبحت ضرورة من الضروريات الدبلوماسية التي تفرضها الظروف الإقليمية والدولية. هناك حاجة ملحة للأردن إلى فهم المتغيرات الإقليمية والدولية وعلاقتها في التفاعلات الدولية".

واستدرك معتبرا أن "عودة تطبيع العلاقات بين عمّان وطهران ستسهم إلى حد ما في تذليل العقبات التي تقف مانعا بين الدولتين". واستطرد "ما شهدته العلاقات بين الدولتين من تذبذبات، وخاصة بعد دعم إيران المباشر لسوريا في حدودها الجنوبية وهو ما حذّر منه الملك عبدالله الثاني في أكثر من لقاء إقليمي ودولي، بالإضافة إلى التباينات في المواقف السياسية والإستراتيجية للدولتين، أثار حفيظة عمّان التي تعتبر نفسها مستهدفة من خلال توسع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية".

وتتهم عواصم إقليمية ودولية، من بينها تل أبيب وواشنطن، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، منها سوريا والعراق ولبنان واليمن، بينما تقول إيران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.

◙ الأردن في تحالف وثيق مع دول الخليج، لذلك فإن الخطوة المفاجئة بين الرياض وطهران لن تبقِي عمان بمعزل عن الانفتاح

وبالنسبة إلى موقف عمّان بين واشنطن وطهران، قال الشلبي إن “الأردن سيوازن انفتاحه على إيران بالنظر إلى العلاقات مع الولايات المتحدة، من خلال حث واشنطن على حسن النوايا في ذلك". ودافع عن وجهة نظره قائلا إن "السعودية حليف رئيسي لواشنطن، والطرف الرئيسي في الاتفاق مع إيران، والذي إذا ما كُتب له الاستمرار، فسيحوّل مسار العلاقات السياسية والاقتصادية للشرق الأوسط".

واعتبر الكاتب الصحافي رامي عياصرة أن "الاتفاق السعودي - الإيراني شكّل منعطفا هاما في رسم خارطة العلاقات في المنطقة بسبب الحيّز الكبير الذي تشغله كل من الرياض وطهران فيها". وأضاف عياصرة أنه "بالنظرة الفاحصة لشبكة العلاقات السياسية الإيرانية مع دول المنطقة، سنجد أن علاقاتها طيبة بنسبة كبيرة جدا مع أغلب الدول العربية، حتى قبل الاتفاق الأخير، باستثناء السعودية والأردن".

وتابع "مع ذهاب السعودية باتجاه إعادة العلاقات مع إيران والانفتاح عليها، لم يبقَ إلا الأردن الذي اتسمت علاقته مع طهران بحالة من عدم الارتياح سابقا، وصولا إلى قرار سحب السفير من طهران عام 2016".

و"تماشيا مع الجو العام السائد في المنطقة بعد الاتفاق السعودي"، وفقا لعياصرة، "سيذهب الأردن باتجاه إعادة العلاقة نسبيا مع إيران، لكنه سيبقى متأثرا بعلاقته الوطيدة مع الولايات المتحدة، بحكم حجم المساعدات المقدمة من واشنطن والتواجد العسكري الأميركي في المملكة بموجب الاتفاقية العسكرية بين البلدين".

وأردف "في هذه النقطة بالذات (العلاقات مع الولايات المتحدة) الأردن مختلف عن السعودية؛ باعتبار أن الرياض تُحاول أن تبتعد بل وتعيش حالة من التمرد على قواعد علاقتها التاريخية مع واشنطن". وختم عياصرة قائلا "باعتقادي أن الأردن قادر على خلق حالة من التوازن في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، بدوافع المصالح الحيوية للمملكة المرتبطة بطهران بصورة أو بأخرى، خاصة في العراق وسوريا".

6