رفض الصحافيين في مصر السيطرة على نقابتهم يجبر الحكومة على تعديل خطتها

النقيب الجديد يدعو إلى حوار مع الحكومة على أرضية مهنية لا سياسية.
الثلاثاء 2023/03/21
بوادر تغيير لقواعد إدارة المنظومة الإعلامية

يؤشر فشل مرشح الحكومة المصرية في انتخابات نقابة الصحافيين وفوز مرشح معارض على مرحلة جديدة يصر الصحافيون فيها على التعامل مع المشهد الإعلامي وفق أرضية مهنية لا سياسية.

القاهرة - حضر نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي الاثنين احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية التي شهدها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مركز المنارة للمؤتمرات بالقاهرة، وهذا أول حضور رئاسي رسمي للنقيب الجديد، ما يشير إلى أن أجهزة الدولة منفتحة للتعامل معه على أرضية مشتركة، وأن التفاهم السياسي بين الجانبين لن يكون صعبا في ظل خطاب البلشي الهادئ والمتوازن.

وكشفت مصادر إعلامية مطلعة بالقاهرة لـ”العرب” عن وجود اتجاه قوي لدى بعض الدوائر الحكومية المتداخلة في إدارة المشهد الإعلامي للقيام بتغييرات واسعة في قيادات المنظومة في الفترة المقبلة أمام تصاعد الشعور بصعوبة بقاء الوضع الراهن الذي أفرز غضبا في صفوف الرأي العام من السياسة الإعلامية القائمة، والتي قادت إلى فوز مرشح معارض على حساب مرشح الحكومة في انتخابات نقابة الصحافيين.

وأكدت المصادر أن هناك اجتماعات عقدت مع خبراء ومتخصصين في الإعلام وشخصيات جرى استبعادها لدراسة الموقف برمته وكيفية الإصلاح على مستوى الوجوه والسياسة المطلوب تطبيقها والتشريعات الواجب إقرارها لعودة المنظومة الإعلامية إلى مسارها الصحيح بما يخدم جيدا الدولة المصرية.

محمد عبدالحفيظ: دوائر داخل السلطة تعهدت بالنظر في مطالب المهنة
محمد عبدالحفيظ: دوائر داخل السلطة تعهدت بالنظر في مطالب المهنة

وحرك فوز الصحافي المعارض خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين على حساب منافسه خالد ميري رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” الحكومية الجمعة، الكثير من المياه الراكدة في حقل الإعلام، خاصة أن تشكيل مجلس النقابة الجديد يتألف من أغلبية معارضة، بقوام ستة أعضاء ليسوا على وفاق مع الحكومة إضافة إلى النقيب، أي أن الأكثرية النقابية صارت في حوزة المعارضة.

وتعكس التحركات الرسمية غير المعلنة لإعادة ترتيب المنظومة الإعلامية وجود رغبة لدى الحكومة في التغيير إلى الأفضل، بغض النظر عما آلت إليه الانتخابات، فقد وصل حال الإعلام إلى مرحلة متقدمة من القطيعة مع الشارع وتهاوي تأثيره.

وتبرهن بعض الأصوات على وجود نوايا للتغيير الإعلامي لدى الحكومة بأنه تم اختيار مرشح يمثلها في انتخابات الصحافيين لا ترتقي شعبيته إلى النجاح أمام نقابي مخضرم مثل البلشي، وكأن هناك قبولا من دوائر بعينها بوجود نقيب للصحافيين ليس تابعا للدولة عبر الدفع بمرشح بدا مهزوما قبل أن يخوض الانتخابات.

وأصبحت الحكومة مضطرة للتجاوب مع مطالب التغيير التي نادى بها الصحافيون في انتخابات نقابتهم الأخيرة، فتمسكها بالبقاء على نفس السياسة الإعلامية يقحمها في صدامات غير محسوبة العواقب لا ترغب فيها، وتسعى لإثبات حسن نواياها ونسف الصورة الذهنية الراسخة عنها بأنها تعادي الإعلام الجاد.

وقال محمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس نقابة الصحافيين لـ”العرب” إن هناك شواهد كثيرة توحي بوجود حالة من التغيير المرتقب على مستوى المهنة، ولدى مجلس النقابة شعور بتعاون مؤسسات الدولة مع مطالب الصحافيين بعدما كشفت الانتخابات أن أبناء المهنة ليسوا في خصومة مع الحكومة بقدر ما يحتاجون إلى ممارسة دورهم بشكل طبيعي، وهذا طلب عادل.

وتُدرك الحكومة والجهات الرسمية التي تُدير المشهد نيابة عنها أنه سيكون من الصعب فرض أمر واقع على أبناء المهنة الذين قالوا كلمتهم وأعلنوا بصوت مرتفع “لن نقبل باستمرار تأميم الصحافة والإعلام أو تجييش المهنة خلف النظام دوما وتكريس الاصطفاف الإعلامي بلا سماح بالنقد والاختلاف على أرضية وطنية”.

التحركات الرسمية غير المعلنة لإعادة ترتيب المنظومة الإعلامية تعكس وجود رغبة لدى الحكومة في التغيير إلى الأفضل

وهناك دوائر حكومية على قناعة بأنه لن يكون من السهل بقاء نفس الوجوه على رؤوس المنظومة الإعلامية، لأن جزءا كبيرا من التصويت ضد مرشح الحكومة في انتخابات نقابة الصحافيين كان رسالة برفض استمرار رؤساء مجالس إدارات وتحرير صحف وقنوات ساهموا في تأميم المهنة والإساءة لها، ولو لم يُطلب منهم ذلك.

وانتشرت أنباء داخل المؤسسات الصحافية التابعة للحكومة بأن تغييرات ستحدث برحيل رؤساء مجالس إدارات وتحرير صحف ومواقع إخبارية، حال خسارة مرشح الحكومة في انتخابات نقابة الصحافيين، لأنه سيكون من الصعب بقاء هؤلاء في مناصبهم مع مطالب التغيير الواسعة، ولن تستطيع دوائر السلطة الوقوف بوجه التيار.

لكن الحكومة لن تغامر بالاستعانة بوجوه معارضة لتولي مسؤولية الإدارة والتحرير في الصحف أو اختيارهم كمذيعين، لكنها مدفوعة للاستعانة بشخصيات متزنة وعقلانية تستطيع المواءمة بين متطلبات المهنة وطموحات الشارع وأهداف السلطة، وهؤلاء موجودون بأعداد كبيرة، لكن تم تغييبهم وإقصاؤهم عن المشهد لحساب أهل الثقة الذين يدمنون الاصطفاف الوطني الزائف خلف النظام الحاكم.

ويشعر الكثير من الصحافيين بأنهم وضعوا الحكومة تحت ضغط وقد تكون مضطرة للتجاوب مع الرسالة التي وصلتها بموجب انتخابات الصحافيين بعد تمردهم على سياستها الإعلامية ورفضهم التجييش، وتبدو مدفوعة لتعديل خطتها لتتناسب مع المستجدات الراهنة، على مستوى الوجوه والسياسة التحريرية والكف عن التضييق.

وحمل الالتفاف الصحافي حول النقيب الجديد حالة غير مسبوقة من تمسك الصحافيين بالتغيير الجذري للمنظومة، وهي قناعة لا تغفلها الحكومة أو دوائرها الأمنية المتداخلة في إدارة المشهد، فالصحافيون على قناعة بأن رسالتهم وصلت، والسلطة تتفهم فحواها وليس أمامها سوى التجاوب وفق ظروف هذه المرحلة.

تمسّك الحكومة بالبقاء على نفس السياسة الإعلامية يقحمها في صدامات غير محسوبة العواقب لا ترغب فيها

وأكد النقابي عبدالحفيظ أن هناك دوائر داخل السلطة تواصلت مع نقيب الصحافيين الجديد، وتعهدت بالدخول في حوار معه، والنظر في مطالب المهنة والبحث عن آلية التجاوب معها، وهذا توجه محمود يعكس عدم وجود نية للدخول في خصومة مع الجماعة الصحافية، ويبعث الطمأنينة بوجود تغيير إيجابي تعمل أجهزة الدولة على تحقيقه، مشددا على أن مجلس النقابة المنتخب لن يدخل في صدام مع السلطة وسيكون كل شيء قائما على الحوار.

وطمأن البلشي دوائر صناعة القرار في مصر، السياسية والأمنية، بأنه ليس نقيبا صداميا، وبدت تصريحاته عقب فوزه بمنصب النقيب هادئة ومتزنة ولا تعبر عن وجود نوايا للدخول في صراع مع الحكومة، بقدر ما يبحث مع الجماعة الصحافية عن مخرج لتصويب مسار المهنة، بما يخدم أهدافها، ويعيد للإعلام قيمته.

وقال البلشي عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “رسالتكم وصلت، ونعاهدكم بنقابة تتفاوض على مصالحكم وتفتح جميع الملفات، وتنفذ تكليفاتكم وتعود بيتا لكل الصحافيين وأن يكون مجلسكم لكم جميعا وليس لفريق دون الآخر، وأكون نقيبًا لجميع الصحافيين”، ودعا المؤيدين والمعارضين له إلى مساندته في المهمة.

وخلال تصريحات تليفزيونية السبت، أكد نقيب الصحافيين أنه سيدخل في حوار جاد مع كل الجهات الرسمية في الدولة، متعهدا بالانخراط في الحوار الوطني الذي سبق ودعا إليه الرئيس السيسي مع القوى السياسية والمدنية المختلفة، مع دعوة كل نقباء الصحافيين وأعضاء مجلس النقابة السابقين للمشاركة في اجتماعات النقابة، وأن تكون قلعة الحريات منبرا لكل الأفكار والتيارات.

ووضعت رسائل البلشي دوائر صناعة القرار الإعلامي في موقف حرج، لأنها دأبت على تصنيفه كمناوئ للنظام الحاكم، ويتحدث بلسان خصومه السياسيين، لكنه سبق بخطوات وأبدى استعداده للتفاوض على أرضية مهنية، ولذلك على الحكومة إثبات حسن نواياها والتعاطي مع دعوات تصويت مسار الإعلام لصالحها والشارع والمهنة.

2