ليبيا تسعى للحاق بجيرانها في طبق الكسكسي

تشترك الدول المغاربية في طبق الكسكسي الذي أصبح من الأطباق العالمية التي تشتهر بها منطقة شمال أفريقيا، لذلك تسعى ليبيا لتسجيل اسمها على هذا الطبق البربري على لائحة اليونسكو لتسجيل تقاليد أخرى تمتاز بها البلاد.
صبراتة (ليبيا) - تسعى ليبيا إلى أن تثبت أن طبق الكسكسي الذي يشتهر به المغرب العربي يعنيها بقدر ما يعني جيرانها تونس والجزائر والمغرب، إذ يطمح الليبيون إلى تقدير دولي لتراثهم المطبخي والثقافي الغني، بعدما مزقت الفوضى بلدهم منذ أكثر من عقد.
في موقع المسرح الروماني القديم في صبراتة، على بعد حوالي 70 كيلومترا غرب العاصمة طرابلس، ينشغل العشرات من الطهاة بالتحضير، في غضون ساعات قليلة، لطبق الكسكسي العملاق لتقديمه للجمهور.
وقال أحد المشاركين في عملية الطهو التي أقيمت في الهواء الطلق، فيما كان يرتاح لبضعة دقائق على كرسي حديقة وقد بدت عليه ملامح التعب، “لم أنم طوال الليل”.
في قدور ضخمة مصنوعة من الفولاذ المقاوم، يواصل البعض الآخر تقليب السميد الذي حوّلت صلصة الطماطم لونه إلى أحمر، فيما وُضعت المكونات الأخرى التي سبق تجهيزها في أطباق كبيرة مغطاة بورق الألومنيوم.
ثم يصبّ الطهاة والمساعدون في طبق يبلغ قطره أربعة أمتار نحو 2400 كيلوغرام من السميد، ولحم الضأن، واليقطين، و”البصل” المحمص في الزبدة، وأهم شيء اللمسة الليبية النموذجية.
تتجمع العائلات بسعادة حول الطبق العملاق، تحت حراسة الشرطة، بينما يصور الشباب المشهد بهواتفهم، في مشهد يبعث بمظاهر الاطمئنان المفقود منذ سنوات، ولو كان نسبيا.
بمعطفها الأسود وحجابها الأحمر، تعرب أحلام فخري الآتية من طرابلس عن سعادتها برؤية الليبيين يجتمعون، في سياق التوترات السياسية وبعد العنف المسلح الذي أعقب سقوط معمر القذافي وموته عام 2011.
تقول هذه الطبيبة التي سافرت كثيرا “أتيت من قرية تشتهر بالكسكسي الذي يمكنك شمه من مسافة أميال حوله”.
وتذكّر أحلام باعتزاز بأن “المنطقة المغاربية كلها مشهورة بالكسكسي الذي يميزنا عن الشرق العربي”. وتضيف “إنه جزء من هويتنا وثقافتنا وتراثنا ونحن فخورون ونعتز به”.
ومع ذلك، فإن ليبيا هي الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا غير المسجلة على أنها معنية بتقاليد الكسكسي، المدرجة منذ عام 2020 ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.
ويعود ذلك إلى عدم انضمام ليبيا إلى هذه المعاهدة الدولية، وبالتالي عدم خضوعها لشروطها، وإلا لكان توسّع التنافس بين الدول المغاربية على ملكية هذا الطبق وأصله.
على الأرض، تتحرك منظمات المجتمع المدني من خلال مبادرات مختلفة “لدفع الملف عن طريق الضغط” على السلطات الغارقة في أزمة سياسية، في ظل انقسام بين المعسكرين المتنافسين.
مع جمعيته التي تهدف إلى دعم السياحة والحفاظ على التراث، ينظم علي مسعود الفطيمي طبق كسكسي عملاقا كل عام في موقع تاريخي، لإرسال “رسالة إلى البرلمان”.
ويشدد الناشط البالغ 54 عاما على أن انضمام ليبيا إلى هذا الاتفاق “لن يتيح الحفاظ على الكسكسي وحده، إذ إن ليبيا غنية بالثقافة والتراث وهذا التراث غير محمي أساسا”.
ويقول علي إن الكسكسي العملاق، مثله مثل اليوم الوطني للملابس التقليدية وغيره من المبادرات، هو ثمرة “دفعة شعبية”، معربا عن أمله في أن يصادق أعضاء البرلمان على الاتفاقية الدولية “في المستقبل القريب”، لتنضم ليبيا إلى جيرانها في قائمة “التراث غير المادي”.
في حال المصادقة على الاتفاقية، يمكن لليبيا أن تنضم إلى موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس في ملف الكسكسي، “لأن التسجيل لا يعني ملكية نهائية أو حصرية” من قبل بلد واحد، على ما تؤكد اليونسكو.
وتؤكد منيرة زويت (43 عاما) أنها تتمنى ذلك من كل قلبها. وافتتحت هذه الطاهية مطعما خاصا بها في العاصمة، ونشرت على فيسبوك ويوتيوب صور الحلويات التي تبتكرها وتستوحيها من الاتجاهات العالمية.
لكنّ الكسكسي يبقى بالنسبة إليها “خطا أحمر”، إذ تحرص على طهوه بالطريقة التقليدية.
وبزيّ الشيف الأبيض الذي يحمل تطريزات ذهبية ليبية، تحضر طبقها المفضل عن طريق سكب القليل من الملح ومسحوق الفلفل الحار والقليل من القرفة، مما يترك طعما حلوا.
وتقول زويت التي تعلمت إعداد الكسكسي من أمها في صغرها إنه “ليس مجرد طبق نأكله، بل مرآة حضارة، ومهارة تتناقلها الأجيال”.
وتعمل زويت المتمسكة جدا بالتراث للحفاظ عليه “بأبسط” طريقة، على ما تقول، أي من خلال الاستمرار في طهي الأطباق التقليدية. وتقول إن تقاسم الطعام يشير إلى “علاقة حميمة لا مثيل لها” بين الجميع.