الحكومة المصرية تستسلم لتمرد الشارع ضد خفض الإنجاب وتقر حوافز

تحاول الحكومة المصرية منذ فترة إقناع المصريين بضرورة الحد من الإنجاب الذي ترى أنه يعمق الأزمات الاقتصادية للبلد، لكنها لم تنجح في ذلك واضطرت لتقديم حوافز مالية لمن يلتزم بإنجاب طفلين فقط، وهو ما يعكس مدى انعدام الثقة بينها وبين المواطنين ومدى تمكن الفكر الديني المتشدد من توجيه السلوك الإنجابي للمصريين.
القاهرة - عكست موافقة الحكومة المصرية على تقديم حوافز مالية للسيدات الملتزمات بإنجاب طفلين على الأكثر استسلاما من قبلها للأمر الواقع أمام تمرد بعض الأسر ضد خططها لمواجهة الانفجار السكاني، وعلى رأسها عدم الاكتراث بالعقوبات التي سبق وجرى الإعلان عنها، وبينها إلغاء الدعم لمن يرفضون الالتزام بتنظيم النسل.
وقال رئيس الحكومة مصطفى مدبولي إن الحافز المالي الجديد هو جزء من مجموعة لحوافز سيتم الإعلان عنها في إطار إستراتيجية تنمية الأسرة المصرية، لأن التصدي للانفجار السكاني مسألة حياة أو موت، مع ثبات الموارد المائية المتاحة لمصر والحاجة لزيادة مساحات الأراضي لتتواكب مع الزيادة السكانية.
وعكس التوجه الحكومي لأي درجة باتت الدولة عاجزة عن وضع حلول جذرية وواقعية لأزمة الزيادة السكانية، حيث يتم إنجاب مليون طفل كل تسعة أشهر فقط، رغم سياسة الترهيب التي تم إعلانها من قبل وحملت عقوبات كثيرة، لكن يبدو أن الحكومة رفعت الراية البيضاء وقررت تطبيق سياسة الترغيب.
وقررت الحكومة اللعب على وتر سوء الأوضاع المعيشية للناس، ورأت أن أنسب طريقة لإقناعهم بخفض الإنجاب منحهم حوافز مالية طالما التزموا بمسار تنظيم الأسرة، ما يجلب استجابة نوعية أمام اقتناع البعض بأن إنجاب المزيد من الأبناء يحلب لهم مآسي اقتصادية واجتماعية وسط النظرة التشاؤمية للمستقبل.
وتحرك النظام المصري لتليين مواقف المواطنين بالحوافز المالية بعدما أصبح في مأزق صعب، فهو يجاهد ليشعر الناس بالتغيير والإنجازات والتنمية، لكن لا يقتنع كثيرون بذلك أمام زيادة أعداد المواليد بشكل غير مسبوق، وفي نفس الوقت لا تستجيب الأغلبية للخطاب الرسمي بأن تحسن مستوى المعيشة مرهون بخفض الإنجاب.
وأكد عمرو حسن مقرر المجلس القومي للسكان بالحكومة سابقا لـ”العرب” أن تقديم حوافز مالية للأسر التي تنظر إلى الإنجاب كسند اقتصادي فكرة جيدة، لأن هناك عائلات كثيرة تبحث عن أي سند مادي من الحكومة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، ولذلك من المهم النظر إلى الحوافز الإيجابية باعتبارها حلا سحريا مرجح أن يغري الكثيرين.
ويوحي المشهد الراهن بأن الحكومة أخفقت في خطاب التوعية بمخاطر الزيادة السكانية، لأنها تعاملت بفوقية مع الشريحة المستهدفة، وركزت فقط على العقوبات لا الامتيازات، كما أن خطابها لم ينزل إلى مستوى فكر الأغلبية التي ترى في زيادة الإنجاب سندا اقتصاديا، لأن رسائلها لم تصلهم، ولا يقرأون بياناتها أو يصدقون إعلامها.
ولا تعرف الأسر التي تعيش في المناطق الأكثر إنجابا معلومات عن خطط الحكومة في مواجهة الانفجار السكاني، ولا يستوعبون كلامها، ويصدقون فقط شيوخ السلفية الذين يحتكون بالشارع الذي يحرم تنظيم الأسرة، وأي خطاب يصدر عن الحكومة بشأنها، حتى أصبحت هناك فجوة بين الدولة والسكان في فضاء تنظيم النسل.
الحكومة قررت اللعب على وتر سوء الأوضاع، ورأت أن أنسب طريقة لإقناع الناس منحهم حوافز مالية
ويؤسس شعور المواطنين بأن التوجه الحكومي نحو زيادة معدلات التقشف ورفع الأسعار باستمرار للمزيد من التمرد على دعوات خفض الإنجاب، كما أن اتجاه الحكومة لخفض الدعم ليتم تقديمه للأسر التي تنجب طفلين فقط كإجراء عقابي، كانت له انعكاسات سلبية بزيادة الأمية وزواج القاصرات وأعداد المواليد.
وأضاف حسن أن سياسة الترهيب مع مجتمع يعاني أزمات اقتصادية، هي حوافز سلبية لا تجدي نفعا، خاصة عندما تستهدف أسرا تستسهل الإنجاب لقناعات دينية واقتصادية ومجتمعية وثقافية، وكل هذه التحديات بحاجة لجهود كبيرة عبر مسارات متعددة، على رأسها أن تكون هناك واقعية في الخطاب التوعوي لمشاركة الشارع في حل الأزمة.
وتؤمن شريحة كبيرة من المواطنين في مصر بأن ربط الحكومة الزيادة السكانية بضعف معدلات التنمية وزيادة الفقر يعكس إخفاقها في وضع خطة عملية، لأن نفس معدلات الزيادة تبدو قريبة مما كانت عليه مصر في حقبتي الثمانينات والتسعينات، ولم يكن عدد السكان عائقا أمام الطفرة الاقتصادية، وكانت سياسات الحكومة تستوعب الزيادة السكانية بشكل معقول.
وتخشى الحكومة من الإقدام على خطوة قد تؤلب الشارع عليها من خلال فرض قانون لتحديد النسل، لأنها ستجلب منغصات سياسية واجتماعية يصعب علاجها، كما أن الظروف الاقتصادية والدينية لن تسهم في نجاحه أو تقبله أمام تمسك المؤسسات الدينية الرسمية بخطاب يرفض تحديد النسل ما يضع الحكومة في مواجهة محتدمة مع الناس.

ولم ينجح تسليط الضوء على أزمة الانفجار السكاني طيلة السنوات الماضية في إيجاد رأي عام داعم لتوجهات الحكومة نحو إلزام المواطنين بطفلين ولو لمرحلة مؤقتة، وفي كل مرة تتجه للإعلان عن تطبيق قرارات جديدة في هذا الشأن تصطدم برفض شعبي يجعلها تتراجع عن خطوتها، ما يشي بأن المعضلة تكمن في الأدوات الفعالة التي تستخدمها لعلاج الأزمة.
وأدى عدم تجاوب الشارع مع الخطط الحكومية للحد من الإنجاب إلى إنشاء هيئة قومية جديدة للسكان تتبع رئاسة الجمهورية بهدف تسهيل تنفيذ سياساتها وقراراتها سريعا، وحتى لا تواجه صعوبات وعراقيل في تطبيق رؤية الدولة، لكن لا يوحي هذا التحرك بإمكانية حل الأزمة سريعا، طالما اقتنعت الحكومة بأن المشكلة في الكيانات لا الخطط الوهمية.
ومهما بلغت المزايا المالية التي سيتم إقرارها للملتزمين بخفض الإنجاب، فإن ذلك لن يحقق الغرض، فالناس لا تثق في الحكومة ولا تعهداتها، وأصبحت الغالبية تتعامل مع خطابها بريبة وتشكك وعن غير اقتناع بعدما تهاوت صورتها في الشارع وصارت متهمة بكل الأزمات المعقدة، فكيف تمنح مزايا مالية، وهي التي ترمم الاقتصاد من جيوب الناس.
وإذا التزمت الحكومة وأقرت حزمة مساعدات مالية، فإنها ستواجه معضلة أكثر تعقيدا، هي السبب فيها، وترتبط بأنها افتقدت الإرادة السياسية في حربها ضد التطرف الديني والفكري الذي لا يزال يغذي كثرة الإنجاب ويتحدى خطط الدولة، وتصر بعض الدوائر على التعامل مع المتشددين بسياسة المواءمات، لا المعارك.