سيارة الأجرة الصفراء في الخرطوم تكافح من أجل البقاء وسط أزمة اقتصادية طاحنة

أثرت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السودان على قطاع سيارات الأجرة الذي تأثر بدوره بارتفاع أسعار الوقود. ومما زاد من معاناة السائقين وجود منافسين يستخدمون تطبيقات الهاتف المحمول ويقودون سيارات من أحدث طراز، ما أدى إلى تخلفهم عن الركب. ويعاني سائقو سيارات الأجرة من ندرة الحرفاء، كما يختار العديد من السودانيين الآن التخلي عن وسائل النقل العام تماما والاعتماد على مشاركة الركوب بدلا من ذلك.
الخرطوم - كانت سيارات الأجرة صفراء اللون ذات يوم جزءا راسخا في تراث مدينة الخرطوم خلال الحقبة الاستعمارية.
وجرى إدخال سيارات الأجرة تلك إلى العاصمة السودانية إبان الحكم البريطاني في عام 1937 وتم تجديد أسطولها آخر مرة في عام 1978. وباتت هياكلها تحمل علامات العديد من الإصلاحات وتقشر طلائها، فيما ينتظر سائقوها المتقدمون في السن الزبائن لكن بلا جدوى في كثير من الأحيان.
معاناة
يروي البارودي سيف الدين رئيس نقابة التاكسي تاريخ سيارات الأجرة، قائلا “قطاع التاكسي بدأ سنة 1937 وتاريخه بعد نقابة العمال مباشرة وكانت له محطات معروفة وكانت أغلب العربات إنجليزية ثم الروسية مثل الفولغا ثم آخر إحلال كان سنة 1978 عندما دخلت العربات اليابانية”.
وعن معاناة أصحاب سيارات الأجرة الصفراء قال سيف الدين “كل هذه المواقف تغولوا عليها بقدرة قادر وحولوها إلى استثمار وأخرجوا التاكسي، وربما تاكسي الخرطوم حاليا يقف في مساحة سبعة أمتار.. من هنا إلى هنا فقط.. هذه المساحة التي يقف فيها”.
ويقول السائقون إنهم تخلفوا عن الركب في ظل وجود منافسين يستخدمون تطبيقات الهاتف المحمول ويقودون سيارات من أحدث طراز.
وأضاف سيف الدين “نسأل الله أن يقف الناس معنا ونقوم بالإحلال ونغير الصورة المزرية.. أنت الآن ترى سائقين في عريشة (خيمة مؤقتة).. لا يمكن أن تكون في قلب الخرطوم راكوبة (خيمة).. انظروا إلى هذا المبنى وماذا تحته”.
معاناة السائقين تعكس التدهور الاقتصادي في السودان، مع عدم قدرة الحكومة على تمويل السيارات الجديدة
وقال الرشيد أحمد الذي يقود سيارة أجرة منذ عام 1980 لرويترز “أنا سائق تاكسي منذ عام 1980، التاكسي مهنة عريقة جدا ونحن ربينا منها أجيالا وخرجنا منها أجيالا.. أنا خرجت منها ثلاثة أبناء من الجامعة الحمد لله.. مهنة عريقة لكن الناس حاليا استغلوها استغلالا سيئا.. عربات التاكسي نفسها أصبحت قديمة وظهر سائقو الترحالات بتطبيقاتهم وهم يعلقون علامة التاكسي.. هذه العلامة أصلا ملك للتاكسي.. يضعونها من فوق العربة وهي ملك للتاكسي واستغلوها.. الواحد منهم يخرج من مكان شغله ويأخذ أربعة أو خمسة أشخاص وفي نفس الوقت صاحب التاكسي ينادي الخرطوم أم درمان ولا يأتي إليه أحد”.
وتعكس معاناة السائقين التدهور الاقتصادي الأوسع في السودان، حسبما يقولون، مع عدم قدرة الحكومة على تمويل السيارات الجديدة في ظل ارتفاع أسعار الوقود.
ويقول محمد عوض سائق سيارة أجرة “الكلام عن التاكسي القديم والتاكسي الحديث.. التاكسي القديم أكل عليه الدهر وشرب، أما التاكسي الحديث فقد أصبح شكل العربات جميلا.. الأمر الآخر هو قدوم التقنية وتطور التكنولوجيا.. الشخص من منزله يمكن أن يطلب تاكسي إلى المكان الذي يريد الذهاب إليه والعربة تأتي إليه وهو في البيت وتعيده وتوصله إلى المكان الذي هو ذاهب إليه وأسعارها جيدة”.
ومع هذا، يوجد زبائن ما زالوا أوفياء لسيارات الأجرة الصفراء ومن بينهم عباس أمين وهو مواطن من الخرطوم.
وقال “والله أنا أشجعهم جدا وأعطف عليهم.. عندما أجدهم واقفين أقول لهم أعانكم الله.. لا يوجد عمل نهائيا.. الواحد منهم يأتي بالطرحة (مجموعة ركاب) ثم ينتظر إلى المغرب حتي يعود بأخرى.. أنا أقول لهم أعانكم الله ولهذا السبب أنا أركب معهم.. الحالة مزرية.. الله يكون في عونهم”.

لكن تظل مثل هذه اللفتات نادرة. وحتى مستقبل خدمة سيارات الأجرة ليس مضمونا، إذ يختار العديد من السودانيين الآن التخلي عن وسائل النقل العام تماما والاعتماد على مشاركة الركوب بدلا من ذلك.
كما يعاني سائقو سيارات الأجرة في مطار الخرطوم الدولي من مشاكل عدة منها حرمانهم من التأمين على حياتهم وممّن سموّهم “المتطفلين” على المهنة من أصحاب السيارات الخاصة والذين يقومون بتحميل الركاب من زوار السودان دون ترخيص، فضلا عن المشاجرات الدائمة التي تنشب بينهم وبين “السائقين المتطفلين” سواء بالاعتداء اللفظي أو البدني.
وانتقد سائقو التاكسي المتضررون تراخي وضعف الأمن والرقابة من وزارة الداخلية ما منح الفرصة للكثير من الدخلاء لمضايقة أصحاب التاكسي المعتمدين في المطار.
وطالبوا بضرورة رفع تسعيرة الأجرة بحيث تتراوح بين 500 و600 جنيه لمواكبة ارتفاع أسعار قطع غيار السيارات والزيوت.
وقال عضو لجنة أعضاء التاكسي عبدالله إسحاق “نحن مجموعة من المتقاعدين الذين امتهنوا قيادة التاكسي وتم إصدار التراخيص اللازمة لذلك من الجهات المعنية واشترينا السيارات الحديثة وحسب الشروط وذلك لخدمة زوار البلاد خاصة، ونحن نمثل واجهة السودان ولكن ضعف الأمن والرقابة جعل الكثير من الدخلاء يضايقون أصحاب التاكسي، ووصل التمادي إلى التلفظ غير الأخلاقي والتعدي بالضرب حتى وصلت قضايانا إلى المخافر”.
وأضاف “للأسف لا نحصل على حقنا بداعي أن الواجب يحتم علينا إبلاغ شرطي المرور المتواجد بالمطار لاتخاذ اللازم”، متسائلا “ما ذنبنا إذا كان هؤلاء الدخلاء يحملون الركاب بسياراتهم الخاصة وأمام أعين رجل المرور والدوريات؟”.
تكثيف الحملات

طالب عادل الخاص سائق تاكسي المطار بتكثيف الحملات المرورية للقضاء على هذه الظاهرة غير الحضارية.
وقال سائق آخر إن “المشاكل الأساسية التي نعاني منها هي وجود مجموعة كبيرة من سائقي الأمجاد والترحال ينتشرون في صالة القادمين من المطار ويلاحقونهم لإقناعهم بالتوصيل في سياراتهم الخاصة إلى أي مكان وبسعر أرخص من تاكسي المطار بل، وصل التمادي واللامبالاة إلى أن مجموعة منهم يحملون الركاب في سيارات عليها شعارات تاكسي”.
وتابع “رغم إبلاغنا لدوريات المرور وإدارة مباحث المطار بهذا الفعل ولكن دون فائدة، ولذلك حصلت العديد من المشاجرات مع هذه المجموعات، لهذا لا بد لوزارة الداخلية أن تتحرك لوقف الدخلاء الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم.. فمن يحمينا منهم؟”.
من جهته، أشار عادل إلى أن “خدمة تاكسي المطار منظمة ومراقبة من إدارة الطيران المدني وبالتالي فإن الزبون يستقل التاكسي من المطار إلى وجهته المحددة دون أن يخشي شيئا، حتى وإن فقد أغراضه فهناك مكتب الأمانات أين يتم تسليم الأغراض إليه ومحاولة الاتصال به ولا يضيع منه شيء بعكس أصحاب السيارات الخاصة الذين يستغلون المسافرين وخصوصا الأجانب منهم بأن يرفعوا الأسعار، لأنه من غير المعقول أن يأخذ مسافر من المطار إلى الخرطوم مقابل 2500 جنيه. وكم من المسافرين الذين اشتكوا من فقدان أغراضهم الشخصية وأموالهم وجوازاتهم ولا يعرفون رقم أو نوع السيارة التي أقلتهم، بينما تاكسي المطار التسعيرة به واضحة ورقم التاكسي مكتوب على جانبي السيارة بالإضافة إلى رقم المرور كما أن نوع السيارة واضح باللونين الأخضر والأبيض المتميزين وشكل صاحب التاكسي معروف لإدارة الطيران المدني”، مشيرا إلى أن هذه المشاكل التي تحدث للمسافرين تسيء لسمعة السودان وأهله وذلك بسبب الضعف في متابعة هؤلاء الدخلاء.
وتلقي زيادة أسعار الوقود في السودان بأعباء ثقيلة على كاهل شعب متخم بأزمات حادة طالت كافة مناحي الحياة، وتأثرت قطاعات واسعة بقرار الحكومة القاضي بتحرير أسعار الوقود لتصعد إلى أكثر من 400 في المئة في العام 2020، وعلى نحو مطرد ارتفعت أسعار السلع والخدمات تبعا لذلك، ما فاقم معاناة السودانيين اليومية ولاسيما ذوي الدخل المحدود.
وارتفعت تعرفة النقل العام، كما اضطرت الآلاف من الحافلات للتوقف عن العمل، وهو ما يؤكده حامد إبراهيم عضو اللجنة التسييرية لغرف النقل السودانية.
ويقول إن رفع الدعم عن الوقود أثر على قطاع النقل، وخرجت تبعا لذلك 41 ألف حافلة من العمل لارتفاع تكلفة التشغيل وقطع الغيار والزيوت، حيث لم يعد الدخل يغطي المصروفات، ويضيف “في ولاية الخرطوم كانت تعمل 48 ألف حافلة والآن تراجعت إلى 7 آلاف فقط”.
وتقول نسيبة صلاح التي اعتادت استخدام تطبيقات التاكسي الهاتفية في تنقلها شبه اليومي، إن أصحاب الشركات زادوا قيمة الرحلات على نحو لا يطاق، حيث لم تكن الرحلة في السابق من جزيرة توتي حيث تقطن إلى الخرطوم بحري تتجاوز 150 جنيها لترتفع إلى 900 جنيه، بينما وصلت قيمة وصولها إلى منطقة الكلاكلة إلى نحو 2200 جنيه مقارنة بـ350 في السابق، وهي أسعار خرافية يصعب توفيرها في أوقات عديدة.