القاهرة تفعّل إعلام المعرفة بعد سخط الشارع من قلة المعلومات

القاهرة - اضطرت الحكومة المصرية إلى التفكير في تفعيل إعلام المعرفة كأحد الحلول لكسب رضاء الشارع أمام ارتفاع منسوب السخط بسبب قلة المعلومات حول قضايا حيوية في صميم الهموم اليومية، وقطع الطريق على الشائعات التي تزايدت في الآونة الأخيرة وتحولت إلى صداع مزمن في رأس الرئيس عبدالفتاح السيسي ويشكو منها في كثير من خطاباته العامة.
وكلف رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي المتحدثين الرسميين والمستشارين الإعلاميين في الوزارات والهيئات الرسمية بضرورة التواصل المستمر مع وسائل الإعلام للرد على استفساراتهم والعمل على طمأنة المواطنين وحل مشكلاتهم، والسعي لإبراز الجهود التي تقوم بها الدولة على الأرض في القطاعات المختلفة.
وانتقدت الإعلامية قصواء الخلالي مقدمة برنامج “في المساء مع قصواء” على قناة “سي.بي.سي” قبل أيام شح المعلومات الصادرة عن المؤسسات الحكومية وعدم توضيح الصورة للرأي العام وتراخي المتحدثين الرسميين عن القيام بدورهم والتفاعل مع الإعلام، ولذلك انقطعت همزة الوصل بين الشارع والحكومة.
وتفاعل رئيس الحكومة مع الانتقادات الموجهة لشح المعلومات، وشدد على المسؤولين بسرعة توضيح الحقائق والرد على الشائعات وتقديم المعلومات الكافية للرأي العام، وعدم ترك المساحة لتكهنات يمكن أن تثير البلبلة في الشارع، وضرورة الكشف عن النجاحات التي تتحقق، وأنه سيتابع التواصل مع الإعلام بشكل شخصي.
ويعاني الإعلام المصري من ندرة كبيرة في المعلومات وعدم الرد على أغلب الاستفسارات التي يطرحها الجمهور، ويتمسك مسؤولون كبار في المؤسسات الحكومية بتحديد طريقة وتوقيت الإجابة ومضمونها، ما جعل المنابر في مواجهة مع الناس وصار ينظر إلى الصحافي بريبة، فلا هو يقدم المعلومة ولا ينتقد الخطأ.
وتتقاطع طموحات الإعلاميين في حرية تداول المعلومات مع قناعات الكثير من المسؤولين بأن التعتيم حق مكتسب لهم، بذريعة الحفاظ على الأمن والاستقرار وعدم استغلال تيارات معادية لنشر الحقائق في تأليب الرأي العام، وهي قناعات خاطئة كرست تغييب الحقائق وساعدت على نشر الشائعات وأربكت الناس.
ويرى إعلاميون أن حرية الرأي والتعبير في الاختلاف مع وجهات نظر أيّ مؤسسة حكومية تبدأ من إتاحة المعلومات الموثقة التي يمكن من خلالها الوقوف على أبعاد كل قضية أو قرار، وبعدها يمكن للإعلام ممارسة دوره في النقد وتوصيل صوت الناس بناء على ما أتيح له من بيانات حقيقية.
ولذلك تعد حرية تداول المعلومات أكبر من كونها توجيها وتكليفا صادرا عن الحكومة، لأن العبرة في قناعة المسؤول بأهمية الإعلام في التوعية ونشر الحقائق، ومهما كانت هناك تعليمات شفوية ومكتوبة بالتواصل مع الصحف والقنوات، فإن ذلك من الصعب تحقيقه أمام استمرار قدسية التعتيم لدى البيروقراطية المصرية.
وتكمن أزمة الإعلام مع الحكومة في أن الأخيرة تسعى لتقوم بدوره وتحجّم الاعتماد عليه كمصدر مهم للمعلومة أو نفي الشائعة، حيث خصصت منصة تابعة لمجلس الوزراء لنشر البيانات الرسمية والمعلومات حول ملفات متباينة لتحصل وسائل الإعلام على المعلومة من خلال هذه المنصة دون سؤالها عن شيء آخر.
الإعلام المصري يعاني من ندرة كبيرة في المعلومات وعدم الرد على أغلب الاستفسارات التي يطرحها الجمهور
وبدأ المركز الإعلامي للحكومة في إنتاج مقاطع فيديو وتوزيعها على صحف ومواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية، وتحتوي على بيانات وترتبط بالرد على المعلومات المضللة ومصدرها وتقديم ردود مفصلة من قبل الوزارات التي طالتها شائعات، لكن المشكلة أن كل ذلك يأتي متأخرا وبلا تجاوب لحظي ومباشر مع الإعلام.
وتعكس الملصقات التي تكتظ بها جدران المؤسسات الحكومية، وتحذر الموظفين والمسؤولين من التعامل مع الإعلام أو الإدلاء بتصريحات لأي درجة يعاني أبناء المهنة من حصار مفروض على الأخبار ما لم تكن الجهة الرسمية تريد توصيل معلومة معينة في صورة بيان رسمي خال من الرد على استفسارات الناس.
وبالطبع لا يكفي التكليف الحكومي بشأن تواصل الهيئات العمومية مع الإعلام لإتاحة حرية تداول المعلومات ولا يضمن حق الناس في المعرفة ما لم تكن هناك تشريعات واضحة تضمن للمواطن والصحافي الحصول على ما يريدانه بطريقة قانونية تؤمن الحكومة بتطبيقها، وهو ما يحتاج إلى إرادة سياسية أكثر منها توجيها فوقيا.
وقال صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة إن التضييق على حرية المعلومات يحمل مخاطر كثيرة، وطالما يشعر مسؤولون بأن حديثهم مع الصحف والقنوات قد يجلب لهم أضرارا فلن يتجاوبوا مع هذا الحق، بالتالي يجب أن تكون هناك قوانين تضمن عدم المعاقبة على نشر المعلومات للصحافي أو من أدلى بها.
وأضاف لـ”العرب” أن الشراكة الحقيقية بين الإعلام والشارع والحكومة تبدأ بتقاسم المعلومات بلا اجتزاء لكي يتسنى للأطراف المتشاركة حل المشكلات الحقيقية والوصول إلى مرحلة النقد البناء والصياغة الدقيقة ووضع تسويات واقعية لكل قضية، لأن إظهار الحقائق يدعم النقاش الجاد للقضايا من جانب جميع الأطراف.
دوائر رسمية ترغب في تحجيم اعتماد الإعلام على المصادر المجهّلة التي ترفض الكشف عن هويتها
وهناك جهات رسمية تتعامل مع التضييق على المعلومات باعتبارها قضية إعلامية بحتة، والإصرار على المعرفة يحمل تطفلا من الصحافي دون اكتراث بحق الشارع نفسه في المعرفة، وإذا استمر استبعاد الجمهور من المعادلة فالتعتيم سوف يظل قائما ويبقى الخلاف منحصرا بين الإعلام والحكومة.
ولا يخلو الاتجاه لرفع الحظر عن التحدث للإعلام من تنامي الشعور بأن حالة الإحباط التي وصل إليها الشارع وكثرة الرسائل السلبية لن تخفّ سوى عبر إظهار الحقائق والتحرك الرسمي بشكل إيجابي، فما ترسخ في أذهان الناس يرتبط بفشل الحكومة في معالجة الملفات المعروضة عليها، وقد يكون القادم أسوأ.
وترغب دوائر رسمية في تحجيم اعتماد الإعلام على المصادر المجهّلة التي ترفض الكشف عن هويتها، والتي تضع الحكومة في ورطة مزدوجة تتمثل في خروج معلومات لا يجب ظهورها علانية، وزيادة الشائعات التي يصعب التصدي لها لاحقا.
وأعلن مجلس تنظيم الإعلام أن 30 في المئة من إجمالي مخالفات وسائل الإعلام كانت بسبب الأخبار مجهولة المصدر، لكنه لم يعلن الأسباب التي أدت إلى لجوء الصحف إلى إخفاء مصادر المعلومات، مع أن المبررات موجودة ومرتبطة بحق الناس في المعرفة وحق الصحافي في إعلان الحقيقة.
ويتفق صحافيون على أن حرية الإعلام مرتبطة بشكل وثيق بحرية المعلومات، وكلتاهما لا تنفصلان عن بعضهما، فالمكاشفة من المؤسسة الرسمية تجعل النقاش حول قضية بعينها هادفا ويخدم كل الأطراف، الإعلام والجمهور والحكومة، ويقطع الطريق مبكرا على المنابر المعادية التي تستغل التضارب بين هذه الأطراف.
وإذا كانت حرية الرأي والتعبير بحاجة إلى إرادة سياسية، فإن البداية تتطلب إقرار حق الصحافي في الحصول على المعلومة ليبني عليها موقفه بحيادية، بالنقد أو الدعم، وهو ما يصعب تحقيقه قبل أن تدرك الحكومة أهمية قيام الإعلام بمساعدتها على معرفة أماكن الخلل ليكون رقيبا معها وليس خاضعا لرقابتها.