محمد الرضا السنوسي: وريث عرش السنوسية والبديل لتجاوز النفق الليبي

الأزمة السياسية الليبية الحادة أظهرت فشل البدائل المعروضة بالرغم من وجود ضغوط خارجية لفرض نمط ما يقود إلى استقرار ليبيا. لكن فئة لا بأس بها من الليبيين تعتقد أن الحل موجود وجاهز ويتمثل في العودة إلى التجربة السنوسية التي كانت نجحت في بناء مملكة حديثة ونظام حكم رشيد، ومحمد الرضا السنوسي وريث هذه التجربة موجود ويرى نفسه قادرا على إنقاذ البلاد.
تونس - يستحضر الليبيون زمن المملكة السنوسية كوعد بالحل للأزمة المتفاقمة منذ 12 عاما، وكأداة للحفاظ على وحدة الدولة التي لم تتشكل بصورتها الحالية إلا بإعلان استقلالها في الخامس والعشرين من ديسمبر 1951 كنظام فيدرالي يجمع بين ولايات طرابلس وبرقة وفزان في ظل مملكة دستورية بقيادة الملك إدريس السنوسي إلى أن جاءت تعديلات 1963 على الدستور والتي أقرّت الوحدة الكاملة للبلاد بعد فترة الحكم الاتحادي.
وعندما يدور الحديث عن جملة الحلول السياسية المطروحة للنقاش، يستدير جانب مهم من الشعب الليبي إلى الوراء، سواء لمرحلة حكم العقيد الراحل معمر القذافي، أو للعهد الملكي حيث يعتبر مرحلة التأسيس الحقيقي للدولة الليبية التي تواجه اليوم مخاطر التقسيم بسبب الصراع على غنيمتي الثروة والسلطة ونتيجة التدخلات الخارجية المتفاقمة منذ العام 2011، وهو ما دفع بالكثير من الأصوات إلى المطالبة بالعودة إلى دستور 1951 واعتماده كأداة لمواجهة الفشل الذريع في التوافق على دستور جديد.
ويقول وريث العرش الملكي محمد الرضا السنوسي أنه “كمواطن ليبي يحب بلاده ويحرص على مصالحها سيظل على العهد ملتزما بمستقبلٍ أفضل لليبيا، فإذا اختار شعبها دستور المملكة الليبية لعام 1951 والذي أقرته الأمم المتحدة (بصيغته المعدلة في 1963) فانه سيكفل الحقوق المدنية والسياسية الواسعة بموجب قوانين أقرّتها الدولة الليبية المستقلة”.
ويضيف السنوسي أن هذا الدستور “سيوفر أساسا متينا لبداية جديدة حيث يتضمن الآليات الموحدة اللازمة لاستعادة الاستقرار والوحدة الوطنية والهوية الليبية ويشمل ذلك مجلسا نيابيا يستطيع وفقا لإرادة الأمة الليبية تعديل الدستور لتكييف مبادئه مع واقعنا الحالي لنتصدى لأزماتنا من منظوري الحاضر والمستقبل والمضي قُدُماً إلى الأمام، وهو الطريق القائم علي الحكم الخاضع للمساءلة، وتحقيق الأمن والاستقرار، وتحفيز النمو الاقتصادي، وحماية حقوق المواطنين، واستعاده الهوية الوطنية الليبية والمكانة الرفيعة التي تستحقها ليبيا وشعبها الكريم وتمكينها من لعب دورها المنتظر كشريك إيجابي على المستويين الإقليمي والدولي”.
ودخل دستور تأسيس الدولة حيز التنفيذ في 7 أكتوبر 1951 مباشرة قبل استقلالها الرسمي في 24 ديسمبر 1951، حيث نص على كون ليبيا ملكية دستورية وبالملك إدريس الأول ملكا عليها، وكان الوثيقة الوطنية التشريعية الأولى والوحيدة التي ترسخ رسميا حقوق المواطنين الليبيين بعد الحرب وقيام الدولة الوطنية .
وتم إقرار هذا الدستور في الاجتماع الذي عقدته الجمعية الوطنية الليبية في مدينة بنغازي في 7 أكتوبر 1951 وبحضور رئيس الجمعية الوطنية محمد أبوالأسعاد العالم ونائبيه عمر فاروق شنيب وأبوبكر أحمد أبوبكر الذين قدموا الدستور للملك إدريس قبل نشره في الجريدة الرسمية الليبية.
وتم اعتبار دستور ليبيا في 1951 أول تشريع يرسّخ رسميا حقوق المواطنين الليبيين في أعقاب قيام الدولة الوطنية الليبية بعد الحرب.
وكان الملك إدريس يؤكد على أن إنشاء دولة ليبية واحدة سيعود بالنفع على مناطق طرابلس وفزان وبرقة، وكانت الحكومة الليبية حريصة في صياغتها للدستور على أن يتضمن العديد من القيم الإنسانية والحقوقية الراسخة والمشتركة في البلدان الديمقراطية.
وجاء في توطئة هذا الدستور “نحن ممثلي شعب ليبيا من برقة وطرابلس الغرب وفزّان المجتمعين بمدينة طرابلس ومدينة بنغازي في جمعية وطنية تأسيسية بإرادة الله، بعد الاتفاق وعقد العزم على تأليف اتحاد بيننا، تحت تاج الملك محمد إدريس المهدي السنوسي الذي بايعه الشعب الليبي ونادت به هذه الجمعية الوطنية التأسيسية ملكا دستوريا على ليبيا، وعلى تكوين دولة ديمقراطية مستقلة ذات سيادة تؤمن الوحدة القومية وتصون الطمأنينة الداخلية وتهيئ وسائل الدفاع المشتركة وتكفل إقامة العدالة وتضمن مبادئ الحرية والمساواة والإخاء وترعى الرقي الاقتصادي والاجتماعي والخير العام”.
في كتابه “السلالة السنوسية الحاكمة: العائلة التي صنعت ليبيا” يوضح الكاتب الباحث في قضايا الدفاع والقضايا الإستراتيجية والفكرية والتاريخية هاري هالم بشكل مفصل أن “ليبيا الحديثة لا تنفصل عن السلالة السنوسية، وأن السنوسيين ليسوا عائلة ملكية بالمعنى التقليدي، فلم يقوموا بغزو ليبيا ولم يقوموا ببسط سيطرة قبيلة واحدة على البلاد. ولم يتم تنصيبهم من قبل الغرب كما أنهم ليسوا قادة أو زعماء قبائل ولا بحكام مفروضين من طرف جهات أجنبية”.
ويتابع هالم “إنما هم في الأصل طائفة دينية صوفية وصلت إلى ليبيا في أوائل القرن التاسع عشر حيث وجد المؤسس محمد بن علي ليبيا في فوضى عارمة: كانت الأراضي الداخلية مليئة بقطاع الطرق، ويسيطر على مدنها الساحلية القراصنة وتجار العبيد، وكان اقتصاد المنطقة منعدما. توسع السنوسيون، ليس من خلال الغزو، ولكن من خلال العمل مع السكان المحليين، وإنشاء الزوايا للتعليم وكحصون على امتداد الصحراء الليبية، وحماية القوافل ذات الأهمية البالغة للتجارة البرية التي تعرف بقطع مسافات طويلة”.
السنوسيون ليسوا عائلة ملكية بالمعنى التقليدي، لم يقوموا ببسط سيطرة قبيلة واحدة على البلاد. ولم يتم تنصيبهم من قبل الغرب
وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، سيطر السنوسيون على معظم ليبيا تقريبا، وكانت لهم روابط في جميع أنحاء حوض تشاد. لقد حكموا بالطبع من خلال التراضي الشرعي، وليس من خلال انتخابات أو نظام دستوري رسمي، ولكن التراضي كان حاضرا رغم ذلك.
ويضيف الكتاب أن العائلة السنوسية، التي يُطلق عليها اسم خلفاء محمد بن علي، كانت تضم منذ البداية عددا من قادة زمن الحرب. وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، وضعت القوى الأوروبية ليبيا في حصار من الشرق والغرب، بين المملكة المتحدة في مصر وفرنسا في تونس.
شن السنوسيون، بقيادة أحمد شريف في المقام الأول، حملة طويلة ضد القوى الاستعمارية الأوروبية، حيث قاتلوا في البداية ضد الفرنسيين في تشاد، ثم الإيطاليين في ليبيا. في المقابل، أصبح إدريس، الزعيم السنوسي الشرعي، رئيسا من الناحية الوظيفية للحركة في أواخر عام 1916، وتفاوض على سلام منفصل مع البريطانيين. ولو لم يحدث انقلاب موسوليني في إيطاليا، لكان من المحتمل أن تحصل ليبيا على استقلالها تحت حكم السنوسيين في عام 1920 في ظل نظام فيدرالي.
بلغ الأمير إدريس السن المناسبة وتولّى قيادة الحركة السنوسية وواصل المقاومة ضد الايطاليين من داخل البلاد حتى سنة 1931.عندها اضطر إلى الانتقال إلى مصر والبقاء بها حتى نشبت الحرب العالمية الثانية فأعاد تشكيل جيشه السنوسي وحارب مع دول الحلفاء، حتى تمت هزيمة الطليان ودول المحور وتمكن من العودة إلى ليبيا ليقود جهاد الليبيين من أجل إتمام تحرير الوطن وتكوين الدولة الليبية المستقلة.
وفي 21 نوفمبر 1949 اعترفت الأمم المتحدة باستقلال ليبيا بأقاليمها الثلاثة. وبانتهاء المرحلة الانتقالية بايع الليبيون بواسطة ممثليهم في الجمعية الوطنية محمد إدريس السنوسي ملكا دستوريا على المملكة الاتحادية الليبية.
وأعلن الملك إدريس استقلال الدولة بولاياتها الثلاث في الرابع والعشرين من ديسمبر 1951. ليصادق بعدها على دستورها العصري المستوحى من الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان والتي كانت الجمعية الوطنية الممثلة لكل السكان قد وضعت صيغته، وعين الملك إدريس شقيقه الأمير محمد الرضا وليا للعهد إلا أن المنية عاجلت ولي العهد عام 1955 فقام الملك بعدها عام 1956 بتعيين ابن شقيقه الثالث الأمير الحسن الرضا وليا للعهد.
في الأول من سبتمبر1969 استطاع عدد من صغار الضباط والجنود الاستيلاء على الحكم، فألغوا الدستور، وألقوا القبض على جميع رجالات الدولة وعلى رأسهم ولي العهد الأمير الحسن الرضا. وكان الملك إدريس يتلقى علاجا في الخارج مع عائلته عند وقوع الانقلاب، وكان ولي العهد الأمير الحسن الرضا هو الذي يسير شؤون الدولة نيابة عنه.
وتوجه الملك للإقامة في مصر حتى وفاته في 1983 ودفن جثمانه في مقبرة البقيع في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. وتوفيت زوجته الملكة فاطمة في القاهرة عام 2009.
أما ولي العهد فقد نقل من منزله وسجن لمدة سنتين. وبعد ذلك وضع تحت الإقامة الجبرية الصارمة لمدة سبع سنوات، واستطاع السفر في العام 1988 إلى المملكة المتحدة للعلاج يرافقه ابنه الأمير محمد، وانضم إليه جميع أفراد أسرته فيما بعد. وتوفي ولي العهد بلندن سنة 1992، ونقل جثمانه يرافقه خمسة من أولاده جوا إلى المدينة المنورة ليدفن بجوار الملك إدريس في مقبرة البقيع.
وفي 18 يونيو 1992 قرئت آخر وصية لولي العهد الأمير الحسن الرضا السنوسي في مؤتمر صحافي عقد بلندن، وقد تضمنت التوصية لابنه الثاني الأمير محمد الحسن الرضا بأن يكون وليا للعهد وريثا لعرش ليبيا.
وفي كلمته للشعب الليبي بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين للاستقلال في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي، قال الأمير محمد (60 عاما) إن الشك لم يخالجه طوال العقود الماضية في أن الشعب الليبي سيظل شامخا أمام أيّ محاولات لسرقة حقه التاريخي في استرجاع شرعيته الدستورية المتمثلة في المملكة الليبية، التي تعرضت خلال سنوات طوال لمحاولات وحملات من التشويه والتشكيك ليس آخرها محاولة اختطاف دستور دولة الاستقلال من قبل البعض، بعد أن بات واضحاً للجميع أنه لا سبيل لإصلاح حال وطننا، إلا بما صلُح أوّله.
وأضاف السنوسي الذي يطرح نفسه بديلا مهما لتجاوز الوضع الحالي، أنه أمضى الشهور والسنوات القليلة الماضية في اللقاء والتشاور مع العديد من القوى الوطنية والاجتماعية في ليبيا، والتي اتفقت جميعا على اختلاف أفكارها وتوجهاتها أن الشرعية الدستورية المتمثلة في المملكة الليبية لا زالت تمثل المظلة المناسبة لشركاء الوطن الواحد.
وشدد على أنه “لا سبيل للخروج من المأساة التي ألمّت بالبلاد إلا من خلال حوار وطني يضع نصب عينيه الوصول إلى بر الأمان المتمثل في دولة يحكمها الدستور”.
وكشف عن أنه أوضح في جميع لقاءاته مع ممثلي القوى الدولية هذه الرؤية الوطنية الواضحة، والتي لا تقبل التأويل أو التسويف، في بناء الاتفاق الداخلي حول البناء السليم للعملية السياسية التي تحمل آمال الليبيين في الوصول إلى طريق يضمن لبلدهم وضع اللبنات السليمة لبناء المستقبل الزاهر والاستغلال المناسب لحفظ ثرواته بما يخدم أجياله القادمة.
ويؤكد المقربون من الأمير محمد الرضا أنه يحمل رؤية واضحة لمستقبل بلاده تنبني على المصالحة الوطنية وتجاوز الماضي والتخلي عن الأحقاد والكراهية، وعلى تحقيق الديمقراطية وتأمين الحريات العامة والخاصة في ظل ملكية دستورية تصون وحدة الأراضي الليبية وتحمي سيادة الدولة وتجمع الليبيين في مختلف مناطقهم وبشتى توجهاتهم ومرجعيّاتهم على طريق ليبيا الواحدة الموحدة وطبق نصوص دستور دولة الاستقلال للعام 1951 وتعديلاته للعام 1963.