اختزال أزمة الغذاء في "كرتونة" سياسية يحرج الحكومة المصرية

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يطلق مبادرة "كتف في كتف" لتوزيع كراتين المساعدات على الفقراء.
الخميس 2023/03/23
توزيع الكراتين يواجه انتقادات حادة

القاهرة - حملت إشارة التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي في مصر إلى أن كرتونة المساعدات المخصصة للفقراء تكفي كل أسرة شهرا المزيد من السخرية، لتضاف إلى سلبيات تركتها احتفالية موسعة نظمتها الحكومة في إستاد القاهرة للترويج لما سمته بـ”الإنجاز” في توفير الملايين من الكراتين للبسطاء مع حلول شهر رمضان.

ولم يتوقف مؤيدو الحكومة في وسائل الإعلام ونواب البرلمان والأحزاب المتناغمة مع السلطة عن التهليل بـ”الإنجاز” المرتبط بتوفير كراتين المساعدات، ويجري تسويق الأمر سياسيا كدليل على إنسانية النظام الحاكم وقوة الدولة في حماية الفقراء وقت الأزمات الاقتصادية.

وفي الوقت الذي احتفى فيه المؤيدون بتوفير الملايين من الكراتين، لا يزال الكثير من المصريين يستنكرون ذلك لأنه مؤشر على أن تصورات الحكومة الاقتصادية غير خلّاقة وتسيء للناس وتمتهن كرامتهم عندما تتعمد بعض وسائل الإعلام إذاعة مشاهد حية لهم ووضع شعارات سياسية توحي بأن المساعدات منحة سخية من النظام الحاكم مع أن ما تحويه الكراتين من مواد غذائية جاء بتبرعات من جهات مختلفة.

أحمد بهاءالدين: تقديم المساعدات مبادرة طيبة جاءت بإخراج سيء جدا
أحمد بهاءالدين: تقديم المساعدات مبادرة طيبة جاءت بإخراج سيء جدا

وأطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برفقة وزراء الحكومة ومسؤولي المنظمات الخيرية المشاركة في التحالف الوطني الأهلي شارة البدء مؤخرا لتوزيع كراتين المساعدات على الفقراء ضمن مبادرة تسمى “كتف في كتف” صنفتها الحكومة على أنها الحدث الخيري الأكبر في البلاد وتعاملت معها كإنجاز تنموي.

وانتقد معارضون تنظيم احتفالية ضخمة للإعلان عن تقديم كراتين غذائية، ورأوا أن المشهد برمته يؤكد الإصرار على المتاجرة السياسية بمعاناة فئات مهمشة دهسها قطار الأزمة الاقتصادية وأصبحت تصارع لتوفير لقمة العيش.

وحاول التحالف الوطني للعمل الأهلي الذي يخضع مباشرة لرئاسة الجمهورية تجميل الصورة أمام الانتقادات الواسعة للحدث بتأكيده أنه استهدف الاحتفاء بجهود الآلاف من المتطوعين ممن شاركوا في تعبئة وتوزيع ستة ملايين كرتونة غذائية لتوزيعها على 20 مليون مواطن، وهؤلاء يبلغ عددهم قرابة ثلاثمئة ألف متطوع.

وأظهرت توابع هذا الحدث أن الحكومة تعيش أزمة انفصال عن الواقع وتصر على اختزال مشكلة غذاء البسطاء في توفير كرتونة مساعدات لا تكفي الأسرة الواحدة لبضعة أيام، ما ورطها في تهمة “تسييس الفقر” ومحاولة اكتساب شعبية على حساب معاناة الناس بالإيحاء أنها تمد يد العون مهما بلغت أزماتها المالية.

وجاء تحرك الحكومة لدعم الفقراء بمساعدات غذائية كعمل نبيل، أفسده الإصرار على تقديمه بدعاية في غير صالح الحكومة ويرفضها البسطاء، فالشريحة الأكبر من الفئات المهمشة لديها حساسية مفرطة من جرح مشاعرها أو معايرتها بالفقر.

كما أن إظهار فقر المصريين أمام العالم في مهرجان ليس إنجازا خيريا، بل حدث يشي بغياب الحد الأدنى من الحنكة السياسية، لأن الناس يرفضون أن تكون الدولة حاضنة للملايين من اللاجئين يعيشون حياة كريمة في مصر ثم يظهر فقراؤها كأنهم يتسولون كرتونة غذاء.

وقال أحمد بهاءالدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المعارض لـ”العرب” إن مبادرة تقديم مساعدات موقف طيب من السلطة، لكن الإخراج جاء بالغ السوء، فلا يصح إنسانيا واجتماعيا وسياسيا إظهار الفقراء كأنهم يتسولون الطعام والهبات الحكومية.

وبرر مؤيدو الحكومة موقفها من علانية المساعدات الغذائية بأن هناك تيارات مناوئة تسعى لاستغلال أزمات البسطاء لتجييشهم ضد النظام واستقطابهم بخطاب عاطفي يلعب على وتر ظروفهم المعيشية واستمالتهم بكراتين غذائية للإيحاء بمساندة الفقراء.

متاجرة سياسية بمعاناة الفقراء
متاجرة سياسية بمعاناة الفقراء

وأمام التوظيف السياسي للفقر من جانب خصوم السلطة، وجدت الحكومة نفسها مضطرة لمبارزتهم على المكشوف بتنظيم احتفالية ضخمة تعلن خلالها عن قيمة المساعدات الغذائية التي سيتم تقديمها وحجم المستفيدين منها كي تغلق ثغرة المساعدات الخفية التي يجيد الإخوان والسلفيون القيام بها عبر تبرعات سرية.

ومهما كانت نوايا الحكومة طيبة فإنها تبدو كمن ورط نفسه في تهمة تقليد الإخوان والسلفيين وبعض الأحزاب السياسية التي لها رصيد من الوصول إلى قلوب الناس بالرشاوى الغذائية لتحسين صورتها واستقطاب البسطاء إلى صفوفها، وهي حسابات قاصرة تؤكد قلة الخبرة والافتقار إلى خيال مبدع.

وتبنت أصوات معارضة رؤية أن الحكومة تناقض نفسها سياسيا واقتصاديا، فهي لا تكف عن اتخاذ إجراءات قاسية وتظهر في صورة الداعم والمساند ضد الغلاء، مع أنها السبب في ما آلت إليه أوضاع المواطنين من صعوبة بالغة للحصول على الغذاء.

ولفت بهاءالدين إلى أن الحكومة تركت واجباتها الأساسية وذهبت للقيام بدور الجمعيات الخيرية، ما يكرس الفقر والأزمات المعيشية، فمعالجة قضايا البسطاء بالمسكنات والشعارات تقود إلى مشكلات اجتماعية معقدة.

أمام التوظيف السياسي للفقر من جانب خصوم السلطة، وجدت الحكومة نفسها مضطرة لمبارزتهم على المكشوف بتنظيم احتفالية ضخمة تعلن خلالها عن قيمة المساعدات الغذائية

وتبدو الحكومة المصرية غير عابئة بالغضب الذي ظهر جليّا على شبكات التواصل الاجتماعي ضد احتفالية الكراتين، ولا يعنيها توفير قدر من الحماية والدفاع ضد هجمات خصومها وعدم تسييسهم لاحتقان البسطاء، المهم أن يمر شهر رمضان بأقل خسائر على مستوى تهاوي شعبيتها، لأن فشل الحكومة في سد الفجوة الغذائية للفقراء خلال فترة الصيام قد تكون له عواقب أمنية يصعب ترميمها بسهولة.

ولدى مؤيدي الحكومة قناعة بأن الكرتونة الغذائية لها أهمية عند البسطاء، فإن لم تكفهم طوال رمضان ستكون بالنسبة إليهم مخزون طوارئ في ظروف بالغة الصعوبة، وهناك أسر تعتبرها طوق نجاة اقتصاديا مؤقتا، وليس مهمّا رأي المعارضين للخطوة.

وسواء أكانت أهداف الحكومة إنسانية أم شعبوية، فالكرتونة السياسية تمثل رشوة مقننة، فهي أصبحت أداة تخلط السياسة بالدين وتؤدي إلى تجييش الفقراء خلف النظام الحاكم ووسيلة ممنهجة لدى بعض الأحزاب للتصويت لمرشحيها في أي انتخابات.

وتركت بعض الشواهد خلال عقود طويلة خبرة عميقة لدى المصريين حول شؤون الكرتونة على مستوى المكونات والأدوات والأهداف، لاسيما إذا كانت صادرة عن تيار سياسي أو جهة حكومية، وهي إشكالية لم تفهمها الحكومة بعد لأن دغدغة مشاعر الفقراء والدق على أوتار جيوبهم الخاوية لا يجلبان مكاسب سياسية ويحملان رسائل إحباط من المستقبل، ويجعلان شريحة من الناس تشعر بفقدان الأمل في الإصلاح العام.

7