لا آمال في تنفيذ تفاهمات شرم الشيخ للتهدئة في الأراضي الفلسطينية

القمة الأمنية قد تعمل على تخفيف التوتر لكنها لن تنهيه.
الأربعاء 2023/03/22
تهديد وتهديد مضاد

يجمع محللون على أن غياب أفق سياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يظل العامل الأهم للتوتر بين الجانبين. ويؤكد هؤلاء أن الاجتماعات الأمنية الهادفة إلى التهدئة بين الطرفين تأتي استجابة لضغوط دولية وإقليمية، لكن تنزيل تفاهماتها على أرض الواقع يصطدم بالعديد من العقبات.

القاهرة - رغم اتفاق الاجتماع الخماسي في مدينة شرم الشيخ المصرية على التمسك بتحقيق التهدئة في الأراضي الفلسطينية، لكنه من المستبعد أن يكون مؤثرا على أرض الواقع. والأحد، استضافت شرم الشيخ قمة أمنية خماسية من مسؤولين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى، من مصر وفلسطين وإسرائيل والأردن والولايات المتحدة.

واستبعد خبراء فلسطينيون إمكانية تنفيذ إسرائيل التزامات الاجتماع، لعدم التزامها بالتفاهمات السابقة واستمرارها بالبناء الاستيطاني وعمليات اقتحام المدن وتنفيذ اغتيالات. وتأتي القمة في وقت تصاعد فيه التوتر بشكل حاد في أنحاء الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة، وسط مداهمات عسكرية إسرائيلية متكررة على البلدات الفلسطينية.

في ختام الاجتماع، أصدر المشاركون بيانا خلص إلى ضرورة التمسك بتحقيق التهدئة في الأراضي الفلسطينية، مع الاتفاق على عقد لقاء جديد بالمدينة ذاتها، في أبريل المقبل. وتضمن البيان الاتفاق على 10 التزامات بشأن التهدئة والسعي لإحياء عملية السلام المجمدة منذ 2014، من بينها “تعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.

وأضاف البيان أن المشاركين أقروا بضرورة “السعي من أجل اتخاذ إجراءات لبناء الثقة وتعزيز الثقة المتبادلة وفتح آفاق سياسية والتعاطي مع القضايا العالقة (دون تحديدها) عن طريق الحوار المباشر”. واتفقوا على “استحداث آلية للحد والتصدي للعنف والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف، وتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني مع رفع هاتين الآليتين للاجتماع المقبل”.

وقبل يوم من الاجتماع، طالبت فصائل فلسطينية في بيانات منفصلة السلطة الوطنية بعدم المشاركة فيه، من بينها حركة حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي، وحزب الشعب.

واتفقت البيانات على رفض مشاركة السلطة في المفاوضات بحضور ممثل لإسرائيل التي تستهدف مقاومة الشعب الفلسطيني، كما تستغل مثل تلك الاجتماعات لشن المزيد من العدوان بحقه. ومنذ بداية العام 2023، قتل نحو 90 فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية، بحسب معطيات فلسطينية، فيما قتل 14 إسرائيليا في هجمات منفصلة خلال الفترة نفسها.

البعد الأمني لا ينهي التوتر

جهاد حرب: البعد الأمني قد يعمل على تخفيف التوتر لكنه لن ينهيه
جهاد حرب: البعد الأمني قد يعمل على تخفيف التوتر لكنه لن ينهيه

يرى الخبير السياسي الفلسطيني جهاد حرب أن “البعد الأمني قد يعمل على تخفيف التوتر، لكنه لن ينهيه”، مؤكدا أنه “لا إمكانية لتطبيق التفاهمات، في ظل حكومة يمينية إسرائيلية”، في إشارة إلى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقال حرب إن “الحكومة الإسرائيلية تخلت عن تلك التفاهمات على الفور، عبر تصريحات لمسؤولين فيها، أبرزها لنتنياهو الذي أكد استمرار حكومته في ملاحقة أي فلسطيني يعتدي على الإسرائيليين”.

والأحد، تعهد نتنياهو بملاحقة الفلسطينيين متهما إياهم بالإرهاب، وقال إن “كل الذين يحاولون إيذاء مواطني إسرائيل، سيتم الوصول إليهم. نصل إلى الإرهابيين ومهندسي الإرهاب في كل مكان”. وفي اليوم نفسه، قال وزير المالية الإسرائيلي زعيم حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، “لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، بل هو اختراع لم يتجاوز عمره 100 عام”، على حد وصفه.

وأضاف حرب “إذن، فالمسألة (تنفيذ التفاهمات) تتعلق بعدم التزام إسرائيل، أو احترامها للاتفاقيات الموقعة، والتجربة السابقة على مدار السنوات الأخيرة تثبت ذلك”. ولفت إلى أن “السلطة الفلسطينية غير قادرة على تقييد حركة أو إبطال أي عملية (هجوم) قد يقدم عليها الفلسطينيون، كونها تنفذ خارج منطقة سيطرتها الأمنية، في مناطق ‘ج’، والقدس، والداخل (الفلسطيني)، وهي مناطق تسيطر عليها إسرائيل”.

وصنّفت اتفاقية أوسلو 2 لعام 1995 أراضي الضفة 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، و”ج” لسيطرة إسرائيلية كاملة، وتشكل الأخيرة نحو 60 في المئة من مساحة الضفة. وتابع حرب “إسرائيل ماضية في سياسة البناء الاستيطاني والاقتحامات والاعتداءات، وشن المستوطنين الهجمات على الفلسطينيين”، مؤكدا أن “إسرائيل المسبب للتوترات، فكل تلك الجرائم سببها الاحتلال”.

التحدي الأمني هاجس القوى الكبرى
التحدي الأمني هاجس القوى الكبرى 

وشدد على أن “الشعب الفلسطيني يريد التخلص من الاحتلال الإسرائيلي، ولا يريد إجراءات اقتصادية وأمنية قد تخفف من التوتر ولا تزيل السبب الرئيسي وهو الاحتلال”. واختتم حديثه بالإشارة إلى أن “الأساس هو الأفق السياسي، فما لم تكن هناك نظرة تفاؤلية لدى الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال في المدى المنظور، تبقى مسألة العنف قائمة ومتجددة”.

أحمد رفيق عوض: إمكانية تنفيذ تفاهمات شرم الشيخ قد تكون منعدمة
أحمد رفيق عوض: إمكانية تنفيذ تفاهمات شرم الشيخ قد تكون منعدمة

يرى مدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس الفلسطينية أحمد رفيق عوض أن “إمكانية تنفيذ التفاهمات قد تكون منعدمة، لتعدد صناع القرار بحكومة إسرائيل المشكلة من أحزاب يمين ويمين متطرف يتحكمون بمفاصل الحكم”. وقال عوض إن “تفاهمات شرم الشيخ وقبلها العقبة، إذا ما تركت لإسرائيل، فإنها تفسرها وتطبقها من منظورها، فتطبق ما تريد وتنتقي منها ما يتماشى مع سياستها”.

وفي السادس والعشرين من فبراير الماضي، عقدت الأطراف ذاتها اجتماعا بمدينة العقبة جنوبي الأردن، الذي تقرر خلاله عقد اجتماع شرم الشيخ، وسط استمرار المواجهات والاقتحامات الإسرائيلية والتنديدات العربية المستمرة ضدها.

وأضاف عوض أن “البيان الختامي (الصادر في شرم الشيخ) لم يجب على المخاوف الفلسطينية أو يرد على الأسئلة الهامة، وهي هل يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن قتل الفلسطينيين والمصادرة (للمنازل) وإنكار التسوية؟”. وأكد أن “إبقاء الأمر أمنيا لا يؤدي إلى نتائج، فالأصل أن يكون أفقا سياسيا يفضي إلى إنهاء الاحتلال”.

وأرجع السبب إلى أن “واشنطن تدعم وتشرعن الاحتلال، وموازنتها بين عمليات الفلسطينيين وعنف المستوطنين خطأ، لذا فلا دور حقيقيا للمشاركين بالقمة التي يجب أن ترعى وتراقب (الأوضاع في فلسطين)”.

وشدد في ختام حديثه على أن “إسرائيل تروج إلى أن شهر رمضان شهر دموي، لكي ترتكب جرائم بحق الشعب الفلسطيني، بدعوى محاربة الإرهاب”. وفي السادس من مارس الجاري أوعز وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بمواصلة هدم منازل فلسطينيين بالقدس خلال رمضان، الذي يبدأ الخميس الثالث والعشرين من مارس.

وفي اليوم نفسه، أشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى تدريب كتيبة في مدينة اللد (وسط)، لتكون “بمثابة فرقة حماية خاصة، كجزء من استعداد الشرطة لاضطرابات محتملة خلال شهر رمضان الوشيك”.

فرص ضيقة

سليمان بشارات: نافذة الفرص أمام تنفيذ مخرجات القمة ضيقة جدا
سليمان بشارات: نافذة الفرص أمام تنفيذ مخرجات القمة ضيقة جدا

يرى مدير مركز يبوس للدراسات (فلسطيني خاص) سليمان بشارات أن “نافذة الفرص أمام تنفيذ مخرجات قمة شرم الشيخ ضيقة جدا، وذلك نتاج مجموعة من العوامل”. وأوضح بشارات أن “العامل الأول هو استمرارية التهديد الإسرائيلي الميداني شبه اليومي عبر عمليات استعراض واغتيال مباشرة من قواتها خاصة بمدن فلسطين، فتعمل على إثارة الشارع وخلق تحد ورد فعل”.

وأضاف أن التهديد الإسرائيلي يتسبب في “عدم قدرة ضبط السلوك اليومي للمستوطنين في شوارع الضفة، ما يعني تهديد المواطنين الفلسطينيين خلال العبور من الشوارع الرئيسية بين المحافظات”.

والعامل الثاني “مرتبط بالفجوة بين الشارع الفلسطيني وتحرك القيادة السياسية، فلا توافق وانسجام بينهما، لأنه لا توجد قناعة بأن الاحتلال سيمنح شيئا للفلسطينيين دون مقابل على حساب البعد الوطني والحقوق”، وفق بشارات.

ويتمثل العامل الثالث في أن “الرؤية التي تقوم عليها مخرجات اللقاءات (بشرم الشيخ) ضمن الإطار الأمني فقط وليس السياسي، وهذا يشكل مخاوف من إمكانية وقوع تصادم فلسطيني داخلي نتاج الضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين”. وأوضح بشارات أن مخاوف التصادم الفلسطيني الداخلي بسبب الضغط الإسرائيلي، ستكون “محفزا أكبر أمام المواجهة مع الاحتلال، للهروب من الصدام الداخلي”.

وأشار إلى أن العامل الرابع، يتعلق بالميدان، إذ إن “تطورات الميدان اليومية تتحكم أكثر في أي مواقف، وهذا خاضع لظروف خارج إطار الترتيبات السياسية والأمنية”. ويختتم الباحث الفلسطيني حديثه بالتأكيد أن في الميدان “يمكن لوقوع أي حدث أن يعيد خلط الأوراق بشكل سريع، لتتطور الحالة بناء عليه إلى المواجهة بديلا عن الاستقرار”.

نزع سلاح المقاومة ديدن واشنطن الأساسي
◙ نزع سلاح المقاومة وتحجيم دورها مطلب أساسي  

6