المقاتلون الشيشان يغادرون سوريا إلى أوكرانيا للقتال ضد روسيا

مثلما جاؤوا في السابق لمحاربتها في سوريا، يغادر المقاتلون الشيشان نحو أوكرانيا لدعمها في حربها ضد روسيا، وهم مستعدون للمشاركة في أيّ صراع يواجهون فيه القوات الروسية، يثأرون فيه لماضيهم مع الدولة، لكنهم اليوم يجدون من حكومة كييف كل الدعم والتنظيم القانوني في حربهم ضد الكرملين.
واشنطن - عندما بدأ المرتزقة السوريون في الظهور لأول مرة قبل بضع سنوات في صراعات مثل ليبيا وأذربيجان تساءل المحللون عما إذا كان هؤلاء المقاتلون في طريقهم بالنهاية إلى أوكرانيا، وعلى النقيض من ذلك، لم يهتم سوى عدد قليل بالدور الذي قد يلعبه المقاتلون السوريون الأجانب في أوروبا، وبخاصة الجهاديين منهم.
وفي هذا السياق، يرى الصحافي السوري حايد حايد أن تلك الرؤية المركزة تساعد في تفسير السبب في أن رحيل المقاتلين الشيشان مؤخرا من سوريا للقتال ضد روسيا في أوكرانيا كان مفاجأة للكثيرين، ولكن بعد فوات الأوان، حيث كان ينبغي توقع مثل ذلك التطور بسبب هدوء القتال في سوريا، وعداء هيئة تحرير الشام للفصائل الجهادية، وموقف أوكرانيا التي فتحت ذراعيها لهم.
ومثل الجنود الأجانب الآخرين، كان الشيشان من بين أوائل المتطوعين الذين انضموا إلى الحرب ضد النظام السوري، وتأسس أول فصيل شيشاني في سوريا في عام 2012، عن طريق عمر الشيشاني، وهو قائد شيشاني سيء السمعة والذي أصبح وزيرا للحرب في داعش في العام التالي.
وبالإضافة إلى الانضمام إلى جماعات مثل داعش وجبهة النصرة وهي سلف هيئة تحرير الشام، شكل المقاتلون الشيشان مجموعاتهم الخاصة وعلى رأسها جند الشام، التي كان يقودها مراد مارغوشفيلي (المعروف أكثر باسمه الحركي، مسلم الشيشاني)، وأجناد آل قفقاز، برئاسة عبدالحكيم الشيشاني (واسمه الحقيقي رستم أزهييف).
ويقول حايد في تقرير لموقع سنديكيشن بيورو إن “العدد الدقيق للمقاتلين الشيشان في سوريا غير واضح، وأخبرتني مصادر محلية أن عددهم الآن بضع مئات فقط، ولكن في وقت مّا كانوا يعدون بالآلاف. ولكن حتى مع وجود أعداد متواضعة، اكتسب المقاتلون الشيشان في سوريا سمعة كمتمردين مهرة ومخلصين وشجعان”.
ومع ذلك، وعلى الرغم من دورهم الحاسم في محاربة نظام الأسد، لم يعد الشيشانيون موضع ترحيب في شمال غرب سوريا، حيث أدى وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه تركيا وروسيا في شهر مارس من عام 2020 إلى تحويل المقاتلين الأجانب المستقلين في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون من نقطة قوة إلى تهديد أو حتى إلى مسؤولية تُثقل الكاهل.
وتطرد هيئة تحرير الشام، وهي الحاكم الفعلي للمنطقة، المحاربين الشيشان، لتعزيز سيطرتها على آخر منطقة يسيطر عليها المتمردون، ودأبت هيئة تحرير الشام لسنوات على استمالة الفصائل المسلحة في أراضيها بشكل منهجي والقضاء على أولئك الذين يقاومونها. واستهدفت المجموعة في البداية الفصائل المتنافسة، مثل أحرار الشام، لكنها انتقلت بعد ذلك لاستهداف أيّ مجموعة لا تُذعن لها.
السلطات الأوكرانية تعتبر المقاتلين الشيشان حلفاء وتسمح لهم بالبقاء، حتى أنهم وقّعوا اتفاقا معها لإنشاء لواء شيشاني بالكامل
وبعض المنظمات، بما في ذلك أجناد القوقاز، سلكت الطريق السهل وعلقت عملياتها مبكرا، في حين قاومت جماعات أخرى، مثل جند الشام، التي لم تخضع إلا عندما أصبح تهديد المواجهة المباشرة مع هيئة تحرير الشام وشيكا. وفي كلتا الحالتين، لم يسمح للمقاتلين الشيشان بالقتال ضد روسيا، وهو سبب انتقالهم إلى سوريا في المقام الأول.
ويقول الصحافي السوري وهو أيضا زميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، إن العديد من ظروف الحرب الدائرة رحاها جعلت أكرانيا بديلا جذابا للمقاتلين الشيشان.
وأول هذه الظروف أن أوكرانيا تسمح للمقاتلين الشيشان بمواجهة الروس مباشرة، والواقع أن رغبة المقاتلين الشيشان في محاربة روسيا أكثر قوة من الاختلافات الدينية والأيديولوجية التي تربطهم بالحكومة الأوكرانية، حيث أن الظلم الذي ذاقوه على مر التاريخ مثل نزع الملكية والقمع بيد الروس كان شديد القسوة لدرجة أن قتال الروس أصبح أولوية قصوى، أينما كانت ساحة النزال.
ثانيا، جعل موقف أوكرانيا الترحيبي تجاه المقاتلين الأجانب عملية إعادة التوطين أمرا سهلا، وخلافا لما حدث في عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بالقوة، فإن السلطات الأوكرانية اليوم أكثر استعدادا للتعاون مع المتطوعين الأجانب، وهذا يشمل الشيشانيين المتمرسين في القتال مع الخبرة في قتال القوات الروسية على الخطوط الأمامية الساخنة أو في أراضي العدو.

ثالثا، وبناء على ما قاله عبدالحكيم شيشاني، تعتبر السلطات الأوكرانية المقاتلين الشيشان حلفاء وتسمح لهم بالبقاء بشكل قانوني، حتى أنهم وقعوا اتفاقا مع الحكومة الأوكرانية لإنشاء لواء شيشاني بالكامل يقدم تقاريره مباشرة إلى وزارة الدفاع.
وقد سهّل وجود المقاتلين الشيشان في أوكرانيا وصول الشيشان الآخرين إلى البلاد، وكان ذلك واضحا في تجربة عبدالحكيم شيشاني، الذي كان قادرا على السفر من تركيا بمساعدة بعض الشخصيات الشيشانية الموجودة في أكرانيا.
ولزيادة قدرتها بشكل أكبر، يقال إن الكتائب الشيشانية تعمل على إقناع السلطات الأوكرانية بتسهيل دخول مواطنيها من سوريا وتركيا، ودول أخرى.
ومن المرجح أن يشجع تدفق المقاتلين الشيشان إلى أوكرانيا الجماعات الجهادية الإقليمية الأخرى في سوريا على أن تحذو حذوها، ورغم أن مشاركة هؤلاء المقاتلين المهرة في الحرب قد تكون مفيدة لأوكرانيا الآن، فإن موقف كييف الترحيبي لن يستمر إلى الأبد، خاصة إذا كان الجنود الأجانب يرجحون كفة ميزان القوى لصالح أوكرانيا، وفي نهاية المطاف، سيشكل وجودهم تحديات أمنية لكييف.
لكن نهاية الحرب في أوكرانيا لن تكون نهاية مهمة المقاتلين الشيشان، وكما يُظهر الوضع في سوريا فإن قرار هؤلاء المقاتلين بالوقوف إلى جانب كييف أظهر استعدادهم للاصطفاف مع أيّ طرف تقريبا ما دامت روسيا هي العدو المشترك.