النشاط البدني ولو لوقت محدود يساهم في خفض احتمال الوفاة

يشدد الأطباء وخبراء اللياقة البدنية على ضرورة أداء التمارين الرياضية ولو لفترة وجيزة، ذلك أن زيادة طفيفة للحركة لدى الأشخاص غير النشطين كافية لتوفير حماية كبيرة لهم. ويؤكد الخبراء أن النشاط البدني يحمي من خطر الوفاة، ويشيرون إلى أن المشي السريع يعد نشاطا معتدلا إلى مكثف، ويقترحون مثلا فكرة التوجه مشيا إلى مكان العمل.
باريس - شددت دراسة واسعة نُشرت مؤخرا، على أن ثمة رابطا بين النشاط البدني وانخفاض احتمال وفاة الفرد، ولو اقتصرت هذه الحركة على بضع دقائق يوميا.
وأوضحت هذه الدراسة التي أوردتها مجلة “سبورتس ميديسين” للطب الرياضي أن “زيادة طفيفة” للحركة لدى الأشخاص غير النشطين كافية لتوفير حماية كبيرة.
وسبق أن أجري كمّ كبير من الدراسات عن منافع النشاط البدني، وباتت انعكاساته الإيجابية على الصحة معروفة على نطاق واسع، لكنّ بعض النقاط المتعلقة به تحتاج إلى توضيح، ومنها المستوى الدقيق للنشاط المطلوب لتحسين صحة الفرد بشكل ملموس.
واستندت الدراسة في سعيها إلى الإجابة عن هذا السؤال إلى حوالي 200 بحث متوافر، خلصت أحيانا إلى نتائج متضاربة.
لكنّ الباحثين جمعوا بيانات هذه الدراسات التي تتعلق بعيّنة من 30 مليون شخص في المجموع، وتوصلت من خلال ترجيحها وفقا لدرجة صلابة الدراسة إلى أن نتائج النشاط البدني سرعان ما تظهر وتصبح ملموسة.
على الشخص أن يخصص عشر دقائق فحسب يوميا للنشاط البدني، وليس مضطرا إلى أن يقصد ناديا رياضيا لهذا الغرض
ويكفي أن يمارس الشخص غير النشط تماما نشاطا لا تتجاوز مدته ساعة واحدة في الأسبوع، وصفته الدراسة بـ”المعتدل” إلى “الشديد”، للحدّ بنسبة الربع تقريبا (23 في المئة) من خطر الموت المبكر.
وقال عالم الأوبئة من جامعة كامبريدج سورين برايج، الذي شارك في إعداد الدراسة، لوكالة فرانس برس “على الشخص أن يخصص عشر دقائق فحسب يوميا” للنشاط البدني، “وليس مضطرا بالضرورة إلى أن يقصد ناديا رياضيا لهذا الغرض، بل يمكن أن يندرج ذلك ضمن حياته اليومية” المألوفة.
وبهذا المعنى، يعد المشي السريع نشاطا معتدلا إلى مكثف، واقترح برايج مثلا فكرة التوجه مشيا إلى مكان العمل، أقلّه في جزء من المسافة.
إلا أن مساهمة النشاط البدني في خفض احتمال الوفاة تتفاوت تبعا لسببها، بحسب الدراسة، إذ إن الصلة أكثر وضوحا بين النشاط البدني المنتظم وانخفاض خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، لكنّ الحركة الجسدية أقل تأثيرا في ما يتعلق بالوفيات الناجمة عن السرطان.
وفقا لدراسة عن الحركة والوفيات، والتي نُشرت في دورية “جاما” للطب الباطني، أكدت إمكانية منع أكثر من 111 ألف حالة وفاة مبكرة سنويا من خلال التزام المشي لمدة 10 دقائق يوميا، واستخدمت الدراسة بيانات حول النشاط البدني ومعدلات الوفيات للآلاف من البالغين الأميركيين، لتقدير عدد الوفيات كل عام التي يمكن تجنبها إذا مارس الجميع المزيد من التمارين، حيث أشارت النتائج إلى أن حتى القليل من النشاط البدني الإضافي يمكن أن يقي من مئات الآلاف من الوفيات المبكرة خلال السنوات القادمة.
بدأت الدراسة من خلال صياغة فرضية مفادها أن الجميع إذا بدأوا بممارسة الرياضة لمدة 150 دقيقة على الأقل في الأسبوع، فسوف تقل الوفيات المبكرة بنسبة كبيرة، وانطلاقا من الفرضية السابقة قرر الباحثون في المعهد الوطني للسرطان ومركز السيطرة على الأمراض استكشاف ما قد يحدث لمعدلات الوفيات إذا بدأ الناس في التحرك أكثر.
أخذ الباحثون في هذه الدراسة المعلومات من 4840 مشاركا من أعراق مختلفة، ذكورا وإناثا، تراوحت أعمارهم بين 40 و85 عاما، وبناء على هذه المعلومات صنف الباحثون الأشخاص وفقا لعدد الدقائق التي ساروا فيها أو تحركوا في معظم الأيام، كما قاموا بفحص أسماء الأشخاص بمقارنتها بسجل الوفيات الوطني لتحديد مخاطر الوفيات لمختلف مستويات النشاط.
وباستخدام هذه النتائج بدأ الباحثون بإنشاء سلسلة من “ماذا لو” الإحصائية، وتساءلوا من خلالها عن العلاقة بين ممارسة الرياضة بشكل معتدل، “كالمشي السريع لمدة 10 دقائق إضافية في اليوم” وعدد الوفيات التي قد لا تحدث.
ولشفافية أكثر، أجرى الباحثون تعديلات لحساب الإحصائيات للأشخاص الذين كانوا ضعفاء للغاية أو غير قادرين على المشي أو التنقل بسهولة، كما أخذوا في الاعتبار العمر والتعليم وحالة التدخين والنظام الغذائي ومؤشر كتلة الجسم وعوامل صحية أخرى في حساباتهم.
بعد ذلك أجرى الباحثون السيناريو الإحصائي نفسه، حيث عمل الجميع لمدة 20 دقيقة إضافية في اليوم، وأخيرا لمدة 30 دقيقة إضافية في اليوم وفحصوا نتائج الوفيات.
وجد الباحثون أن كل شخص بالغ قادر على المشي إذا سار بسرعة أو مارس التمارين الرياضية لمدة 10 دقائق إضافية يوميا، فقد يتم تجنب 11174 حالة وفاة سنويا في جميع أنحاء البلاد، أو حوالي 7 في المئة من جميع الوفيات في العام، مع استثناء المؤثرات الخارجية كالأوبئة والحروب.
كل شخص بالغ قادر على المشي إذا سار بسرعة أو مارس التمارين الرياضية لمدة 10 دقائق إضافية يوميا، فقد يتم تجنب 11174 حالة وفاة سنويا
وقام الباحثون بمضاعفة وقت التمرين المتخيل إلى 20 دقيقة إضافية في اليوم، ونتج عنه ارتفاع عدد الوفيات التي يُحتمل تجنبها إلى 209459، وبالتالي أدت مضاعفة التمرين ثلاث مرات إلى 30 دقيقة إضافية يوميا إلى تجنب حدوث 272297 حالة وفاة، أو ما يقرب من 17 في المئة من الإجماليات السنوية النموذجية.
وتقدم هذه النتائج رسالة لكيانات الصحة العامة ولجميع الأشخاص حول أهمية تعزيز النشاط البدني للحد من الوفيات المبكرة، لذلك فالمشي أو الانخراط في أي نوع من النشاط البدني يمكن أن يكون له تأثير كبير في تحسين الحياة وتفادي الموت المبكر.
كما أفادت دراسة أسترالية أجرتها جامعة سيدني بأنه تفاديا للتعرض لمخاطر صحية، يحتاج الأشخاص الذين يجلسون لساعات طويلة على مكاتب أو يشاهدون التلفاز إلى ممارسة تمارين رياضية لمدة تزيد على ثلاثين دقيقة.
ويشير الخبراء إلى أن من يجلسون أكثر من ست ساعات يوميا دون تمارين تزيد لديهم احتمالات الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مقارنة بأولئك الذين يمارسون تمارين لمدة ساعة يوميا.
وشملت الدراسة، التي نشرت بمجلة “جورنال أوف ذا أميركان كوليدج أوف كارديولوجي”، عينة من 150 ألف شخص تزيد أعمارهم عن 45 عاما، واستغرقت تسعة أعوام. ويقضي العامل الأسترالي العادي أكثر من ست ساعات يوميا جالسا، وهو ما يصنفه الباحثون على أنه “فترات طويلة”.
وارتبط ارتفاع مدة الجلوس بالمشاكل الصحية، بما في ذلك السرطان والسمنة وأمراض القلب والسكري وحتى الاكتئاب.