هل ينجح ترامب في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟

حتى وإن حصلت معجزة وعاد ترامب إلى البيت الأبيض فإن ذلك لن يعني شيئا كثيرا على المستوى الخارجي لأن العالم قد تغير والولايات المتحدة فقدت القدرة على التأثير.
الجمعة 2023/03/31
ترامب الشخصية الأكثر تشبعا بسمات الشعبوية والنرجسية والبراغماتية

خلال آخر حوار له مع قناة فوكس نيوز الأميركية، زعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأنه يملك القدرة على إنهاء الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا بكل سهولة وفي غضون 24 ساعةّ، معتبرا أن له طريقته الخاصة في التفاوض مع فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي والتي لم يكشف عنها خلال هذا الحوار.

ليست هذه المرة الأولى التي يطلق فيها ترامب العنان لعبقرتيه الدبلوماسية، بل سبق وأن تناول هذا الموضوع أمام حشد من مناصريه خلال المؤتمر السنوي للقادة المحافظين في مطلع شهر مارس الجاري.

لم يعط ترامب أيّ تفاصيل عن خطته التي تنهي الحرب ولكنني أتصورها بنفس البساطة التي تحدث فيها عن إمكانية شرب المنظفات لقتل فايروس كورونا، فالرجل لا يدرك أن الحرب اتخذت أبعادا تجاوزت مسألة ضم أوكرانيا، وأن روسيا تخطط لأبعد من ذلك وترى أن الفرصة مناسبة لإنهاء الأحادية القطبية ومنه بناء نظام عالمي جديد، كما أن الصين قد بدأت رسم شرق أوسط جديد بعد أن فقدت فيه الولايات المتحدة القدرة على التأثير، وأن الجلوس على طاولة المفاوضات مع بوتين سيجعل مسألة إنهاء الحرب والتنازل عن فاتورتها الاقتصادية وإزالة العقوبات المفروضة ضد روسيا أمرا سيتم بمنتهى البساطة.

◙ عهدة رئاسة هذا الملياردير السياسي كانت مليئة بالإخفاقات على الصعيد الداخلي والقرارات المثيرة للجدل، كالفشل في بناء سور على حدود المكسيك

وعلى فرض أن ترامب عاد إلى البيت الأبيض مجددا، ما هو مصير العلاقات الأميركية – الخليجية؟ هل بإمكانه أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟ وما المقابل ليتخلى السعوديون عن حليفهم الصيني الجديد في المنطقة وأن ينقلبوا على اتفاقهم مع إيران؟

يعود ترامب من جديد إلى الواجهة وهو يحاول الحشد لمعركة 2024 الانتخابية وسط متاعب قضائية تلاحقه بعد أن طفت على السطح قضية دفع أموال مقابل التستّر على فضيحة، ليصبح مروره إلى الدور الحاسم وتجاوزه لمنافسه الجمهوري حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس مرتبطا بقصة بطلتها ممثلة أفلام إباحية، وهو ما أكدته نتائج الاستطلاع الذي أجرته جامعة مونماوث الأميركية التي رفعت من حظوظ ترامب في الفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، في حال تجاوزه المعركة القضائية، وهنا يبدوا أن الديمقراطيين لن يفوتوا الفرصة لاصطياد ترامب وتحريك القضاء قبل أن يصل به الأمر إلى مواجهتهم والاستفادة من إخفاقات زعيمهم جو بايدن في السياسة الخارجية الأميركية.

الديمقراطيون يملكون ملفا آخرا أكثر ثقلا من ملف الممثلة الإباحية وهو موضوع تأثير روسيا في الانتخابات الأميركية والذي أكده رجل الأعمال الروسي إيفغيني بريغوجين الملقب بـ”طباخ بوتين” حين قال “لقد تدخلنا، نقوم بذلك وسنواصل القيام بذلك. بحذر ودقة، بطريقة موضعية، بطريقة خاصة بنا”.

سيكون هذا الاعتراف بمثابة السلاح القوي الذي ستستعمله الصحف الأميركية المحسوبة على الديمقراطيين للتشويش على ترامب إذا نجح في تجاوز العقبة القضائية الأولى، وستكون المادة الدسمة التي تذكر الأميركيين بأن ترامب تعامل ببرود مع ضم بوتين لشبه جزيرة القرم، بل إن سوء إدارته لمسألة الضم زاد من جشع بوتين وأوصل هذا الأخير إلى التفكير في غزو أوكرانيا، وبهذا ستكون أيّ محاولة من ترامب لتوظيف حرب أوكرانيا في انتقاد أداء الديمقراطيين في سياستهم الخارجية فرصة للتذكير بأنه قد وضع يده بيد “مجرم حرب”، وفرصة للتذكير بأن سوء معالجة المشكلة في عهده أتى بمشكلة أكبر.

◙ ليست هذه المرة الأولى التي يطلق فيها ترامب العنان لعبقرتيه الدبلوماسية، بل سبق وأن تناول هذا الموضوع أمام حشد من مناصريه خلال المؤتمر السنوي للقادة المحافظين

صحيح أن ترامب أول رئيس أميركي تطأ قدماه أرض كوريا الشمالية في حدث نادر ساهم بشكل كبير في خفض مستوى العداء الكلاسيكي بين واشنطن وبيونغ يانغ، وأول من يصل إلى اتفاق اقتصادي مع الصين يضع حدا للحرب التجارية الطاحنة بما يضمن مصالح الولايات المتحدة في ظل تزايد نفوذ الصين الاقتصادي في الولايات المتحدة، وأول من يطالب دول الخليج علنا بمستحقات مالية نظير الخدمات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة أمام الخطر الإيراني، وأول مسؤول أميركي كبير يعترف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل ويقودها إلى اتفاقات سلام تاريخية مع دول عربية، وأول من يفكّر بالتخلي عن التزامات الولايات المتحدة المالية التي تتصدر قائمة المانحين لمنظمة الصحة العالمية، ولكن وبالرغم من كل هذه الإنجازات التي يرى أنصاره أنها تحسب لصالح إدارته وسياسة الولايات المتحدة الخارجية، إلا أن عهدة رئاسة هذا الملياردير السياسي كانت مليئة بالإخفاقات على الصعيد الداخلي والقرارات المثيرة للجدل، كالفشل في بناء سور على حدود المكسيك وازدياد نسبة الفقر والفقراء والعنصرية في المجتمع الأميركي، وضرب سمعة الديمقراطية في الولايات المتحدة بعد حادثة الكابيتول.

كل هذا جعل من ترامب الشخصية الأكثر جدلا والأكثر تشبعا بسمات الشعبوية والنرجسية والبراغماتية، وحتى وإن حصلت معجزة بعودته إلى البيت الأبيض فإن ذلك لن يعني شيئا كثيرا على المستوى الخارجي لأن العالم قد تغير والولايات المتحدة فقدت القدرة على التأثير والهيمنة.

9