المصريون فريسة لتطبيقات النصب الإلكتروني بحثا عن الثراء

تراجع الجنيه وارتفاع الأسعار يدفعان المواطنين للبحث عن الربح السريع.
السبت 2023/03/11
تبخرت الأموال

بعد أن أثقل الغلاء كاهلهم لجأ مصريون إلى البحث عن وسيلة تكسبهم بعض المال يواجهون بها ظروف الحياة التي ازدادت صعوبة مع غلاء الأسعار، لكنهم وقعوا ضحية شركة وهمية للاحتيال على المواطنين والاستيلاء على أموالهم عن طريق منصات إلكترونية لنظام البيع الهرمي.

القاهرة – سلطت جريمة سرقة أموال المودعين لدى تطبيق “هوغ بول” التي عملت تحت ستار التجارة في العملات الرقمية الضوء على انجذاب المصريين نحو مسارات تحقيق الثراء السريع، من خلال ما يسمى بـ”منصات النصب الرقمية” أو عبر دفع الأموال لتوظيفها أو ما يُعرف باسم “المستريح” لتوظيف الأموال، والذي ظهر في محافظات مصرية عدة، وتنامي ظاهرة البث المباشر على التطبيقات الرقمية وأشهرها “تيك توك” لحصد المئات أو الآلاف من الدولارات التي تتحقق عبر تزايد معدل المشاهدات.

ألقت وزارة الداخلية القبض على عدد من مسؤولي منصة “هوغ بول” وأكدت أن أفرادا أسسوا شركة وهمية للنصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم عن طريق الهاتف أو الكمبيوتر على طريقة “بونزي”، وهو نظام بيع هرمي يجذب المستثمرين ويعتمد على استخدام أموالهم لدفع مستحقات المستثمرين السابقين، ما يؤدي إلى كسب ثقتهم تمهيدا لإقناعهم بجلب أموالهم.

المواطنون يبحثون عن سبل أو قنوات يتمكنون من خلالها من توظيف أموالهم لتعود عليهم بفائدة أعلى وتحقق احتياجاتهم الاجتماعية
المواطنون يبحثون عن سبل أو قنوات يتمكنون من خلالها من توظيف أموالهم لتعود عليهم بفائدة أعلى وتحقق احتياجاتهم الاجتماعية

تصنف المنصة التي بدأت عملها بشكل فعلي في أغسطس الماضي على أنها متخصصة في عملة “البيتكوين” وتقدم خدمات التعدين السحابي، واستطاعت بإعلانات وهمية جذب العديد من المواطنين الذين وقعوا ضحية لها، ووصل عدد المشتركين في المنصة إلى 600 ألف مشترك، وبلغت الأرباح اليومية التي حصل عليها المشتركون نحو 600 مليون دولار.

وقال الثلاثيني محمد سامي، وهو أحد ضحايا المنصة الرقمية، إن إقدام العديد من شباب منطقته على ضخ أموالهم في المنصة دفعه إلى تكرار التجربة، وأن الصعود المستمر في قيمة العملات الرقمية كان محفزا لتحقيق الأرباح عن طريق إرسال الأموال عبر الهاتف، كما أن انتشار إعلانات عديدة للمنصة على مواقع التواصل الاجتماعي واتجاهها لممارسة أنشطتها علنا بحفلات نظمتها بين حين وآخر لعملائها، جعل هناك قدرا من الثقة تشير إلى أن المنصة تعمل بطرق شرعية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه تعرف على خمسة من مسؤولي المنصة تولوا عملية الترويج لها في أماكن تجمع الشباب بالمقاهي المنتشرة في الجيزة القريبة من القاهرة، وأن المروجين لها جذبوا الشباب بمبالغ زهيدة لا تتجاوز 200 جنيه (الدولار يساوي 30.89 جنيها) للاستكشاف والحصول على أرباح والتأكد من سلامة عمل المنصة وجديتها في تحقيق وعودها.

وأقدم الشاب على الخطوة بعد أن تأكد من أن بعض زملائه حققوا أرباحا بلغت 300 في المئة، وظلت عملية جني الأموال مستقرة حتى بداية العام الحالي، وتضاعفت حتى بدأ مسؤولو المنصة طرح صناديق استثمار بمبالغ كبيرة وأرباح سريعة، وقرر الكثير من المودعين استثمار أموالهم في هذه الصناديق، وأودعوا كل ما حققوه من أرباح سابقة ثم فوجئوا بإغلاق التطبيق واختفاء مسؤولي المنصة وخسارة أموالهم.

كانت ولاء أحمد بحاجة إلى مئات الآلاف من الجنيهات حتى تساعد ابنها الذي يعمل في إحدى الشركات الخاصة، لمساعدته على الزواج، وحينما عرفت من جارتها أن زوجها حقق في غضون أشهر قليلة مكاسب تخطت نسبتها 100 في المئة من إجمالي المبلغ الذي أودعه، تشجعت على اتخاذ خطوة مماثلة وقامت ببيع جزء من مصوغاتها الذهبية بحثا عن تحقيق الربح، لكن كل شيء تبخر مع إغلاق المنصة.

وأوضحت “في البداية قمت بدفع 15 ألف جنيه وكنت أربح يوميا على كل ألف جنيه أربعة دولارات ومع استمرار جني الأرباح، قمت بضخ مبلغ 50 ألف جنيه واشتريت ماكينة تحويل الأموال للعملات الرقمية وقبل أن أسترد أقل من نصف المبلغ فقدت كل ما كنت أملكه، وتقدمت ببلاغ إلى قسم الشرطة، غير أنني تلقيت ردة فعل مفادها أن الأموال لن تعود مرة أخرى بعد تهريبها إلى الخارج”.

تحركت وزارة الداخلية المصرية بعد أن تلقت بلاغات من ضحايا استولى القائمون على التطبيق على مبالغ منهم بلغت 19 مليون جنيه، وكشفت تحرياتها أن أفراد الشبكة الإجرامية القائمة على إدارة التطبيق يصل عددهم إلى  29 شخصا، 13 منهم يحملون جنسية إحدى الدول الأجنبية، اتخذوا من بنايتين سكنيتين في القاهرة مقرا لمزاولة نشاطهم غير المشروع.

منصات النصب الالكتورني
منصات النصب الالكتورني

خلال استجواب الشرطة للمتهمين اعترفوا بتكوينهم عصابة استهدفت الراغبين في تحقيق المكاسب المالية السريعة عبر شبكة الإنترنت واستيلائهم على أموالهم عن طريق عدد من المحافظ الإلكترونية (بلغ عددها 88 محفظة)، وكان يتم توزيعها على العديد من المحافظ الإلكترونية الأخرى (بلغ عددها 9965 محفظة)، تجنبا للرصد الأمني وتمهيدا لتحويلها إلى الخارج لصالحهم من خلال برامج عبر شبكة الإنترنت لشراء عملات رقمية مشفرة.

وأقر المتهمون بأنهم قاموا بإغلاق التطبيق بعد تمكنهم من الاستيلاء على تلك الأموال، وكانوا بصدد إطلاق تطبيق إلكتروني آخر تحت مسمى “ريوت” لذات الغرض في إطار استكمال نشاطهم.

وأكد خبير أمن المعلومات وليد عبدالمقصود أن العصابة التي أسست التطبيق الرقمي استعانت بشخص مصري يدعى محمد جمعة الصعيدي لتأسيس شركة باسمه تعمل في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات والبرمجة، لتكون ساترا لتنفيذ عملية النصب، وجرى إشهار الشركة في يناير الماضي، أي بعد حوالي أربعة أشهر من بدء عملها.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن القائمين على الشركة استعانوا بضحايا من الدرجة الأولى وقامت بتعيينهم كمشرفين لزيادة أعداد المشتركين، وأن مجموعات الواتساب التي تم من خلالها الإعلان عن الشركة تضاعفت في غضون أيام ووصلت في الشهر الأول نحو 100 ألف مشترك، وجرى تحليل الضحايا وتصنيفهم وفقا لقيمة الأموال التي قاموا بضخها.

وحققت المنصة زيادات مطردة في أعداد المشتركين في غضون أشهر قليلة بناء على الدعاية التي قامت بعملها للضحايا، وهؤلاء حققوا مكاسب طائلة، وبعضهم أقدموا على بيع ممتلكاتهم وسياراتهم الخاصة لتكرار التجربة، ومنهم من قاموا باقتراض أموال من أصدقائهم وأقنعوهم بالانضمام إلى التطبيق، وآخرون دخلوا في نظام ادخار الأموال من خلال ما يعرف في مصر باسم “الجمعية” والحصول على مبالغ كبيرة في غضون شهرين أو ثلاثة لاستثمارها.

وشدد وليد على أن تطبيق “هوغ بول” ليست له علاقة بالتجارة الإلكترونية التي لديها قوانين تنظم عملها في مصر، ويندرج تحت مسمى توظيف الأموال وانتحال الصفة وجرائم النصب والاحتيال ومخالفة قوانين البنك المركزي المصري، الذي يحظر التعامل والتداول في العملات الرقمية المشفرة.

في تلك الواقعة لم يكن هناك تعدين بالمعنى الحقيقي للعملات الرقمية، وأن الأرباح التي كانت تظهر على تطبيق “هوغ هول” كانت وهمية.

وقال وليد عبدالمقصود لـ”العرب” إن المحافظ الذكية للعملاء لم تصل إليها تلك الأموال، وإنما كانت خدعة للضحايا لإقناعهم بالاشتراك من دون أن يتمكنوا من سحب أموالهم وتحديد نسب لا تتجاوز 15 في المئة خلال عمليات محددة.

نن

ووضعت الشركة مجموعة من التعقيدات للربط بين المحافظ الذكية أو الرقمية للمودعين وبين تطبيق “هوغ بول”، وكان على الشخص الراغب في ذلك دفع مبلغ ألف دولار إلى جانب وجود شروط عديدة لعملية السحب، وكان العديد من المودعين يرتكنون إلى الأموال التي تظهر إليهم في حساباتهم الخاصة على التطبيق وليس المحافظ الذكية التي تتبع لإحدى شركات الاتصالات أو عبر الحسابات البنكية.

وأشار عبدالمقصود إلى أن الأجهزة الأمنية المصرية بحاجة إلى التعاون مع جهات تحقيق دولية للوصول إلى المليارات من الجنيهات التي تم تهريبها إلى الخارج، وأن إحدى شركات الاتصالات يتم التحقيق معها بشأن سماحها بتحرك هذه الأموال بكثافة خلال فترة وجيزة، لأن أموال الموعدين يتم وضعها داخل إحدى هذه المحافظ قبل تحويلها إلى عملة رقمية مشفرة خرجت إلى الخارج، وهو ما يُصعب عملية تتبعها.

وقالت أستاذة علم الاجتماع منال عمران إن المواطنين يبحثون عن طرق عديدة لتنمية مواردهم المالية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الأسعار بشكل مستمر، ويبحثون عن سبل أو قنوات يتمكنون من خلالها توظيف أموالهم لتعود عليهم بفائدة أعلى وتحقق احتياجاتهم الاجتماعية، وعلى الرغم من كونهم ضحايا لتلك التطبيقات لكنهم يساهمون في انتشارها بانجذابهم إليها بشكل مستمر.

وأوضحت أن المواطنين يثقون أكثر من اللازم في الأشخاص الذين يأتمنوهم على أموالهم وقد يكون ذلك بسبب عدم التوعية أو للحاجة الماسة للمال والتي تجعلهم يغضون الطرف عن أي مخاطر ممكنة، كما أن المحتالين أو ما يُطلق عليهم لقب “المستريحين” هم أشخاص موثوق بهم وسط دوائرهم الاجتماعية وأدوات يتم توظيفها من جانب جهات أخرى للاحتيال على المواطنين.

ورفضت عمران تحميل المواطنين مسؤولية انتشار أدوات الاحتيال وتعددها وتوجيه تهمة “البحث عن الثراء السريع” إليهم، مشيرة إلى أن كل إنسان يحاول إيجاد سبل لمواجهة الغلاء والأعباء المعيشية وتوفير احتياجاته المالية حينما يتعلق الأمر بالفئات الفقيرة، التي لا تجد سبلا لاستثمار أموالها أو رفع قيمة مدخراتها لتضاهي أعباء الحياة.

16